شهدت الحدود بين لبنان وإسرائيل في الساعات الماضية جولة جديدة من القصف المتبادل، كان نتيجتها سقوط عدد من الضحايا من الجانبين، ما اعتبر مؤشراً جديداً، على إمكانية أن تؤدي الأحداث الأمنية التي يشهدها الجنوب اللبناني، إلى انزلاق البلاد نحو حرب شاملة مع إسرائيل، في خطوة ستدفع المنطقة إلى مزيد من التأزم، في ظل الأحداث الدائرة بين قطاع غزة وإسرائيل.
ودفعت الأحداث التي شهدتها الحدود اللبنانية الإسرائيلية مؤخراً، قسماً كبيراً من اللبنانيين إلى ترك منازلهم في القرى الجنوبية، والنزوح إلى العاصمة بيروت، حيث تعززت المخاوف من أن تشهد البلاد تكراراً لسيناريو "حرب يوليو 2006" مع إسرائيل، وهي الحرب التي استمرت لأكثر من 30 يوماً، وشهدت سقوط نحو 1200 قتيلاً من الجانب اللبناني، في ظل حصار جوي وبري وبحري كامل فرض على لبنان، الذي تعرّض إلى قصف جوي عنيف، أدى إلى تدمير مرافق وبنى تحتية أساسية، شملت شركة كهرباء لبنان وطرقات حيوية، إضافة إلى تدمير مناطق سكانية بأكملها في ضاحية بيروت الجنوبية.
وبحسب بيانات وزارة المالية اللبنانية، فقد بلغ حجم الخسائر على الاقتصاد والمالية العامة في لبنان بسبب "حرب يوليو 2006" نحو 1.6 مليار دولار، وذلك مع عدم احتساب الكلفة الإجمالية لأضرار البنى التحتية، التي تعرضت للتدمير بسبب القصف الإسرائيلي، والتي فاقت نفقات إعادة إعمارها حاجز الـ 2 مليار دولار أميركي.
تداعيات كارثية
ومع توسع احتمالات انزلاق لبنان إلى حرب جديدة مع إسرائيل، فإن التداعيات الاقتصادية لتكرار سيناريو "حرب يوليو 2006" على البلاد ستكون كارثية، خصوصاً أن لبنان يعاني ومنذ نهاية عام 2019 من أزمة اقتصادية ومالية ومصرفية خانقة، تسببت بفقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، في حين أن المودعين الذين ادّخروا أموالهم في المصارف، باتوا غير قادرين على سحبها لعدم امتلاك المصارف للعملة الصعبة، في وقت تعاني فيه مؤسسات الدولة من تفكك، في ظل عدم التزام الموظفين بالدوام المطلوب، بسبب انهيار قيمة رواتبهم.
وتُجمع آراء الخبراء الاقتصاديين والماليين، على أنّ اقتصاد لبنان لا يمكن له أن يحتمل تداعيات أي حرب جديدة، خصوصاً أنه يمر ومنذ نحو 4 سنوات، بمصاعب أفقدته جميع مقومات الصمود، وتحديداً لناحية تحمّل الكلفة الباهظة للحرب، وتأثير ذلك على عملته التي تدهور سعرها، من 1500 ليرة للدولار الواحد في أكتوبر 2019 إلى نحو 90 ألف ليرة للدولار الواحد حالياً.
الثقة أول المتأثرين
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما يحصل في غزة ستكون له تداعياته على الوضع الاقتصادي في لبنان، وذلك حتى لو لم يتم فتح جبهة عسكرية مع إسرائيل، على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، فالخوف من تمدد الصراع على الجبهة الجنوبية اللبنانية، يحدث قلقاً ويؤثر على الثقة في لبنان، خصوصاً بالنسبة للقطاع السياحي الذي يعد من أكثر القطاعات تأثراً من الأحداث الدائرة حالياً.
إرباك السياح وتغيير وجهتهم
وبحسب غبريل، فإن لبنان شهد موسماً سياحياً ممتازاً في صيف 2023، إذ بلغ عدد الزوار إلى البلاد نحو 3 ملايين و450 ألف سائح لغاية منتصف سبتمبر 2023، مشيراً إلى أن تحضيرات القطاع السياحي كانت قائمة لفترة نهاية العام الحالي، ولكن الأحداث الأخيرة خلقت نقاط استفهام ستربك خطط السياح، وقد تدفعهم لتغيير وجهتهم، خصوصاً مع احتمالات توقف حركة الملاحة في المطار، في حال تطور الوضع للأسوأ بين لبنان وإسرائيل، وهو ما ستكون انعكاساته كارثية على القطاع السياحي اللبناني، الذي بات القطاع الأبرز الذي يدخل عملة صعبة إلى الاقتصاد.
