يثير قرار وقف استخدام بطاقات الخصم المباشر للعملاء في خارج مصر على أن تُستخدم فقط داخل البلاد، ضغوطات على عديد من القطاعات، من بينها قطاع التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والقطاع العائلي.
يأتي ذلك في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمة نقص العملة الأجنبية، ومع اتساع الفجوة بين سعر صرف الدولار في السوق الرسمية (دون الـ 31 جنيهاً للدولار الواحد) والسوق الموازية (بين 40 و41 جنيهاً للدولار).
وحذرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، يوم الخميس الماضي، من أن الحكومة المصرية سوف تستنزف احتياطياتها الثمينة من النقد الأجنبي ما لم تخفض قيمة الجنيه مرة أخرى.
وقالت غورغييفا إن "مصر تؤخر أمراً لا مفر منه عبر الامتناع عن القيام بذلك (خفض قيمة العملة) مرة أخرى، وكلما طال الانتظار، أصبح الأمر أسوأ".
كما قال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فريد بلحاج، لـ "سكاي نيوز عربية"، في وقت سابق، أن الاقتصاد المصري يتعرض لأزمة مركبة بسبب أزمتي أوكرانيا وكورونا، مؤكداً على ضرورة تبني سعر صرف أكثر مرونة لدعم الاقتصاد.
وتشير بيانات البنك المركزي المصري، إلى زيادة عدد البطاقات المصرفية بأنواعها المختلفة (بطاقات الخصم المباشر وبطاقات الائتمان والبطاقات مسبقة الدفع) بما يصل إلى 5.4 مليون بطاقة في البنوك خلال العام الماضي 2022 مقارنة بالعام 2021، ليصل إجمالي عدد البطاقات إلى نحو 57.5 مليون بطاقة حتى نهاية العام الماضي.
ووفق البيانات ذاتها، فإن بطاقات الخصم المباشر بلغ عددها نحو 23.8 مليون بطاقة حتى نهاية العام الماضي، مقارنة بنحو 21.6 مليون بطاقة في 2021، بزيادة بنحو 2.3 مليون بطاقة في عام.
أزمة العملة
وإلى ذلك، قال خبير أسواق المال، حسام الغايش، إن "القرار ناتج عن أن مصر لديها أزمة مُلحة في العملات الأجنبية، وفي خطٍ متوازٍ مع الضغوطات المرتبطة بسداد الالتزامات الخاصة بالديون الخارجية، وبالتالي كان مثل هذا القرار من بين الحلول التي تم اللجوء إليها للحد من إهدار الحصيلة الدولارية أو التدفقات الأجنبية الموجودة داخل البلد".
وأضاف لدى حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": القرار الصادر أخيراً أوقف استخدام بطاقات الخصم المباشر للشراء بالعملة الأجنبية داخل وخارج البلد، إذ كان يتاح من خلالها سحب الدولار بالسعر الرسمي في البنوك، وبالتالي إهدار جزء من الاحتياطات الموجودة لدى البنوك".
- تُحتسب المعاملات ببطاقات الخصم بالسعر الرسمي البالغ نحو 31 جنيهاً للدولار، بينما يباع الدولار في السوق السوداء بنحو 40 أو 41 جنيهاً.
- وأبقت مصر عملتها ثابتة مقابل الدولار منذ مارس على الرغم من اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء.
وأوضح أنه بخلاف التأثيرات الإيجابية المذكورة التي يُمكن أن يسفر عنها مثل ذلك القرار، إلا أن ثمة متضررين منه، من بينهم على سبيل المثال: - قطاع التجارة الإلكترونية: كان يعتمد الكثير من المتعاملين في القطاع على التحويلات وعمليات البيع والشراء من خلال بطاقات الخصم المباشر، وستتأثر أعمالهم بإيقاف السحب بالدولار منها.
- قطاع التكنولوجيا يعد كذلك من أبرز القطاعات التي تتأثر بمثل هذا القرار، لاعتماد الشركات في عمليات السداد أو الشراء على تلك البطاقات.
- القطاع العائلي، خاصة فيما يتعلق ببرامج التعليم الخارجية، وحتى الصحة (بالنسبة للذين يفضلون العلاج بالخارج وكانوا يستخدمون تلك البطاقات في السحب بالعملات الأجنبية).
وقلصت البنوك المصرية في الأشهر القليلة الماضية مقدار العملة الأجنبية التي تبيعها للعملاء عند السفر والمبلغ الذي يمكنهم الشراء به من بطاقاتهم الائتمانية أثناء وجودهم بالخارج.
ولا يعتقد الغايش بأن المستوردين والمصنعين سوف يتأثرون بمثل تلك الخطوة، لا سيما أنهم نادراً ما يعتمدون على تلك الخاصية إلا في معاملاتهم الشخصية. فيما يشير في الوقت نفسه إلى تأثير ذلك القرار المحتمل على التصنيف الائتماني للبنوك.
وخفضت وكالة موديز تصنيف بنوك (البنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة والبنك التجاري الدولي) إلى CAA1 من B3، كما خفضت تصنيف بنك الإسكندرية إلى B3 من B2.
