في ضوء عديد من العقبات؛ وعلى رأسها الضبابية المسيطرة على المشهد الاقتصادي العالمي، تشهد الاستثمارات المرتبطة بتكنولوجيا المناخ تراجعاً ملحوظاً، باستثناء تكنولوجيا احتجاز وتخزين الكربون.
تشير أحدث البيانات الصادرة عن مؤسسة "برايس ووتر هاوس كوبرز"، ومقرها لندن، إلى حجم التراجع الذي سجله القطاع خلال الأشهر الـ 12 حتى نهاية سبتمبر الماضي، على النحو التالي:
- 65 مليار دولار إجمالي الاستثمارات والمنح المالية الخاصة بالشركات الناشئة، والتي تم ضخها في قطاع تكنولوجيا المناخ خلال الفترة المذكورة.
- يشكل هذا الرقم تراجعاً بنسبة كبيرة، تبلغ 40 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
وتشير البيانات إلى تراجع حصة الاستثمارات المناخية بالقطاع الصناعي (المسؤول عن النسبة الأكبر من الانبعاثات)، وقد سجلت 14 بالمئة من حجم الاستثمارات.
وكان صندوق النقد الدولي، قبل أيام، قد شدد على ضرورة زيادة القطاع الخاص استثماراته المناخية، لا سيما على وجه التحديد في البلدان النامية، وذلك بهدف الوصول إلى صافي الكربون الصفري بحلول العام 2050.
ووفق بيانات وكالة الطاقة الدولية، التي ذكرها الصندوق في تقريره الأخير، فإنه يتعين ضخ استثمارات بقيمة تريليوني دولار سنوياً بحلول العام 2030 كاستثمارات مناخية.
كما أشار الصندوق في الوقت نفسه إلى أنّ هذا أعلى بكثير من المبلغ المقرّر للسنوات السبع المقبلة والمقدّر بـ 400 مليار دولار.
إعادة توجيه الاستثمارات
وإلى ذلك، عن مدى تأثير تراجع الاستثمار في تكنولوجيا المناخ على خطط التحول الطاقي والأهداف البيئية، أوضح استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة ومندوب أفريقيا بالهيئة الدولية لتغير المناخ، الدكتور سمير طنطاوي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن توجيه الاستثمارات المخصصة لتطوير تكنولوجيا المناخ إلى أغراض أخرى -في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة- شجع أيضاً بعض الدول المانحة والتي تستثمر في تكنولوجيات المناخ، سواء على مستوى التخفيف أو التكيف على أن "تعيد تخصيص وتوجيه هذه الاستثمارات إلى مجالات مختلفة بعيداً عن المناخ".
وبما أثر بشكل سلبي على العمل المناخي، وأضعف من ملف التغيرات المناخية، وبالتالي أعاق الوصول إلى الهدف الأساسي والذي على أساسه كانت مخرجات مؤتمر المناخ في باريس.
وشدد استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة، على ضرورة أن يعمل الجميع مرة ثانية على إعادة تنشيط وتفعيل الاستثمار الموجهة لتكنولوجيا المناخ؛ ذلك من خلال أن يكون هناك ضغوط من الجهات ذات المصلحة مثل القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني على الحكومات من أجل إعادة تخصيص تمويلات خاصة للبحث والتطوير في مجال تكنولوجيا المناخ.
كما أشار طنطاوي إلى أهمية أن تكون هنالك ضرورة للعمل على تفعيل أسواق الكربون بشكل كامل، بحيث يمكن للمستثمر في مجال المناخ الحصول على فوائد وعوائد ناتجة من الإتجار في شهادات الكربون، الناتجة من أنشطة تخفيف الانبعاثات، وبحيث يمكن للمستثمر الاستفادة من تلك العوائد، ومن أجل استعادة التمويلات وضخها في تكنولوجيا المناخ، بجانب العمل على رفع مستوى الوعي باتجاه أهمية الاستثمار في هذا المجال ومعرفة نسبة فوائده على مستوى الدولي من أجل قضية التغيرات المناخية.
وفيما شدد على أن استخدام التكنولوجيات الحديثة في تخزين ثاني أكسيد الكربون والطاقات الجديدة مثل الهيدروجين خاصة وأن انبعاثاته تكاد تكون صفرية، من بين أهم الأدوات التي يمكن من خلالها خفض الانبعاثات مستقبلاً، اختتم استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة، حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بالإشارة إلى أنه يجب أن يكون لكل دولة في العالم، ما يسمى بـ "تقيم الاحتياجات التكنولوجية" من أجل تحديد التكنولوجيات اللازمة لكل دولة في مجال التخفيف والتكيف حتى تتمكن الحصول على تمويلات خاصة في تلك المجالات.
- وفق بيانات مؤسسة "بلومبرغ"، فإن حجم الاستثمارات العالمية في سياق التحول للطاقة منخفضة الكربون في 2022 ارتفع بنسبة 31 بالمئة، وصولاً إلى 1.1 تريليون دولار.
- بحسب بيانات "أونكتاد" فإنه فيما يخص البلدان النامية، تبزغ أهمية الاستثمار في الطاقة النظيفة بشكل خاص.
- تحتاج الدول النامية إلى استثمارات في الطاقة المتجددة بحوالى 1,7 تريليون دولار سنويا، لكنها ما زالت بعيدة عن ذلك الرقم، إذ جذبت استثمارات أجنبية مباشرة في الطاقة النظيفة بقيمة 544 مليار دولار فقط في العام 2022، بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).
ودعت الأمم المتحدة، يوليو الماضي، إلى الاستثمار بكثافة في هذا القطاع، قائلة إنه بخلاف ذلك، سيكون الأمل ضئيلا في تحقيق أي أهداف مناخية بحلول العام 2030.
احتجاز وتخزين الكربون
ويرجع محللون مختصون تراجع الاستثمارات على النحو المذكور إلى عدة أسباب، منها الاضطرابات الجيوسياسية وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، في ظل حال "عدم اليقين" المسيطرة على الاقتصاد الدولي بشكل عام.
بينما على الجانب الآخر، كانت النقطة المضيئة في هذا السياق مرتبطة بالاستثمار في تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، في خطٍ متوازٍ مع حرص الشركات (في صناعة الوقود الأحفوري) على ضخ استثمارات أكبر في هذه التكنولوجيا.
وهو ما أكده التقرير الصادر عن PricewaterhouseCoopers، والذي أشار إلى أن الاستثمارات في هذا القطاع قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال العامين الماضيين.
وبحسب تقرير الشركة، فإن ثمة تأكداً من كون الاستثمار في مجال احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه منن شأنه أن يؤتي بثماره، كما أن ارتفاع معدلات الطلب وما تقدمه الحكومات من دعم لهذه المشاريع يدفع إلى زيادة ثقة المستثمرين.
وكان نائب مدير إدارة الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي، رود دي مويج، قد ذكر في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت أن "الخبر السار هو أن 90 بالمئة من التقنيات اللازمة لخفض الانبعاثات بحلول العام 2030 موجودة بالفعل". وللوصول إلى النشر الكافي للتقنيات اللازمة لخفض الانبعاثات، يجب على القطاع الخاص مضاعفة مساهمته من 40 بالمئة إلى 80 بالمئة.