تترقب الأسواق، خلال الأسبوع الجاري المزدحم، مجموعة من البيانات المُهمة، والتي يُمكن أن تسفر عن تأثيرات واسعة (سواء بشكل مباشر وغير مباشر)، لا سيما فيما يتعلق بالاجتماع المنتظر لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وأرباح عدد من الشركات، على رأسها شركة "آبل".
تُضاف إلى تلك العوامل طبيعة التطورات المحتملة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية الراهنة، لا سيما فيما يخص الصراع في منطقة الشرق الأوسط بين غزة وإسرائيل.
يأتي ذلك في وقت شهد فيه شهر أكتوبر مجموعة من التقلبات، وبعد أن دفعت الارتفاعات في عوائد سندات الخزانة جنباً إلى جنب والتطورات الجيوسياسية المذكورة، بضغوطات أوسع على أسواق الأسهم.
من بين الأحداث التي يتعين مراقبتها خلال الأسبوع أيضاً: أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث لدول الاتحاد الأوروبي، وقرار السياسة النقدية في اليابان. علاوة على قرار بنك إنجلترا بشأن سعر الفائدة (يوم الخميس)، علاوة على نتائج أعمال عدد من الشركات.
يتزامن ذلك مع حالة "عدم يقين" يشهدها الاقتصاد العالمي، تحت وطأة الضغوطات التضخمية -التي وإن هدأت وتيرتها في بعض الاقتصادات إلا أنها لا تزال بعيدة عن المعدلات المستهدفة- فضلاً عن ارتدادات التطورات الجيوسياسية حول العالم، وبما يؤثر على سلاسل التوريد، الأمر الذي يهدد بموجة جديدة من التضخم.
أسبوع حافل
يرصد كبير الاقتصاديين بشركة "ACY"، نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أبرز الأحداث التي تترقبها الأسواق هذا الأسبوع، والتي يمكن أن تصاحبها تأثيرات واسعة، سواء بشكل مباشر وغير مباشر.
في البداية، وفيما يخص اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، يعتقد الشعار بأنه "من الواضح تماماً أن كل الدلائل تشير إلى أن الاجتماع المنتظر هذا الأسبوع ستكون نتيجته تثبيت أسعار الفائدة (الإبقاء عليها دون تغيير)، مبرراً ذلك بقوله:
- التضخم لا يزال معتدلاً وليست هنالك ارتفاعات مخيفة، رغم أن معدل التضخم أكبر من المعدل المستهدف (2 بالمئة).
- توقعات التثبيت أيضاً تعززها البيانات المرتبطة بارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية، والتي تجاوزت في بعض الأحيان بصفقات خاصة الـ 5 بالمئة.
- لا أعتقد بأن بنك الاحتياطي سوف يقوم بالمغامرة مرة أخرى ويرفع الفائدة، لا سيما وأن ذلك يؤدي لارتفاع عوائد السندات، وهو أمر مضر للاقتصاد الأميركي.
- أتصور أن الفيدرالي "مرتاح للوضع الاقتصادي والنمو اقتصادي في أميركا"، وبالتالي ليس هناك داعٍ لرفع الفائدة.
يشار إلى أن مؤشر أسعار المستهلكين لشهر سبتمبر قد استقر عند 3.7 بالمئة على أساس سنوي في الولايات المتحدة، بينما تراجع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي إلى 4.1 بالمئة على أساس سنوي، بحسب بيانات وزارة العمل الأميركية.
ويسعى الفيدرالي الأميركي لكبح جماح التضخم، وإبطاء النشاط الاقتصادي، بهدف تخفيف الضغط الحالي على الأسعار. بينما المخاوف ترتبط بأنه كلما طال أمد التضخم زادت قوته، ما يؤدي إلى حدوث ركود.
وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد اعترف في وقت سابق من هذا الشهر بأن الولايات المتحدة "يمكن أن تعاني من "ركود طفيف جداً".
وأبقى الفيدرالي الأميركي في اجتماعه الأخير معدلات الفائدة دون تغيير، بعد أن تم رفعها 11 مرة منذ مارس 2022، لتصل إلى نطاق يتراوح بين 5.25 بالمئة و5.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ 22 عاماً.
فيما كشف محضر اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي تم إصداره في وقت لاحق بعد الاجتماع الذي انعقد في 19 و20 سبتمبر، شعورًا متزايدًا بعدم اليقين بشأن مسار الاقتصاد الأميركي، حيث تشكل البيانات المتقلبة وتشديد الأسواق المالية مخاطر على النمو. بينما تنتظر الأسواق نتائج الاجتماع الذي يعقد يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.
أرباح آبل
ويتطرق كبير الاقتصاديين بشركة "ACY"، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى الحدث المرتقب، والمتعلق بأرباح شركة "آبل" وتداعياته على الأسواق هذا الأسبوع، قائلاً:
- شركة آبل تشكل معجزة في عالم الاقتصاد (..) تصل قيمتها السوقية إلى حدود 2.7 تريليون دولار (أكثر من الناتج الإجمالي المحلي لروسيا على سبيل المثال والذي يصل إلى 2.2 تريليون).
- يُتوقع أن تأتي نتائج الشركة "أفضل من التوقعات" بسبب الإصدارات الجديدة.
- السبب الأساسي، هو أن قيمة آبل دائماً مستقرة، وفي تزايد مستمر، لا سيما وأن كبار المستثمرين والمؤسسات يستثمرون فيها (..) إنهم يرون فيها مستقبلاً واعداً؛ بسبب قدرتها على مواكبة التكنولوجيا الحالية وتقديم منتجات جديدة.
