عززت التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً فيما يتعلق بالتصعيد الدائر بين حماس وإسرائيل منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي، من مخاوف أسواق النفط، بشأن مخاطر واسعة محتملة، لا سيما حال توسّع دائرة الصراع وامتداده.
تلقت الأسواق الصدمة الأولى، ثم ما لبثت وأن تماسكت نسبياً وسط تذبذبات شهدتها أسعار الشهر الماضي، والتي قادت إلى تراجعات خسائر تصل لأكثر من 8 بالمئة في أكتوبر (خام غرب تكساس الوسيط الأميركي خسر 10.8 بالمئة، في حين سجل خام برنت خسائر شهرية بنسبة 8.3 بالمئة).
يأتي ذلك رغم سيناريوهات مختلفة توقعت ارتفاعات قياسية للأسعار تناغماً مع تصاعد التوترات الراهنة، غير أن الأسواق أدارت ظهرها لتلك المخاوف مدفوعة بعددٍ من العوامل الرئيسية؛ من بينها عوامل مرتبطة بالتطورات الجيوسياسية نفسها والتصعيد في غزة (وتتلخص في انحسار المخاوف المتعلقة بتوسع الصراع، ما أعطى دفعة للأسواق)، وعوامل اقتصادية أخرى من بينها ما يتعلق بنفط فنزويلا، مع تحرك الولايات المتحدة هذا الشهر لتخفيف عقوباتها على قطاعها النفطي بشكل كبير.
ويضاف إلى تلك العوامل ما يتعلق بزيادة المخزونات الأميركية، علاوة على الأداء المخيب للآمال للاقتصاد الصيني، جنباً إلى جنب ومخاوف الركود التي تلف مصير الاقتصاد العالمي.
لكن المحللين يعتقدون بأن المستويات المنخفضة لأسعار النفط (مقارنة بالتقديرات بعد السابع من أكتوبر) عرضة لاهتزازات واسعة، فهي رهينة التطورات فيما يخص المشهد في غزة.
عوامل رئيسية
من لندن، يقول الخبير في اقتصادات الطاقة، الدكتور نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أسعار النفط سجلت انخفاضاً بنسبة 8 بالمئة خلال شهر أكتوبر، وفي الأسبوع الماضي انخفضت الأسعار 6 بالمئة، مرجعاً ذلك إلى عددٍ من العوامل الرئيسية، وهي كالتالي:
- التقارير المرتبطة بارتفاع الإنتاج الإيراني والتصدير.
- التفاوض بشأن رفع العقوبات عن النفط الفنزويلي، الأمر الذي سيدخل 500 ألف برميل يومياً للسوق قريباً.
- تصاعد القلق من الاقتصاد الصيني، في ضوء بيانات اقتصادية مخيبة للآمال.
- الحرب في غزة حتى الآن جغرافياً تقتصر على غزة فقط، ولم تتوسع، بينما كانت المخاوف من اتساع رقعة الحرب (..) وإعاقة الملاحة في مضيق هرمز.
- ارتفاع المخزونات الأميركية له تأثير ضئيل.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، الأربعاء، فإن مخزونات النفط الخام والبنزين ارتفعت في الأسبوع المنتهي يوم 27 أكتوبر.
سجلت مخزونات الخام 774 ألف برميل الأسبوع الماضي إلى 421.9 مليون، مقارنة مع توقعات محللين استطلعت رويترز آراءهم بزيادة 1.3 مليون برميل.
ويلفت إسماعيل إلى تحذيرات البنك الدولي من وصول أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل، حال تفاقمت التوترات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط.
ووضع البنك الدولي ثلاثة سيناريوهات محتملة (بحسب رؤية مقارنة للمخاطر مع أزمات تاريخية سابقة في المنطقة).
يشير السيناريو الأول إلى تراجع الإنتاج بنحو 500 ألف إلى 2 مليون برميل يوميا، بما يدفع الأسعار لمستويات بين 93 إلى 102 دولاراً للبرميل في الربع الرابع (وهو سيناريو مطابق لأثر الحرب في ليبيا في 2011 على الأسواق).
بينما السيناريو الثاني (والذي يتماشى لأثر حرب العراق 2003 على أسعار النفط) يفترض خفض إمدادات النفط العالمية بمقدار من 3 إلى 5 ملايين برميل يومياً، ووصول سعر البرميل بين 109 و121 دولاراً.
فيما السيناريوهات الثالث هو تقليص إمدادات النفط العالمية بمقدار 6 ملايين إلى 8 ملايين برميل يومياً؛ وهذا من شأنه رفع الأسعار إلى 140 و 157 دولاراً للبرميل، أي قفزة تصل إلى 75 بالمئة، قياساً بتأثير الحظر النفطي العربي في 1973 إبان حرب أكتوبر.
