تشهد أسعار الخضراوات في مصر، وبشكل خاص الأساسية منها والتي لا يستغنى عنها أي بيت، ارتفاعًا مطرداً، في سياق الضغوط التضخمية التي تعاني من تبعاتها الأسر المصرية.
أسعار البصل على وجه التحديد صارت حديث الشارع، بعد أن وصل سعر الكيلو من 25 إلى 35 جنيهاً (الدولار يعادل نحو 31 جنيهاً تقريباً بحسب السعر الرسمي، بينما يصل إلى 40 جنيهاً في السوق الموازية) بعد أن كانت في حدود الخمسة جنيهات فقط قبل عام تحديداً.
كما شهدت أنواع أخرى من الخضراوات كالطماطم والبطاطس والخيار ارتفاعات أيضًا بنسب مختلفة.
وتسعى الحكومة المصرية للسيطرة على الأسواق، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لضبط الأسعار، آخرها قرارالأربعاء الماضي، بوقف تصدير البصل لمدة ثلاثة أشهر تنتهي آخر العام الجاري 2023.
وفي ذات السياق، أكد المستشار الإعلامي لوزارة الزراعة، أحمد إبراهيم في بيان أن الدولة بصدد اتخاذ قرارات أخرى مماثلة مرتبطة السلع المهمة الاستراتيجية بوقف تصديرها في حالة وجود ممارسات احتكارية أو محاولات من بعض التجار بتخزينها والتلاعب بالأسعار.
وشهد إجمالي الصادرات المصرية من المنتجات الزراعية منذ بداية يناير خلال العام الجاري حتى يوليو، زيادة قدرها 717 ألفا و896 طن عن الفترة ذاتها في السنة الماضية، التي سجلت 3 ملايين و936 ألف طن، ذلك وفقًا لما أعلنه وزير الزراعة المصري في وقت سابق.
وعادة ما يدخل البصل والطماطم والبطاطس، في أغلب وجبات المصريين، وتعد من أرخص الخضراوات في البلاد، خاصة أن مصر لديها اكتفاء ذاتي من البصل حيث تنتج أكثر من 3 ملايين طن سنويا وتستهلك حوالي مليوني طن، ليصبح لديها فائض أكثر من مليون طن سنويا، كما صدرت هذا العام 380 ألف طن، بحسب البيانات التي ذكرها الدكتور على خليل، مدير معهد بحوث المحاصيل الحقلية بوزارة الزراعة، في تصريحات تلفزيونية.
ووفقًا لوزارة الزراعة، فإن مصر تزرع سنويًا نحو ثمانية ملايين طن من محصول الطماطم، على مساحة 400 ألف فدان، يصدر منهم 2.1 بالمئة من حجم المحصول، بنحو 130 ألف طن.
وبحسب السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، فإن مصر هذا العام لأول مرة يصل إنتاجها 6.5 مليون طن من البطاطس الطازجة رغم ظروف الأزمة الروسية - الأوكرانية، وفقًا لتصريحاته خلال بداية موسم حصاد القمح ومصنع إنتاج البطاطس في شرق العوينات بمحافظة الوادي الجديد، في مايو الماضي، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية تصدر حوالى 800 ألف طن من محصول البطاطس كل عام .
أسعار الخضراوات
أسعار الخضراوات في أسواق الجملة سجلت غالبيتها ارتفاعاً بنسبة تصل إلى مئة بالمئة خلال، عن ما كانت عليه العام الماضي في نفس الشهر، والبصل هو النوع الأكثر ارتفاعا حيث ارتفع خمسة أضعاف تقريبا.
وجاء آخر تحديث في أسعار الخضراوات وفق الموقع الرسمي لسوق العبور (وهو سوق الجملة في مصر) على النحو التالي:
-سجل سعر كيلو البصل ما بين 15 إلى 21 جنيهًا (للجملة)
-سجل سعر كيلو الطماطم مستوى بين 10 و15 جنيها.
