تعد تحويلات المصريين بالخارج مصدراً أساسياً تعتمد عليه الحكومة المصرية ضمن المصادر الرئيسية لتوفير النقد الأجنبي، إلى جانب قناة السويس والإيرادات السياحية والصادرات. وفيما سجلت التحويلات تراجعاً ملحوظاً العام الماضي، يُنتظر أن تشهد انتعاشة وشيكة خلال السنة المالية الحالية.

تشير تقديرات "فيتش سوليوشنز" إلى ارتفاع محتمل في تحويلات المصريين في الخارج خلال العام المالي الجاري 2023-2024 بنسبة تصل إلى 10 بالمئة، وذلك بعد الانخفاض المسجل خلال العام المالي السابق، لتسجل خلال هذا العام 25.6 مليار دولار، مقابل 23.3 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023.

بنت "فيتش" تقديراتها بناءً على ترجيحاتها بخفض محتمل لقيمة العملة المصرية خلال الفترة المقبلة (قالت إنه سيكون في حدود 19.9 بالمئة، ليسجل الدولار مستوى مساوٍ تقريباً لقيمته الحالية في السوق الموازية بين 38 و40 جنيهاً).

أخبار ذات صلة

بأكثر من مليار دولار.. مصر تعتزم تشييد مصنع إطارات في السويس
هل يفاجئ المركزي المصري الأسواق في اجتماعه المقبل؟

وذكر تقرير الشركة ذاتها أن التحويلات في العام المالي السابق تراجعت لأدنى مستوى لها في ست سنوات، بنسبة 27 بالمئة، مع لجوء المغتربين للاعتماد على مصارف غير رسمية للعملة المحلية (في ضوء الفجوة بين السعرين الرسمي وفي السوق الموازي للدولار الأميركي).

وتعتقد "فيتش" بأنه حال انحسار التقلبات التي تشهدها سوق الصرف، فإن ذلك من شأنه توجيه تحويلات المصريين في الخارج إلى القنوات الرسمية.

  • في السنة المالية 2021-2022، سجلت تحويلات المصريين في الخارج ارتفاعاً "طفيفاً" وصولاً إلى 31.9 مليار دولار، مقابل 31.4 مليار دولار في العام المالي 2020-2021، طبقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
  • وفي العام 2022 شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج، تراجعاً بنحو 10 بالمئة لتسجل نحو 28.3 مليار دولار. وفي السنة المالية 2022-2023 سجلت التحويلات ما قيمته 23.3 مليار دولار.
  • تراجعت التحويلات في الفترة من يوليو 2022 وحتى مارس 2023 (أول ثمانية أول ثمانية أشهر من العام المالي 2022-2023)، إلى حوالي 17.5 مليار دولار، مقابل 23.6 مليار دولار في أول ثمانية أشهر من العام المالي السابق عليه.

أسباب التحول

هذا التحوّل يفسّره الخبير الاقتصادي، الدكتور مصطفى بدرة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، على النحو التالي:

أخبار ذات صلة

نيران الأسعار تلتهم "حلوى المولد" في مصر
ما هي الدول العربية "الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي"؟
"إيني": شمال إفريقيا سيصبح المورد الأبرز للغاز إلى إيطاليا
2.6 مليار دولار صادرات مصر الغذائية في 7 أشهر.. نمو بـ 10%
  • الزيادة الملحوظة في تحويلات المصريين بالخارج في وقت سابق قبل يوليو 2022 جاءت بناءً على ثبات سعر الصرف ووضوحه بالنسبة للمغتربين بعد أن تمكن المركزي المصري في نوفمبر 2016 من القضاء على السوق الموازية
  • حققت التحويلات -وهي من المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية بالبلاد- زيادة ملحوظة نتيجة توجهها للسوق الرسمية والمصارف، وفي ظل الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة المصرية في هذا الصدد.
  • تغير الوضع الاقتصادي بعد ذلك (في إشارة إلى أثر جملة من العوامل من بينها تداعيات الحرب في أوكرانيا على الاقتصادات المختلفة والضغوط التضخمية التي ضربت الأسواق). وبما شكل ضغوطاً على العملة الأجنبية في مصر.
  • مع ظهور السوق الموازية من جديد، اتجه جزء من التحويلات إلى هذه السوق بعيداً عن السوق الرسمية (في ظل فرق السعر) وهو ما أسهم في تراجع التحويلات (رغم دخولها السوق).