ويضيف الخبير في اقتصادات الطاقة: "الأسواق تجاهلت عنصر ما يسمى بـ "علاوة المخاطر من الحرب"، ولكن بينما الأسعار منخفضة خلال الشهر، إلا أن هذا يعتمد على التطورات على الساحة، وقد تتغير الصورة كلياً في الأسابيع المقبلة ونرى ارتفاعاً كبيراً للأسعار (على حسب تطورات الأوضاع)".
ويلفت إسماعيل إلى أن تنبؤات ارتفاع الأسعار لا تزال منخفضة، مشيراً إلى تقديرات "ستاندرد تشارترد"، والتي تشير إلى وصول محتمل لأسعار النفط إلى 98 دولاراً للبرميل خلال العام الجاري.
لكنه يعتقد في الوقت نفسه بأنه "حال ما اتسعت دائرة التوتر وتدخلت إيران عسكرياً ومع حدوث ضربات أميركية، فقد تتضاعف الأسعار وصولاً إلى عتبة الـ 200 دولار".
وأنهى الخامان (برنت وغرب تكساس الوسيط الأميركي) الأسبوع منخفضين، إذ تكبد خام برنت خسائر بنحو 4.8 بالمئة، والخام الأميركي هبط بنحو 6 بالمئة.
وفي سياق متصل، نقلت وكالة أنباء السعودية الرسمية عن مصدر رسمي في وزارة الطاقة قوله إن المملكة مستمرة في الخفض التطوعي، البالغ مليون برميل يومياً، والذي بدأ تطبيقه في شهر يوليو 2023، وتم تمديده لاحقاً حتى نهاية شهر ديسمبر من العام 2023، وبذلك سيكون إنتاج المملكة في شهر ديسمبر 2023، ما يقارب 9 ملايين برميل يومياً.
تبدد مخاوف توسع الصراع
الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط عامر الشوبكي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- أسعار النفط محت مكاسبها التي تحققت منذ بداية التوترات في غزة في السابع من شهر أكتوبر الماضي، بعد أن عاودت إلى الانخفاض أخيراً وفقدت المكاسب التي جنتها بمقدار من ثلاثة إلى خمسة دولارات على البرميل في البداية.
- ثمة مجموعة من الأسباب؛ أولها ما يتعلق بالتطورات على الأرض، بعد أن دخلت القوات الإسرائيلية براً في غزة، لم تتدخل أطراف كانت تهدد في السابق عند بدء التوترات بأن تتدخل وبما ينذر بتوسع الحرب. ومع عدم تدخل تلك الأطراف تبددت مخاوف التوسع.
- الآن "المعركة" تأتي ضمن نطاق بين إسرائيل وغزة، وبالتالي لا تتأثر مسارات النفط أو الإمدادات العالمية، مقارنة بالمخاوف من تمدد الصراع شمالاً إلى لبنان ودخول حزب الله، بما يهدد بتدخل إيران، وهي دولة منتجة للنفط ولها تأثيرها، وبالتالي تأثر الممر الهام، وهو مضيق هرمز.
- انحسار تلك المخاوف أدى بشكل واضح لانخفاض أسعار النفط، علاوة على عوامل أخرى من بينها مخاوف الركود الاقتصادي العالمي، والضعف العام بالاقتصاد العالمي.
- ومن بين العوامل أيضاً المخزونات المرتفعة في الولايات المتحدة الأميركية، وقد كانت من بين أسباب انحسار المخاوف.
ويشار إلى أن مضيق هرمز -الذي يمتد على طول حوالي 21 ميلاً بحرياً، ويقع في منطقة الخليج ويفصل بين إيران من الشمال وسلطنة عمان من الجنوب- يعد من أهم الممرات المائية في العالم، ويمر منه حوالي 20.5 مليون برميل يومياً، من دول الخليج وإيران، حسب بيانات صادرة عن شركة "فورتكسا" للتحليلات.
لكن الشوبكي يعتقد بأن التوترات الجيوسياسية الحالية تجعل الفرصة مهيئة لقفزات أعلى في أسعار النفط حسب التطورات على الساحة، خاصة إذا ما تدخلت إيران في هذا الصراع أو توسع من نطاقه الحالي بشكل أكبر إلى الإقليم.
وفي سياق متصل، يلفت الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط، إلى أن هذا الأمر لم ينطبق على أسعار الغاز، التي هي ما تزال مرتفعة ما بين 50 أو 55 يورو للميغاوات ساعة في السوق الأوروبية، لا سيما مع غلق حقل تمار الإسرائيلي.
وتشير تقديرات البنك الدولي، إلى أنه يُتوقع أن يصل متوسط سعر برميل النفط إلى 90 دولاراً في الربع الرابع من العام.
فيما حذر البنك من أن تداعيات تصعيد الصراع الأخير في الشرق الأوسط (التوترات بين حماس وإسرائيل)، يُمكن أن تقود لرفع الأسعار بشكل كبير.