-يتراوح سعر البطاطس بين 8.5 جنيه و12.5 جنيه للكيلو.
ووصل سعر كيلو البصل في السوق المصرية (للمستهلك) نحو 35 جنيهًا (قبل أن يتحرك السعر متراجعا بحوالي خمسة جنيهات بعد قرار وقف التصدير)، بينما وصل سعر كيلو الطماطم إلى 25 جنيهًا، في حين سجل كيلو البطاطس نحو من 12 إلى 15 جنيهًا للكيلو.
وفي العام الماضي بنفس هذا التوقيت، كانت الأسعار تشهد استقرارًا نسبيًا، على النحو التالي:
-سعر كيلو البصل ما بين 4 إلى 5 جنيهات.
-كان سعر كيلو الطماطم ما بين 3 إلى 5 جنيهات
-تراوحت أسعار البطاطس، ما بين 6 إلى 8 جنيهات للكيلو، وحينما كان سعرها يرتفع كان يصل إلى 12 جنيهًا.
ارتفاع جنوني بالأسعار
من جانبه، أكد نقيب الفلاحين في مصر، حسين أبوصدام، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الخضراوات الأساسية على رأسها "الطماطم والبطاطس والخيار والبصل"، تشهد ارتفاعًا جنونيًا بالأسعار لم تشهده البلاد من قبل، موضحًا أن أسعارها ارتفعت عن العام الماضي بنسبة 50 بالمئة، وأن البصل تخطى سعره ستة أضعاف عن العام الماضي.
وأرجع نقيب الفلاحين هذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار الخضراوات إلى عدة عوامل، على النحو التالي:
-ظاهرة النينو، حيث شهدت البلاد خلالها موجة حارة شديدة في شهري يونيو ويوليو، وهو توقيت نمو بعض الخضراوات والمحاصيل مثل الطماطم والخيار، وعلى أثرها توقف نموهم وأسقطت الأزهار، وبالتالي انخفضت الإنتاجية.
-قيام عدد كبير من المزارعين بتقليل المساحات المزروعة، وبالتالي انخفضت الإنتاجية، بعد خسارتهم خلال الأعوام السابقة.
-تراجع سعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، ما أثر على أسعار كل السلع وزيادة التضخم.
وبشأن القفزة التي شهدتها أسعار البصل، أوضح نقيب الفلاحين أن هذا العام شهد تصدير كميات كبيرة منه عن أي عام مضى، وهو ما أثر على المعروض، مشيرًا إلى أن بعض الدول المُصدرة له في أوروبا تعرضت إلى جفاف أفسد محصولها، واعتمدت دول عربية على الاستيراد من مصر كبديل للسوق الأوروبية في ظل انخفاض المساحة المزروعة بها.
ولفت إلى أن كيلو البصل كان يباع في الأرض الزراعية خلال العام الماضي بسعر جنيه واحد، وفي سوق التجزئة بخمسة جنيهات، بينما الآن يباع في الأرض بستة جنيهات وفي السوق وصل إلى ثلاثين جنيهًا.
وأشار إلى أنه منذ شهرين كان قد ناشد الحكومة بسرعة وقف تصدير البصل، واصفًا استجابتها مؤخرًا بـ"غير المُجدية" لأنها جاءت مُتأخرة مع اقتراب نهاية الموسم التصديري الذي يبدأ في أغسطس وينتهي في سبتمبر، منوهًا إلى أن العائد الايجابي الوحيد لهذا القرار هو وقف ارتفاع سعر كيلو البصل الذي كان من المتوقع أن يصل إلى 60 جنيهًا.
وذكر أن انخفاض سعر البصل سيحدث مع بدء العروة الجديدة في ديسمبر المُقبل، متوقعًا أن يشهد سعره انخفاضًا تدريجيا خلال الثلاثة أشهر المقبلة وأن لا يتخطى هذا الانخفاض الخمسة جنيهات، وذلك بسبب طرح التجار مخزونهم من البصل بالأسواق الذي كانوا يعتزمون تصديره بعد قرار وقف التصدير.
