سجلت عملة "البيتكوين" منذ بداية العام الجاري 2023 ارتفاعات قياسية تجاوزت الـ 100 بالمئة، لتستقر عند أعلى مستوى لها في عام ونصف تقريباً في تعاملات الاثنين الماضي، قبل أن تتوقف، الأربعاء، ارتفاعاتها المتتالية المسجلة في الأيام الأخيرة والتي يرجعها محللون إلى تأثيرات تقنية واقتصادية، علاوة على أثر التوترات الجيوسياسية الأخيرة.

وتدور العملة المشفرة الأكبر من حيث القيمة السوقية، بين حاجز الـ 35 ألف دولار في الأيام الأخيرة، والذي تجاوزته منتصف الأسبوع. وقد تزامن ذلك مع صعود منافستها الأصغر (عملة إيثريوم) لأعلى مستوى لها في شهرين.

تعزز عدد من العوامل المشتركة تلك الارتفاعات، يحددها محللون في تصريحات منفصلة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، ويُمكن تلخيصها فيما يلي:

  • التفاؤل في صفوف المتعاملين بشأن إحتمالات إنشاء صندوق استثماري متداول للبيتكوين الفوري.
  • تأثير التوترات الجيوسياسية، وارتدادات ما يحدث في غزة وسلوك المتعاملين في الأسواق.
  • المؤشرات المرتبطة بمواصلة ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي محاولات اللجوء إلى استثمارات بديلة لحفظ قيمة العملات، بما في ذلك الاستثمارات التي تحمل نسبة مخاطرة.

أسباب تقنية

يتبنى كبير الاقتصاديين بشركة "ACY"، نضال الشعار، وجهة النظر التي ترى أن الارتفاعات التي سجلتها العملات المشفرة إنما هي ناجمة عن "أسباب تقنية" وليست "أسباب اقتصادية".

أخبار ذات صلة

لهيب الأسعار.. ما الذي يحدث في العملات المشفرة؟
بعد خطوة "باي بال".. ما هي "العملات المستقرة"؟

ويشير في بداية حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تحفظه على إطلاق لفظ "عملات"؛ ذلك أنها لا تنطبق عليها شروط ولا مواصفات العملات الصادرة والمتداولة عن طريق الحكومات، إنما هي في أفضل الأحوال يمكن اعتبارها كسلع يتم تداولها في السوق، ولها وظائف معينة، بعضها مجهول وبعضها معلوم.. ويتابع قائلاً:

  • الارتفاع الحالي مرده الأساسي تقنياً وليس اقتصادياً.
  • لم تكن هنالك عوامل اقتصادية أدت للارتفاع، إنما عوامل تقنية بسبب أن شركة "بلاك روك" تقدمت بطلب لفتح صندوق ETF تكون فيه بيتكوين بشكل بيع وشراء فوري.
  • هذا التصور الذي لا يزال في طوره التقني وليس الاقتصادي أدى إلى تحسن مزاج المستثمرين تجاه البيتكوين بشكل خاص، بالتالي شاهدنا ارتفاعات وصلت إلى 20 بالمئة خلال الأسبوع الماضي.
  • كذلك هيئة الأوراق المالية الأميركية عزفت عن قرار الاستمرار في الدعوى المرفوعة ضد الشركة المصدرة لـ XRB وبالتالي هذا كان مؤشراً على أن هناك نوعاً من القبول بدأ يظهر لدى الهيئة بقبول العملات الرقمية كسلعة أو أداة للتداول.

تعد "بلاك روك" و"فيديلتي إنفستمنتس" من بين شركات إدارة الأصول التي تتسابق لتقديم مثل هذه الخدمات والحصول على ترخيص لصندوق تداول فوري لبتكوين في البورصة بالولايات المتحدة. ويُعتقد البعض بأن هذه الصناديق ستتمكن من جذب تدفقات مالية جديدة إلى العملة المشفرة الأكثر شهرة.

وأيدت محكمة استئناف فيدرالية أميركية الاثنين رسميًا انتصار لشركة Grayscale Investments في مسعاها لإنشاء صندوق لتداول بتكوين على الرغم من اعتراضات لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.

أخبار ذات صلة

إسرائيل تصادر ملايين العملات المشفرة تدعم حزب الله
خبير: آلاف المطورين غادروا أميركا لموقفها من العملات المشفرة
نقودك على منصات تداول العملات الرقمية في خطر

ويستطرد: "بعض الاقتصاديين يحاولون الدفع بوجود أسباب اقتصادية لهذه الارتفاعات، منها ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وأن الأسواق مقدمة على فترة أخرى من الارتفاعات في أسعار الفائدة، وبالتالي زاد الطلب على بدائل أخرى مثل الذهب والعملات الرقمية للتحوط ضد أسعار الفائدة والنزوح بعيداً عن سندات الخزانة المتداولة التي سبق إصدارها".

لكنه يرى أن "هذا تفسير اقتصادي مشلول وناقص وغير مقنع"، على حد قوله، مستطرداً: "في تقديري، تفسير الارتفاعات لأسباب تقنية، كون ما يطلق عليه العملات المشفرة بمثابة سلع، وبالتالي عليها في طلب وعرض لأسباب جزء منها معروف وجزء منها غير معروف أو مجهول أو فيه شك.. وسمعنا القصة التي يتم تداولها حالياً في الإعلام بأنه تم استخدام العملات من قبل حركة حماس في تمويل نفسها خلال الفترات السابقة، وفي الحقيقة هو أمر مختلط (..)".

