يتكبد البريطانيون كلفة باهظة جراء "فواتير" الطاقة الشهرية، وسط حالة من الإحباط يعاني منها الكثير من أصحاب المنازل ومستأجري العقارات الحديثة، وذلك بسبب استمرار الاعتماد على الغاز في التدفئة فيها.
يأتي ذلك في وقت تعاني فيه أوروبا من ضغوطات مرتبطة بأزمة الطاقة، على وقع التطورات التي تلت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ومع توقف تدفقات الغاز الروسي الذي كانت تعتمد عليه أوروبا كلياً تقريباً في تأمين احتياجاتها.
وفيما تأخرت الحكومة البريطانية عن إقرار القواعد التنظيمية للبناء منخفض الكربون، فإن ثمة تأثيرات ملحوظة على قطاع الإسكان عموماً، تنعكس بصورة مباشرة على السكان (أصحاب المنازل والمستأجرين والراغبين في الشراء) وكذلك على الشركات العاملة في قطاع المباني، بشكل متباين.
البناء منخفض الكربون
والبناء منخفض الكربون هو مفهوم يهدف إلى تصميم وبناء المباني والمنشآت بطرق تقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي. ويهدف ذلك إلى الحد من تأثير البناء والاستخدام اليومي للمبنى على التغير المناخي والبيئة. وتشمل استراتيجيات البناء منخفض الكربون:
- استخدام مصادر طاقة متجددة لتوليد الكهرباء والتدفئة.
- تقنيات عزل حراري فعّالة.
- تقنيات التدفئة والتبريد الفعالة، مثل مضخات الحرارة والتبريد المباشر.
- الاستخدام الفعال للطاقة، فيما يتعلق بتعزيز ممارسات توفير الطاقة مثل تبديل الإضاءة إلى مصابيح LED واستخدام أجهزة كهرومنزلية فعالة من حيث الطاقة.
ويضاف إلى ذلك أيضاً استخدام مواد بناء مستدامة، والتخطيط الحضري المستدام، والزراعة الحضرية (تعزيز الزراعة في المدن لتقليل مساحات الأراضي المخصصة للزراعة وتقليل انبعاثات النقل).
وتعد تلك العناصر ضمن الاستراتيجيات التي تسهم في تحقيق البناء منخفض الكربون. وتعتمد هذه الاستراتيجيات المحددة على مكان ونوع المبنى والموارد المتاحة، وتعزز هذه الجهود الاستدامة البيئية وتقلل من تأثير البناء على تغير المناخ.
الوضع في بريطانيا
وفي بريطانيا، يشعر أصحاب المنازل والمستأجرون في العقارات الجديدة بالإحباط بسبب الاعتماد على الغاز وسط أزمة الطاقة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، نقل مجموعة من الشهادات لمواطنين عبروا عن خيبة أملهم إزاء التأخر في تطبيق قواعد هذا النمط من البناء.
وبحسب التقرير، فقد استفادت شركات البناء ومطورو العقارات بمليارات الجنيهات الاسترلينية على مدى الأعوام الثمانية الماضية، على وقع تأخر الحكومة في تنفيذ القواعد التنظيمية الخاصة بالبناء منخفض الكربون، في حين تتحمل الأسر في المملكة المتحدة تكاليف فواتير الطاقة المرتفعة وسط أزمة الطاقة الحالي.
- وفر هذا القطاع ما لا يقل عن 15 مليار جنيه إسترليني منذ العام 2015 من خلال بناء المنازل وفقاً للمعايير القديمة، دون الألواح الشمسية والبطاريات والمضخات الحرارية والعزل الفعال، حسبما وجد تحقيق الصحيفة.
- ونتيجة لذلك، يعيش عديد من البريطانيين في منازل حديثة البناء، والتي على الرغم من بنائها في السنوات القليلة الماضية، إلا أنها بعيدة كل البعد عن أن تكون ملائمة للمستقبل.
- أخبر المستأجرون وأصحاب المنازل عن الانتقال إلى عقارات جديدة تماماً تعمل بغلايات الغاز وتفتقر إلى العزل عالي الجودة - مما يجعل أصحاب المنازل عرضة لارتفاع الفواتير وزيادة تكاليف التحديث.