أما بالنسبة للطماطم فتوقع أن يتراجع سعرها مع العروة الجديدة للمحصول في نوفمبر المقبل، مشيرًا إلى أن سعرها أيضًا شهد تلك التقلبات لذات الأسباب، وعلى رأسها انخفاض المساحة المزروعة، فكان يُزرع على مدار العام مساحة 500 ألف فدان وشهدت هذا العام انخفاضًا بقيمة 50 ألف فدان، كما أن البعض يصدرون الطماطم المجففة ما يؤثر على الكمية المعروضة.
وعن البطاطس، فأوضح أن إنتاجها تأثرفقط بارتفاع درجة الحرارة نتيجة ظاهرة النينو، لكن هناك مساحات محددة يتم زراعتها للتصدير، متوقعًا أن يتراجع سعرها خلال نفس الفترة.
وعن التوصل إلى حل لتلك الأزمة وعدم تكرارها مستقبلًا، وضع نقيب الفلاحين عدة مقترحات، منها:
-تطبيق قانون الزراعات التعاقدية على المحاصيل الأساسية، وذلك بالتعاقد بين الشركات والمزارعين بسعر مُسبق.
-الرجوع للدورة الزراعية في بعض المحاصيل مثلما حدث مع محصول القمح هذا العام، بتحجيم الزراعة العشوائية.
-اللجوء إلى خفض أسعار المُستلزمات الزراعية بقدر اللازم، عبر تسريع الحكومة من تنفيذ المشروع القومي لتقاوي الخضر، بحيث تتوفر تقاوي محلية ذات سعر مخفض.
-زيادة حصة الأسمدة المدعمة للمزارعين.
-اشتراك كل الجهات في تحديد الكميات التي سيتم تصديرها، وعدم اقتصادر ذلك القرارعلى وزارة التموين أو قطاع الأعمال فقط، على أن يتخذ هذا القرار عبر لجنة مشكلة من الوزارات المعنية لتحدد إمكانية التصدير من عدمه، تجنبًا لهرولة التجار والشركات للتصدير من أجل الحصول على الدولار وحدوث شح للخضراوات في السوق.
-التقليل من الحلقات الوسيطة بعمل أسواق مركزية، ما يساعد على التقليل من التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل عشوائي، وبالتالي يقل السعر على المستهلك.
-الاتجاه للبدائل المصنعة أو المجمدة من الخضراوات
-ترشيد استهلاك المواطنين ووقف التصدير للمنتجات أو المحاصيل التي تحتاجها البلاد محليا.
وفي أغسطس الماضي، قفز معدل التضخم السنوي في البلاد بأعلى من المتوقع، إلى مستوى غير مسبوق بلغ 37.4 بالمئة، مقابل 36.5 بالمئة في يوليو. جاء ذلك مدفوعاً بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمئة على أساس سنوي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ارتفعت الأسعار 1.6 بالمئة في أغسطس على أساس شهري، انخفاضاً من 1.9 بالمئة في يوليو و2.08 بالمئة في يونيو، وفق بيانات الجهاز.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن أسعار الطعام والمشروبات، ارتفعت على أساس سنوي، بنسبة 71.9 بالمئة، مع زيادة أسعار اللحوم والدواجن 97 بالمئة، والخضراوات 98.4 بالمئة والأسماك والمأكولات البحرية 86 بالمئة. كما ارتفعت أسعار الدخان 57.6 بالمئة.
وطبقاً للبنك المركزي، فإن التضخم الأساسي، الذي يستثني سلعاً أسعارها متقلبة مثل الغذاء والوقود، تراجع قليلا إلى 40.4 بالمئة من 40.7 بالمئة في يوليو و41 بالمئة في يونيو.