- الشيء الآخر الذي سوف يضيف إلى الشركة في هذه الفترة ويدفع إلى رفع أسعار أسهمها، هو ما يتعلق بدخولها عالم الذكاء الاصطناعي، مع عمل الشركة على إدماج الـ AI في أغلب منتجاتها، وبما يعطيها زخماً ودافعاً جديداً.
- إذا وصل سهم آبل إلى 200 دولار -وهو أمر متوقع- فهذا يعني أن القيمة السوقية للشركة ستكون أكثر من 3 تريليونات دولار.
- آبل فريدة من نوعها، بينما لا يمكن التوقع بشكل دقيق بأداء الشركة أو أسهمها، لأن قطاع التكنولوجيا عموماً يتعرض لهزات -من آن لآخر- مصدرها إما شائعات أو حالة اقتصادية تخص القطاع.
ويشار إلى أن مبيعات آبل للربع الثالث من سنتها المالية المنتهي في أول يوليو انخفضت 1.4 بالمئة إلى 81.8 مليار دولار، وارتفعت الأرباح للسهم بنسبة خمسة بالمئة إلى 1.26 دولار، بحسب البيانات المعلنة في أغسطس الماضي.
وجاءت مبيعات هاتف آيفون أقل قليلا من تقديرات المحللين لكن عوضتها مبيعات قوية للخدمات التي تتضمن خدمة "أبل تي.في+" وكذلك المبيعات في الصين التي زادت ثمانية بالمئة على أساس سنوي.
التطورات الجيوسياسية
ومن بين أبرز الأحداث المُهمة التي تترقبها الأسواق خلال الأسبوع الجديد، هو ما يتعلق بتطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، حيث التوترات بين حماس وإسرائيل، لا سيما بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير والسيناريوهات المفتوحة التي قد يسفر عنها الصراع. ويشير الشعار في هذا السياق إلى أن:
- ثمة تأثير كبير جداً للتطورات الجيوسياسية بشكل مباشر على المواد، وهذا ما رأيناه من خلال ارتفاع أسعار الذهب، وكذلك أسعار النفط في كثير من الأحيان.
- في نفس الوقت ثمة تأثير على أسعار "العملات الرقمية" بالنسبة لبعض الفئات من المستثمرين ممن يتجهون إليها كـ "ملاذ آمن".. ولا يمكن لي كاقتصادي تبرير السبب وراء ذلك، لكنه يتعلق ببعض الفئات التي تلجأ إليها.
- سيكون للتطورات تأثير على الأغلب في المناطق القريبة من الصراع، من بينها أوروبا، ودول المنطقة (الشرق الأوسط)، جنباً إلى جنب والتأثيرات الإنسانية الواسعة (..).
- صراع غزة وإسرائيل مؤثر بالنسبة للمنطقة، وسوف يؤدي لنوع من التغيير في المشهد العام لعملية الاستثمار فيها (..).
- لن تؤثر التطورات على معدلات التضخم بشكل مباشر، إنما بشكل غير مباشر من خلال ارتفاع أسعار مواد معينة والتي تؤثر بدورها في المستوى العام للأسعار (..).
الاقتصاد العالمي
وفيما أبقى صندوق النقد الدولي على توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2023، حسب ما أظهرت البيانات التي نشرها قبل أسبوعين على هامش اجتماعاته السنوية، فقد أبدت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، أخيراً، قلقها إزاء الخسائر المأساوية في الأرواح في الحرب بين إسرائيل وغزة وتدمير النشاط الاقتصادي وتقليصه.
ولا يزال الصندوق يتوقع نمواً عالمياً نسبته 3 بالمئة في 2023، وأقل بقليل في 2024 عند 2,9 بالمئة، أي بتراجع طفيف نسبته (-0.01%) مقارنة بتقديراته السابقة الصادرة في يوليو.
من جانبه، يتحدث الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن أثر تلك التطورات المرتقبة هذا الأسبوع على الأسواق، موضحاً في البداية أنه فيما يخص "أرباح آبل"، فإن الأيام الأخيرة قد شهدت الإعلان عن أرباح عديد من الشركات الكبرى، وكانت جيدة جداً إلى حد ما، ويُتوقع في هذا السياق أن تكون أرباح آبل إيجابية أيضاً "لكن السؤال هو ما إذا كانت السوق تتوقع أرباحاً أكثر من عدمه (أي هل تتوافق الأرباح مع التوقعات أو تخالفها؟).
بينما فيما يتعلق باجتماع الفيدرالي (31 أكتوبر والأول من نوفمبر)، فيشدد على أن أسواق المال وسندات الخزانة الأميركية تشير إلى أن الفيدرالي لن يرفع الفائدة في الاجتماع القادم، وبالنظر إلى الارتفاعات التي رأيناها خلال الشهرين الماضيين على العوائد على سندات العشر سنوات في أميركا وكذلك في بريطانيا وألمانيا، والآن نرى مستويات لم نرها منذ الأزمة المالية العالمية.
وبخصوص التطورات في غزة، فيرى الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات، أن تلك التطورات "لها تأثيرات على سلاسل التوريد، لا سيما بالنسبة للنفط ومنتجاته، وعلى أوبك في اجتماعها القادم طمأنة الأسواق والاقتصادات والتأكيد على استعدادها لتلبية جميع الحاجات بغض النظر عن أنه من الممكن أن نرى تباطؤاً أو عطلة في الإمدادات".