التراجع عن الالتزامات الخضراء
يعلق خبير العقارات في بريطانيا، جوناثان رولاند، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلاً: "تعد المضخات الحرارية البديل الرئيسي لغلايات الغاز التي قامت بتدفئة المنازل في بريطانيا على مدار الستين عاماً الماضية أو نحو ذلك.. ومع تراجع الحكومة عن بعض التزاماتها الخضراء، سيكون هناك الآن عدد أقل من البرامج المثبتة".
وتخلت بريطانيا عن جزء من سياستها الخضراء. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، الشهر الماضي، عن تأجيل عدد من الإجراءات الأساسية المرتبطة بالسياسات المناخية في البلاد، جدلاً واسعاً في الأوساط المحلية والدولية.
تضمنت الإجراءات الجديدة تأجيل الحظر المفروض على بيع السيارات الجديدة (العاملة بالبنزين والديزل) لمدة خمس سنوات (فيما كانت المهلة المحددة هي بداية العام 2030).
وتحدث رئيس الوزراء البريطاني في الوقت نفسه عن خطة هادفة إلى التخلص بشكل تدريجي من أجهزة التدفئة العاملة بالغاز الطبيعي، وذلك بداية من العام 2035، وكذا التخلي عن الإجراء المتعلق بكفاءة استخدام الطاقة في المساكن وفرض قيود شديدة على المالكين.
وكان المحلل الاقتصادي بصحيفة فاينانشال تايمز" البريطانية، الدكتور أنور القاسم، قد ذكر في تصريحات سابقة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه: "كما هو معروف فإن غالبية الأعمال في قطاعي الطاقة المتجددة والطاقة منخفضة الكربون تعمل في التصنيع والبناء، وكلاهما عانى تباطؤاً في العام 2020. والبلاد تحتاج بشكل كبير إلى تطوير البناء ليلبي الحاجة الملحة للسكن للمواطنين". وأضاف: "لقد شكل الاعتراف الحكومي بفشل الاقتصاد منخفض الكربون والطاقة المتجددة في النمو الملحوظ، ضربة قوية لتعهد الحكومة البريطانية بالحياد الكربوني".
كيف يتأثر قطاع الإسكان؟
هذا التخلي عن جزء من السياسة الخضراء وبخصوص تأثيره على القطاع السكني، يعتقد رولاند بأنه "ليس أخباراً سيئة تماماً"، ويفسر ذلك لدى حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بقوله:
- الأنظمة الجديدة (المستخدمة في البناء منخفض الكربون) باهظة الثمن، وليست مناسبة دائماً للمنازل غير المعزولة جيداً.
- تستغرق التكنولوجيا الجديدة بعض الوقت حتى تصبح طبيعية كما رأينا مع السيارات الكهربائية أخيراً، بعد تبني المنتجات الأوائل، هناك فترة هدوء بينما يصبح المنتج سائداً، نحن في تلك الفترة الآن (فترة الهدوء).
وجاء التخلي عن جزء من السياسات الخضراء، في وقت تواجه في بريطانيا ضغوطاً اقتصادية على وقع الأزمة التي يعاني منها العالم في ظل ارتفاع معدلات التضخم. فضلاً عن الآثار الممتدة للخروج من البريكست بالنسبة للحالة في لندن.
وأظهرت بيانات رسمية، الأربعاء الماضي، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في بريطانيا استقر عند أدنى مستوى في 18 شهرا عند 6.7 بالمئة في سبتمبر، مخالفا توقعات الاقتصاديين بمزيد من التدهور.
ولا يزال تضخم أسعار المستهلكين في بريطانيا هو الأعلى بين الاقتصادات المتقدمة الكبرى، تليها فرنسا وإيطاليا بمعدلي 5.7 بالمئة و5.6 بالمئة على الترتيب لشهر سبتمبر.
ويقول الخبير العقاري البريطاني، إنه "على المدى الطويل قد يؤدي (التوسع في البناء منخفض الكربون) في النهاية إلى زيادة تكلفة المشترين في المملكة المتحدة.. ولكن ربما يكون ذلك بعد 5 إلى 10 سنوات، وهنا يتم اتخاذ القرارات السياسية مع أخذ المكاسب على المدى القصير في الاعتبار"، على حد تعليقه.