وبحسب موديز، فإن خفض تصنيف البنوك يعكس بيئة التشغيل وضعف الجدارة الائتمانية السيادية. كما أن جودة الأصول والأرباح ورأس المال الاحتياطي لدى البنوك "قد تُشكل تحدياً لقدرتها على الوفاء بالتزاماتها بالعملة الأجنبية عند استحقاقها".
وأضافت "الانكشاف السيادي العالي للبنوك، الذي يأتي خاصة في صورة سندات دّين حكومية، يربط أيضا ملفها الائتماني بذلك الخاص بالحكومة".
وكانت موديز قد قررت،يوم الجمعة الماضي، خفض التصنيف الائتماني لمصر من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
ارتفاع معدلات السحب السنوية
من جانبه، أشار الخبير المصرفي، رمزي الجرم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن القرار يسري على بطاقات الخصم المباشر، لكن بطاقات "الكريدت" يُمكن إتمام المعاملات من خلالها كبديل، لكنّها تتسم بعمولة مرتفعة مقارنة ببطاقات الخصم المباشر.
وأوضح أن القرار جاء في سياق استغلال البعض لهذه البطاقات بطرق غير إيجابية للحصول على الدولار أو مشتريات (ذهب أو هواتف أو خلافه) بالدولار من الخارج لإعادة بيعها في مصر، لافتاً إلى واقعة ضبط مواطن مصري قادم من إحدى الدول العربية قبيل أيام وبحوزته 117 بطاقة (بعضها يحمل اسمه والبعض الآخر بأسماء آخرين).
وتبعاً لذلك، أفاد بأن القرار المشار إليه يُمكن أن يوفر للبلاد مبالغ وصفها بـ "الطائلة"، موضحاً أنه في الفترة من يونيو 2022 وحتى يونيو 2023 تم سحب 5 مليارات دولار من خارج البلاد، مقارنة بـ 2.5 مليار في العامين السابقين، وأنه في يوم واحد سحب المصريون من الخارج مبالغ بقيمة 55 مليون دولار، طبقاً لبيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.
وعن الحلول بالنسبة لأبرز القطاعات المتأثرة، لا سيما قطاع التكنولوجيا والقطاعات المرتبطة به، أوضح أنه يُمكن اللجوء إلى إصدار حسابات بنكية وبطاقات بالدولار الأميركي واستخدامها، أو الاعتماد على "الكريدت كارد" وتحمل العمولة.
وتواجه مصر ضغوطات اقتصادية واسعة، في خط متواز مع معدلات تضخم قياسية ونقص حاد في العملة الأجنبية، علاوة على كلفة الاقتراض التي جعلت سداد الديون الخارجية عبئاً مرهقاً بشكل متزايد.
- رغم بقائه عند مستويات مرتفعة، واصل التضخم الأساسي في مصر تباطؤه خلال سبتمبر، بعد أن كان عند أعلى مستوياته على الإطلاق في يونيو الماضي.
- أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، الثلاثاء، تباطؤ التضخم الأساسي في سبتمبر على أساس سنوي إلى 39.7 بالمئة، مقابل 40.4 بالمئة في أغسطس، و40.7 بالمئة في يوليو.
- كما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، الثلاثاء، ارتفاع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية خلال سبتمبر إلى 38 بالمئة مقابل 37.4 بالمئة في أغسطس.
وكانت مصر قد فرضت قيوداً على الواردات في ظل نقص العملات الأجنبية، كما خفضت العملة ثلاث مرات منذ مارس 2022.
إعادة النظر بالقرار
على الجانب الآخر، وفيما رأى القرار في مجمله سليماً ويحمل أهدافاً واضحة وكذلك لن تكون له تأثيرات على المستوردين ورجال الصناعة، إلا أن استاذ التمويل والاستثمار الخبير الاقتصادي، الدكتور مصطفى بدرة، شدد في الوقت نفسه، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، على أن القرار بحاجة إلى إعادة مراجعة دقيقة.
وفسّر ذلك بقوله: "صحيح أن ثمة أشخاصاً يستخدمون تلك البطاقات في الخارج بصورة غير سليمة للحصول على الدولار، لكن على الجانب الآخر هناك متعاملون ملتزمون وفي أمس الحاجة لتلك البطاقات لتسيير أعمالهم.. وبالتالي كان على الجهاز المصرفي وضع آلية لمعاقبة من يستخدمون البطاقة بطرق غير سليمة وتحملهم التداعيات والخسائر".
واستطرد: "إنما اتخاذ قرار بمعاقبة الجميع بهذه الصورة هو أمر تتعين مراجعته مرة أخرى بشكل دقيق، حتى يتسنى للناس الحفاظ على أشغالهم واستخدام البطاقات في تسيير أعمالهم، خاصة وأن المبالغ التي يتم سحبها -بطريقة شرعية ومنضبطة- ليست كبيرة، وبالتالي عائد التحجيم ليس كبيراً".
وارتفع صافي الاحتياطيات الأجنبية لدى المركزي المصري، في سبتمبر الماضي، مواصلاً زياداته المحدودة المستمرة منذ أكتوبر 2022، في ظل أزمة شح العملات الأجنبية التي تعاني منها البلاد.
وبحسب بيانات المركزي، فإن الاحتياطي النقدي ارتفع إلى 34.970 مليار دولار، مقابل 34.928 مليار دولار في أغسطس، بزيادة حوالي 42 مليون دولار.