ويُتداول سعر الدولار في السوق الموازية -بحسب قنوات ومجموعات متخصصة عبر الإنترنت- ما بين 38 و40 جنيهاً للدولار الواحد. فيما يصل السعر الرسمي بالبنوك إلى ما دون الـ 31 جنيهاً.

"هورايزون": برنامج الطروحات الحكومية يحفز القطاع الخاص بمصر

يشير بدرة في الوقت نفسه إلى أن الدولة المصرية من جانبها اتخذت مجموعة من الإجراءات -وإن كان بعضها متأخراً بعض الشيء- من بينها ما يتعلق بالوحدات السكنية والأراضي المطروحة للمصريين في الخارج، والشهادات الدولارية وغير ذلك من الآليات الهادفة لجذب تحويلات العاملين بالخارج إلى السوق الرسمية والجهاز المصرفي للدولة.

وتشير تقديرات البنك الدولي، في يونيو الماضي، إلى ارتفاع محتمل بقيمة تحويلات المصريين في الخارج خلال العام الجاري، جراء زيادة أعداد العاملين خارج البلاد بعد جائحة كورونا.

وبحسب التقديرات، يُتوقع نمو معدل التحويلات بنسبة 3.1 بالمئة خلال 2023 وصولاً إلى 29.2 مليار دولار، على أن تشهد تباطؤاً في العام التالي 2024 بنسبة 1.4 بالمئة.

وتحدث تقرير البنك الدولي عن أسباب تراجع التحويلات في العام الماضي، وأرجع ذلك إلى بيع العملة الأجنبية في السوق الموازية، أو لجوء الأفراد إلى الاحتفاظ بها تحسباً لخفض محتمل في قيمة العملة.

أخبار ذات صلة

مؤشر مدراء المشتريات في مصر يستقر عند أعلى مستوى خلال عامين
من بينها مصر وتونس.. 10 دول نامية في قبضة مشكلات الديون

إجراءات حكومية

الخبير الاقتصادي ومدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، الدكتور بلال شعيب، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن التراجع الذي تشهده تحويلات المصريين في الخارج تُواجهه الدولة المصرية بمجموعة من الإجراءات لجذب تلك التحويلات، من بينها طرح أوعية ادخارية خاصة، على غرار الشهادات الدولارية التي طرحها بنكا مصر والأهلي قبل أكثر من شهر.

وأعلن البنكان قبل نهاية يوليو الماضي -بشكل منفصل- عن إصدار شهادتين لكل منهما، الأولى لأجل ثلاث سنوات بعائد سنوي 7 بالمئة، والثانية لثلاث سنوات بعائد يصرف تراكمياً بنسبة 27 بالمئة مقدماً بالجنيه، وذلك ضمن محاولات البلاد لدعم مواردها من العملة الصعبة الشحيحة.

ويشير شعيب إلى أن الدولة تحاول ابتكار منتجات وأدوات أخرى لجذب تلك التحويلات التي تشكل قناة أساسية من قنوات توفير العملة الصعبة بالبلاد، من بين تلك الأدوات على سبيل المثال الأراضي والوحدات السكنية الخاصة بهيئة المجتمعات العمرانية مقابل السداد بالدولار، والتي تستهدف بشكل أساسي المصريين في الخارج، علاوة على ملف "سيارات العاملين بالخارج".

وتستمر وزارة الإسكان والمرافق المجتمعية في مصر بالتنسيق مع البنك المركزي في طرح أراضي للمصريين في الخارج، وبتيسيرات في حالة السداد الفوري بالدولار الأميركي تحويلاً من الخارج.

وفيما يخص مبادرة السيارات، كانت وزارة المالية المصرية قد أطلقت في نوفمبر من العام الماضي، مبادرة "تيسير استيراد سيارات المصريين في الخارج"، والتي تقوم على إعفاء السيارات المستوردة من الضرائب والرسوم مقابل وديعة في البنك المركزي بالعملة الأجنبية لمدة 5 سنوات، تسترد بعدها بالجنيه المصري بسعر صرف وقت الاسترداد.

