تترقب الأسواق اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وسط انقسام بين المحللين بشأن الاتجاهات المحتملة فيما يخص أسعار الفائدة، وما إن كان الفيدرالي سوف يتوقف عن رفعها أو سيتجه إلى إضافة ربع نقطة مئوية جديدة.
وخلص استطلاع رأي أجرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، شارك فيه مجموعة من كبار الاقتصاديين الأكاديميين، بالشراكة مع مركز كينت كلارك للأسواق العالمية في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو، إلى أن "بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سوف يتحدى توقعات المستثمرين ويرفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة أخرى على الأقل".
- قال أكثر من 40 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع إنهم يتوقعون أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرتين أو أكثر من المستوى القياسي الحالي البالغ 5.25-5.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ 22 عاماً.
- يتوقع ما يقرب من نصف الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع أن يصل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى ذروته عند 5.5-5.75 بالمئة، ما يشير إلى زيادة أخرى في سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.
- ويتوقع 35 بالمئة أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتحريك درجتين إضافيتين بمقدار ربع نقطة، مما يدفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 5.75-6 بالمئة.
- تعتقد مجموعة صغيرة (بنسبة 8 بالمئة) أن سعر الفائدة الرسمي سيتجاوز 6 بالمئة.
- يتناقض هذا بشكل حاد مع المزاج السائد في الأسواق المالية، حيث يعتقد المتداولون في العقود الآجلة للأموال الفيدرالية أن سياسة البنك المركزي الأميركي مقيدة بما يكفي للسيطرة على التضخم وبالتالي يمكنه إبقاء أسعار الفائدة ثابتة حتى العام 2024.
- القضاء التام على ضغوط الأسعار وخفض التضخم إلى 2 بالمئة (المستوى المستهدف) سيتطلب تكاليف اقتراض باهظة أكثر من المشاركين في السوق.
ونقلت الصحيفة عن أستاذة الاقتصاد في كلية لافاييت (مقرها مدينة إيستون بولاية بنسلفانيا الأميركية)، جولي سميث، قولها: "إن بعض الإشارات التي نتلقاها هي أن السياسة ليست متشددة إلى هذا الحد"، مشيرة إلى أن القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة مثل سوق الإسكان ظلت "قوية بشكل مدهش" على الرغم من الضربات السابقة.. "ولا يبدو أن هناك انسحاباً كافياً من المستهلكين لإبطاء الاقتصاد، وأعتقد أن هذه هي المشكلة حقاً".
الضغوط التضخمية
وفي حين انحسرت الضغوط التضخمية وتراجع سوق العمل، فإن عديداً من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع يشعرون بالقلق من أن الزخم الأساسي في أكبر اقتصاد في العالم لا يزال قوياً للغاية وأن التضخم سيصبح أكثر صعوبة في استئصاله.
ونقل التقرير عن الأستاذ في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، جوردون هانسون، قوله: "مثلما كانت هناك مخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان بطيئاً للغاية في الاستجابة، فإنك لا تريد أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي سريعاً للغاية في الاسترخاء".
يقول كبير استراتيجي الأسواق في BDSwiss MENA مازن سلهب، في تحليله لاتجاهات الفيدرالي الأميركي، إن أسعار الفائدة الحالية في الولايات المتحدة الأميركية وصلت حالياً إلى 5.5 بالمئة، وهي الأعلى منذ ما قبل سنوات الأزمة المالية العالمية 2008 وبالتحديد منذ العام 2002.
مواجهة التضخم
ويضيف، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": ومما لا شك فيه أن مواجهة التضخم الأميركي الذي وصل الشهر الفائت إلى 3.7 بالمئة وهو أعلى من هدف الفيدرالي عند 2 بالمئة سيبقي التحدي الأكبر في دورة رفع الفائدة التي قد تكون قد شارفت على نهايتها من زاوية تاريخية – اقتصادية. لكن الأرقام الاقتصادية هي من تحدد، ولذلك لابد من الإشارة إلى تفاصيل غاية في الأهمية، على النحو التالي:
- أولاً- السياسة المتكيفة للفيدرالي الأميركي وجدت لتبقى لغايات سياسية واقتصادية، وعليه فإن الفيدرالي سيتابع عمله بها ويعتمد على البيانات، حتى لو لم يذكر ذلك في بياناته السابقة واللاحقة.