وخلال أسبوع حققت العملات المشفرة مكاسب قيمها 117 مليار دولار، لترتفع مكاسب السوق منذ مطلع العام الجاري إلى 484 مليار دولار، بدعم من الارتفاعات الحادة التي تشهدها عملة "البيتكوين" والتي ارتفعت بنحو 107 بالمئة مسجلة أعلى مستوى لها في نحو 17 شهراً، وسط تفاؤل بأن الموافقة على الصناديق المتداولة بالبورصة سيمنحها زخماً إيجابياً.

أثر التوترات الجيوسياسية

على الجانب الآخر، يقول المدير التنفيذي في شركة VI Markets"، أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الارتفاعات التي تسجلها العملات المشفرة -بقيادة بيتكوين- تأتي بالتزامن مع التوترات في غزة، موضحاً أنه:

  • دائماً ما نرى ارتفاعات في العملات المشفرة في أوقات التوترات المماثلة والأزمات العالمية.
  • رأينا تلك الارتفاعات في العام 2020 (إبان جائحة كورونا)، وكذلك مع بداية الحرب في أوكرانيا (في 24 فبراير 2022).
  • نشأة العملات المشفرة أساساً كانت بداية من العام 2008 وفي ظل أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية.

وبالتالي فإنه من المتعارف عليه أن تلك العملات تشهد ارتفاعات وقت الأزمات، وفق معطي، والذي يلفت إلى أن "البعض يستخدمها في التحويلات، ومن بينها تمويلات من رجال أعمال يستخدمونها في تهريب أموالهم من دولة لأخرى (..) رأينا إسرائيل على سبيل المثال أغلقت عدة حسابات يتم التبرع من خلالها لتمويل حركة حماس".

أخبار ذات صلة

غسيل أموال وجرائم أخرى.. العملات المشفرة في قفص الاتهام
صناعة تعدين البتكوين تزدهر في تكساس رغم الصعوبات

ويتابع: "لا استبعد أن تأتي الارتفاعات بسبب التبرعات القادمة لحماس عن طريق حسابات أخرى.. صحيح أن إسرائيل أغلقت بعض الحسابات، لكن يمكن لحماس أن تفتح حسابات جديدة بأسماء أفراد وتتدارك الموقف (..)"، موضحاً أن "مشكلة العملات المشفرة أن جزءاً منها تمويلات، وجزءاً آخر تهريب أموال من رجال أعمال، وجزءاً آخر من اندفاع الأفراد أنفسهم -وفق سياسة القطيع- عندما يرون الأسعار ترتفع يبادرون بالدخول".

وبالنسبة للعامل الثاني المتسبب في ارتفاع العملات المشفرة، يقول المدير التنفيذي في شركة VI Markets"، يرتبط بتأثير حالة التفاؤل بصندوق استثمار للعملات المشفرة من بلاك روك، موضحاً أنه "حال الموافقة على صناديق استثمار، خاصة في الولايات المتحدة، يعطي ذلك زخماً وتفاؤل في هذا المجال، وبما يدفع بضخ سيولة تتجه لهذه السوق".

  • بحسب تقرير تحليلي لوكالة فرانس برس، عززت إسرائيل والولايات المتحدة، تتبع عمليات تمويل حركة (حماس)، عبر العملات المشفرة منذ بداية الحرب.
  • وقبل أسبوعين، قالت الشرطة الإسرائيلية إنها رصدت وجمدت حسابات تستخدمها حماس، "لطلب التبرعات على وسائل التواصل الاجتماعي" في "Binance"، أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم.
  • ويشار إلى أنه منذ بداية الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر، شهدت عناوين محافظ العملات المشفرة الافتراضية المرتبطة بمجموعات الدعم التي تراقبها مختبرات "TRM" عبور مبالغ أقل بكثير من المعتاد، بحسب التقرير.

سلوك ما بعد الأزمة

وتتفق خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، مع ما ذهب إليه معطي، وتشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه في ظل التوترات الجيوسياسية الراهنة يلجأ المتعاملين إلى العملات المشفرة إلى جانب عديد من الاستثمارات التي تعد ملاذات آمنة مثل الذهب، مع ملاحظة نشاط أسواق الأسهم في بعض الأسواق والعقود الآجلة.

أخبار ذات صلة

البتكوين.. هل تصل لمستويات 100 ألف دولار في 2023؟
أزمة البنوك في مصلحة العملات المشفرة.. هل هي ملاذ آمن؟

وتضيف: "مع تتابع الأزمات بدأ المتعاملون يفكرون في سلوك ما بعد الأزمة، بما في ذلك الاستثمارات التي تحمل مخاطرة، ومنها العملات المشفرة والتي صارت مرشحة لمواصلة الارتفاعات في الفترة المقبلة"، مشددة على أن البيتكوين ارتفع بريقها ولامست مستويات واسعة تجاوزت الـ 60 ألف دولار في وقت سابق، وتدور حالياً في حدود الـ 35 ألف، وبالتالي هي مرشحة لمزيد من الارتفاعات حتى الوصول للمستويات السابقة.

كان العام 2022 عصيباً على الشركة حيث تراجع سهمها بنسبة 74 بالمئة على خطى انهيار بتكوين بنسبة 64 بالمئة إلى 16500 دولار. ويشار إلى أن بيتكوين كانت قد بلغت أعلى مستوى لها على الاطلاق عند 69 ألف دولار في نوفمبر عام 2021.