أخبار ذات صلة

هل تنخفض أسعار السيارات في مصر بعد الانضمام لـ"بريكس"؟
مصر تمنح "سامسونغ" رخصة ذهبية لإقامة مصنع للهواتف المحمولة
مصر تقر ضوابط تحصيل رسوم إقامة الأجانب بالدولار
ما هي "البورصة العقارية"؟ وكيف تضيف للسوق المصرية؟

ووافق مجلس الوزراء المصري، الخميس الماضي، على مشروع قانون، يسمح بإعادة العمل بمبادرة استيراد السيارات للمصريين العاملين بالخارج، الذين لم يستفيدوا منها في المرة الأولى، وذلك لمدة 3 أشهر من تاريخ إصدار القانون، مع إمكانية تمديده ثلاثة أشهر أخرى. وكان العمل بهذه المبادرة، التي استمرت نحو 5 أشهر، قد انتهى في مايو الماضي، بحصيلة بلغت حوالي 900 مليون دولار، بحسب تقارير صحافية، وهو ما يقل عن الحصيلة المستهدفة في البداية والتي كانت تستهدف حوالي 2.5 مليار دولار.

ويأتي تمديد العمل بالمبادرة، في ظل محاولات مصر لتعزيز مواردها من العملة الصعبة الشحيحة، في ظل الضغوط التي تواجهها مع ارتفاع أسعار الواردات بعد الحرب في أوكرانيا، وتراجع قيمة الجنيه، وخروج أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة.

وبالعودة لحديث شعيب، فإنه يشدد على أهمية تحويلات المغتربين كمصدر رئيسي من مصادر العملة الأجنبية، لا سيما وأن تلك التحويلات هي تحويلات صافية لا تستلزم خروج أية عملة دولارية، مقارنة على سبيل المثال بالعوائد الناتجة عن الصادرات (كمصدر آخر للعملة الأجنبية) والتي تحتاج لمدخلات مختلفة في الصناعة، وبالتالي تتعاظم قيمة تلك التحويلات لا سيما وأنها دخل صافي دولاري، وبما يستلزم الاهتمام به بشكل واسع.

كما يلفت إلى أن مصر تتبنى خططاً جديدة لتنويع مصادر الحصول على العملة الأجنبية، تتجلى في عديد من المبادرات من بينها ما يتعلق بالقواعد المرتبطة بالحصول على الجنسية، بعد التعديلات القانونية التي أتاحت منح الجنسية مقابل شراء عقار (لا يقل عن ثلاثمائة ألف دولار، يحول من الخارج وفقًا للقواعد المعمول بها في البنك المركزي)، وغيرها من الإجراءات الأخرى بما في ذلك الإجراءات المتخذة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية.

وتعرضت المالية العامة في مصر على مدى السنوات الثلاث المنصرمة لضغوط كبيرة في ظل نقص مستمر في العملة الأجنبية مصحوب بزيادة حادة في المعروض النقدي. وفقدت العملة المصرية نحو نصف قيمتها مقابل الدولار منذ مارس 2022 بعد أن كشفت الأزمة الأوكرانية عن نقاط ضعف في اقتصادها.

وتتبنى الحكومة المصرية عدة إجراءات للتغلب على أزمة نقص العملة، من بينها "برنامج الطروحات" المتعلق ببيع أصول الدولة. وفي شهر يوليو 2023، أعلنت الحكومة عن بيع أصول بقيمة 1.9 مليار دولار من حصص مملوكة للدولة في بعض الشركات، ضمن ذلك البرنامج. كما أعلنت أخيراً عن بيع 30 بالمئة من أسهم الشركة الشرقية للدخان بقيمة 625 مليون دولار.

وطبقاً لبيانات البنك المركزي المصري، فإن الاحتياطي النقدي ارتفع إلى 34.928 مليار دولار في أغسطس من 34.879 مليار دولار في يوليو، بزيادة 49 مليون دولار.

"هورايزون المالية": خطط تخفيض الجنيه المصري مؤجلة حاليا