- ثانياً- هل يتحمل الاقتصاد الأميركي رفعاً للفائدة بأعلى من 5.5 بالمئة؟ لا شك أن مؤشرات الأسهم والأصول عالية المخاطر لا تفضل فائدةً مرتفعة؛ لأنها تقلل من جاذبيتها مقابل عوائد الكاش والعائد على الدولار الأميركي في البنك (استثمار سهل وآمن وعائده جيد حالياً)، لكن مؤشرات الأسهم هي ليست الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي لا يهم الفيدرالي كثيراً ردة فعل السوق.
ويشير إلى أن ما تقوله الأرقام أن سوق العمل الأميركي بقي مستقراً وقوياً ومعدلات البطالة متدنية تاريخياً 3.8 بالمئة (الأدنى في أكثر من خمسين عاماً)، علاوة على أن المشاركة في سوق العمل وصلت إلى 62.8 بالمئة وهي الأفضل في أكثر من ثلاث سنوات، ولكنها لم تصل بعد إلى ما كانت عليه قبل عقد من الزمن قريبة من 64 بالمئة في 2012-2011.
ويضيف: لن يتدخل الفيدرالي ويخفض الفائدة إلا في حال التراجع الحقيقي في سوق العمل الأميركية المترافق مع ارتفاع البطالة وهذا لا يحدث الآن وطبيعة الدورة الاقتصادية يلزمها عدة أشهر حتى تظهر الأرقام تغييراً جذرياً.
- ثالثاً- الارتفاع الأخير للتضخم الأميركي إلى 3.7 بالمئة في أغسطس الفائت حدث بسبب الارتفاع في أسعار الطاقة (10.6 بالمئة في أسعار الوقود الأميركي) كما أن معدلات الإيجار تراجعت 1بالمئة مع تراجع تضخم السكن والمأوى.. ولا ننسى التراجع الكبر في تضخم الغذاء الذي وصل 3 بالمئة، وكان عند 13.5 بالمئة قبل عام.
ويردف: كل هذا يدفعنا للاعتقاد بأن الارتفاع الأخير للتضخم الأميركي ليس نقطة تحول، وسيدفع الفيدرالي الأميركي إلى الإبقاء على الفائدة دون تغيير ودون رفع في اجتماع سبتمبر الجاري.
- رابعاً- السيناريو الأكثر احتمالاً هو ترك الباب مفتوحاً للحكم على مسار الاقتصاد الأميركي في اجتماعات الفيدرالي الأميركي في نوفمبر المقبل، والاجتماع الأخير في 2023 الذي سيكون في 12/13 ديسمبر.
- خامساً- ما تقرأه الأسواق حالياً ويعتبر تغييراً عميقاً في تسعير مسار الفائدة، أن الفائدة الأميركية ستبقى مرتفعة لفترة أطول من التوقعات أعلى من 4 بالمئة لعامين قادمين، وباعتقادنا أن هذه توقعات قوية وفيها إلى حد ما مبالغة لأن مجرد بداية انكماش الاقتصاد الأميركي سيتبعه تراجع للفائدة بأسرع مما تقرأه الأسواق حالياً. وقد يكون مستوى الفائدة بين 2.5 بالمئة إلى 3 بالمئة منطقياً (للبنوك والمقترضين الأفراد والشركات) إذا استقر التضخم عند هدف الفيدرالي الأميركي 2 بالمئة دون حدوث انكماش أو تراجع قاسي.
- سادساً- باعتقادنا أن اللهجة القوية للفيدرالي الأمريكي قد تستمر لبعض الوقت ليس بسبب الثقة بالاقتصاد، بل لأن دفع أسعار الأصول إلى التراجع سيساعد في إعادة التضخم الى الهدف 2 بالمئة.
قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي
ورفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، خلال اجتماعه الأخير في يوليو الماضي، معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس (ربع نقطة مئوية)، وصولاً إلى نطاق 5.25 بالمئة و5.50 بالمئة، متماشياً مع التوقعات السابقة، لتصل معدلات الفائدة بذلك إلى أعلى مستوياتها منذ نحو 22 عاماً. وهي الزيادة الـ 11 منذ بداية العام الماضي.