وبحسب غبريل فإن حالة الهلع التي حدثت بين صفوف المواطنين اللبنانيين في الساعات الماضية، بعد الأحداث التي شهدتها الحدود بين لبنان وإسرائيل، والتي دفعتهم للإقبال على محطات الوقود والسوبرماركت، لشراء المحروقات وتخزين المواد الغذائية تحسباً لانقطاعها، فإن هذه الحالة قد تتكرر، لافتاً إلى أن هناك خوفاً من أن يقوم التجار باستغلال الوضع الراهن، لرفع أسعار السلع الأساسية مثل المأكولات، ما سينعكس على نسب التضخم المرتفعة أصلاً في لبنان، والتي وصلت إلى 250 بالمئة في أغسطس 2023 مقارنة بأغسطس 2022، كما أن الأحداث الحالية دفعت الكثيرين لتغيير خطط الشراء، بالنسبة لما يسمى بسلع الكماليات.
وشدد غبريل، على أن لا أحد يتمنى أن يتكرر مشهد الحرب في لبنان، ولكن في حال حدث هذا الأمر فإن سعر صرف العملة اللبنانية، والذي يعد موضوعاً حيوياً وأساسياً، سيكون من أكبر المتأثرين سلباً بالأحداث، حيث أن الخطوات التي قام بها مصرف لبنان، منذ مارس 2023 وحتى الساعة والتي أدت إلى خلق حالة من الاستقرار للعملة، قد لا تكون كافية في أجواء الحرب، التي ستشهد حاجة أكبر لتأمين العملات الصعبة، في وقت أعلن فيه مصرف لبنان عن توقفه عن تمويل الدولة، مشدداً على أن كلفة الحرب باهظة وتتطلب إمكانات مالية غير متوافرة حالياً، للدولة اللبنانية التي تعاني اصلاً من شح في التمويل.
من جهتها، تقول الخبيرة في النفط والغاز لوري هايتايان، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فيّاض أعلن الأسبوع الماضي، أنه هناك أسبوعاً أمام الشركات التي تقوم بالتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية اللبنانية، وتحديداً في "البلوك رقم 9" الموازي للحدود البحرية الإسرائيلية، للوصول إلى نتائجها المستهدفة، والإعلان عما إذا كان هناك نفط وغاز في الأراضي اللبنانية، مشيرة إلى أنه طالما أن لبنان لم يتعرض لتهديد مباشر، ولم يحصل مزيد من التصعيد ولم تتعرض منصات التنقيب لتهديد مباشر، فذلك يعني أن العمل بها مستمر، في حين أن هذه المنصات قد تتوقف عن العمل، عندما يحصل تهديد مباشر لأعمالها.
وكشفت هايتايان، أن هناك اتصالات متبادلة تجري على أرفع المستويات، بين الحكومة اللبنانية والشركات النفطية لمعرفة مدى حجم التطورات التي قد تحصل وتهدد المنصات، ولكن العمل يبقى جارٍ طالما لم تعلن الشركات توقفها عن العمل، علماً أن المنصة الموجودة حالياً تنتهي أعمالها منتصف شهر أكتوبر الحالي، وتبدأ بالتفكيك والرحيل لاستكمال أعمالها في قبرص نهاية الشهر مهما كانت النتيجة، لافتة إلى أن المنصة الموجودة حالياً هي منصة حفر وليست منصة تطوير وإنتاج.
وبحسب هايتايان، فإن البنى التحتية في لبنان باتت مهترئة ومتداعية، بسبب عدم القدرة على صيانتها، نظراً للأزمة المالية التي تمر بها البلاد منذ 4 سنوات، وبالتالي فإن تطور الأحداث بشكل سلبي مع إسرائيل، وتكرار سيناريو "حرب يوليو 2006"، سيعقِّد المشهد بشكل كبير، حيث أن لبنان قد لا يكون قادراً على تمويل عملية إعادة الإعمار في حال تعرض لحرب.