وكان الفيدرالي قد أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماع يونيو الماضي، وذلك بعد 10 زيادات متتالية بدأها في مارس 2022.
- يوم الجمعة الماضي، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، إن البنك المركزي الأميركي مستعد "لزيادة أسعار الفائدة إذا لزم الأمر" وإنه سيواصل سياسته النقدية المتشددة، إلى أن يتحرك التضخم نحو الهدف المحدد وهو 2 في المئة.
- ورفع الاحتياطي الفدرالي معدّلات الفائدة 11 مرة اعتبارا من العام الماضي في محاولة لكبح معدل التضخم الذي لا يزال أعلى من المعدل المستهدف (2 بالمئة).
التضخم
ولفت تقرير صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إلى مخاوف الاقتصاديين جراء الانعكاسات المحتملة لتقليص إمدادات النفط على توقعات التضخم. ونقل في هذا السياق عن الأستاذة في جامعة نوتردام، كريستيان بوميستر، توقعاتها بمزيد من الارتفاع في الأسعار (النفط) مما قد يؤدي إلى زيادة توقعات التضخم في المستقبل بالإضافة إلى تأخير هبوط نمو الأسعار الأساسية إذا اختارت الشركات نقل التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين.
بينما من الممكن أن يعوض التباطؤ الحاد في اقتصاد الصين عن ذلك، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى انخفاض النمو العالمي في الأشهر المقبلة.
- تسارع معدل التضخم السنوي في أميركا خلال أغسطس الماضي، بأكثر من المتوقع بسبب الزيادات في أسعار الوقود، الأمر الذي يضع ضغوطا على الفيدرالي الأميركي بشأن إنهاء موجة التشديد النقدي.
- أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية، الأربعاء، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، خلال أغسطس، بأكبر وتيرة في 14 شهراً، مسجلاً 3.7 بالمئة على أساس سنوي، مقابل 3.2 بالمئة في يوليو.
- على أساس شهري ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.6 بالمئة، كما هو متوقع، بعد أن ارتفع 0.2 بالمئة فقط في يوليو.
- وأظهرت الإحصاءات الأميركية مساهمة زيادة أسعار البنزين في رفع معدل التضخم العام، إلا أن المعدل الأساسي والذي يستثنى منه المواد الغذائية وأسعار الطاقة المتقلّبة شهد تراجعا على أساس سنوي ليسجل 4.3 بالمئة في أغسطس، وهو أدنى مستوى له خلال عامين تقريباً.
- لكن على أساس شهري ارتفع مؤشر التضخم الأساسي في أغسطس إلى 0.3 بالمئة، لأول مرة في ستة أشهر، مقابل توقعات بأن يستقر عند نفس مستواه في شهري يونيو ويوليو البالغ 0.2 بالمئة.
سيناريوهات مختلفة
من جانبه، قال الكاتب والمحلل الأميركي، حازم الغبرا، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن هناك انقساماً واضحاً بين المحللين تجاه ما سوف يقوم به الفيدرالي في اجتماعه المرتقب.
من ناحية يسعى بنك الاحتياطي إلى تحقيق النجاح في الوصول لهدف التضخم المستهدف عند 2 بالمئة، ويقوم بذلك بشكل محموم ومتسارع (في سياق رفع الفائدة لكبح جماح التضخم)، يعزز ذلك البعد السياسي المرتبط برغبة البيت الأبيض والحكومة في التأكيد على التغلب على التضخم ونجاحهم في الوفاء بوعدهم. ومن ناحية أخرى، ثمة ضغوطات واضحة على الاقتصاد الأميركي، وسوق الأسهم، يتعين التعامل معها.
وأضاف: "الكثيرون يرون أنه لم يمر وقت كاف لتظهر نتائج رفع الفائدة على الأسواق بشكل كامل، وينبغي التريث بعض الشيء (..) وهناك أصوات تقول إنه لا ينبغي الإضرار بسوق الأسهم والشركات الأميركية عبر رفع الفائدة دون التريث بما يكفي لأن تظهر نتائج هذا التوجه من قبل الفيدرالي".
لكنه أفاد بأنه "من الواضح أن هناك نجاحاً في كبح جماح التضخم دون أذى واضح وملموس على الاقتصاد الأميركي، مقارنة باقتصادات مشابهة مثل الاقتصاد البريطاني على سبيل المثال، حيث معدل الفائدة هناك 4.5 بالمئة وهو معدل قريب نسبياً من المعدل الأميركي، بينما ثمة فجوة بين معدلات التضخم في البلدين".
وشدد على أنه "من غير الواضح أين سيتجه الفيدرالي، وهل سيبقي أسعار الفائدة أو سيسمح بزيادة ربع نقطة أخرى في هذا الاجتماع ولن يزيد"، موضحاً أن:
- نصيحة السوق اليوم للفيدرالي هو التريث بعض الشيء، لكن ربما تكون هناك توجهات ودوافع سياسية ورغبة من الفيدرالي أن يحقق هدفه بأسرع وقت ممكن.
- لكن الإشارات التي أرسلها الفيدرالي تشير إلى احتمالية رفع الفائدة مرتين، كل مرة بربع نقطة، حتى نهاية العام.
وتابع الغبرا: "الإيجابي في كل هذا أن الضوء في نهاية النفق أصبح واضحاً، والتحكم في التضخم أصبح يقترب.. التوجه هو أنه عندما يتم الحد من التضخم أن يتم البدء في خفض أسعار الفائدة، بعد تثبيت على مدار العام المقبل، وقد يكون الخفض في أواوائل 2025 أو نهايات 2024".
وخفضت "غولدمان ساكس"، أخيراً، توقعاتها بخصوص دخول الولايات المتحدة الأميركية في مرحلة الركود من 20 بالمئة إلى 15 بالمئة.
وكان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول قد قال في وقت سابق إن مرونة اقتصاد الولايات المتحدة قد تدفع الفيدرالي لتطبيق المزيد من زيادات الفائدة في الفترة المقبلة.
وأشار باول خلال كلمة في قمة جاكسون هول، إلى أن الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، ينمو بشكل أكبر من المتوقع، وأن الأسلوب الإنفاقي للمستهلكين متسارع، وهي اتجاهات يمكن أن تُبقي الضغوط التضخمية مستمرة في البلاد.
كما أكد تصميم مجلس الاحتياطي الفيدرالي على إبقاء سعر الفائدة الرئيسي مرتفعا حتى يتم تخفيض زيادات الأسعار إلى مستهدف البنك المركزي الأميركي البالغ 2 بالمئة.
الوظائف
وبالعودة لنتائج الاستطلاع، فإن الاقتصاديين المشاركين كانوا أكثر تفاؤلاً بشأن احتمالات الهبوط الناعم، حيث يستطيع بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض التضخم دون خسارة مفرطة في الوظائف.
واعتبر أكثر من 40 بالمئة أنه من المحتمل "إلى حد ما" أن يتم تحقيق خفض التضخم مرة أخرى نحو 2 بالمئة دون أن يتجاوز معدل البطالة 5 بالمئة. وقال ربع آخر من المشاركين إن ذلك "مرجح أكثر من عدمه". وعندما سُئلوا عن توقيت الركود التالي، دفع كثيرون تقديراتهم إلى مستويات أبعد مما توقعوا في السابق.
وأظهرت أحدث بيانات صادرة عن وزارة العمل، أن اقتصاد الولايات المتحدة، أضاف وظائف جديدة في أغسطس الماضي بأكثر من المتوقع، لكن مع ذلك فقد ارتفعت البطالة بأعلى من المتوقع كما أن معدل زيادة الأجور في أغسطس نما بأقل وتيرة منذ فبراير 2023، مما يعزز الرهانات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد يوقف عمليات زيادة الفائدة.
يأتي ذلك فيما حقق اقتصاد الولايات المتحدة نمواً أقل من المتوقع في الربع الثاني من العام الجاري، وبما يعطي دلالة واضحة على أن السياسات المتبعة من جانب الفيدرالي قادرة على كبح النمو في البلاد.