"مخزونات المياه في لندن تكفي لثلاثة أسابيع ونصف فقط"، هذا ما ذكرته الرئيسة التنفيذية لشركة المياه في العاصمة لندن "تيمز ووتر"، كاثرين روس، خلال اجتماع انعقد في أبريل الماضي، في دلالة واضحة على حجم الأزمة التي تواجهها عاصمة عالمية رائدة في مختلف المجالات.. فما السبب؟
يواجه البلد، الذي يشتهر بمناخه الممطر، مشكلات خطيرة في الإمدادات، وذلك بعد سنوات من سوء إدارة الحكومات لملف المياه، فضلاً عن عوامل مرتبطة بأثر التغيرات المناخية، جنباً إلى جنب وتفاقم الديون على شركات المياه والمشكلات التي تُواجهها عمليات الاستخراج، إضافة إلى التلوث، وغيرها من العوامل التي تُهدد بتفاقم الأزمة مستقبلاً، بينما يضرب خطر الجفاف إمدادات المياه في عموم البلاد بشكل متباين.
- سبع مناطق من أصل 171 في المملكة المتحدة يُتوقع أن تواجه حالة الإجهاد المائي بحلول العام 2030. بينما يزيد العدد إلى 12 منطقة في العام 2040 (طبقاً لتقديرات شركة Kingfisher بناءً على تحليل حديث أجرته).
- بحلول العام 2050، ستكون بريطانيا بحاجة إلى 3.5 مليارات لتر من المياه الإضافية يومياً، فيما تواجه أزمة الجفاف، بحسب ما تُظهره بيانات رسمية.
- نصف خزانات المياه في المملكة المتحدة تعاني من مستويات "منخفضة بشكل كبير"، طبقاً للبيانات الحكومية.
- رغم دعوات الحكومة البريطانية للترشيد، ارتفعت معدلات الاستهلاك (بالنسبة للمنازل) إلى 144 لتراً للشخص الواحد (بحسب بيانات رسمية للعام 2021-2022) في مقابل 141 لتراً في 2017-2018. بينما تستهدف الحكومة النزول بالمعدلات إلى 110 لتراً في 2050.
- يتزايد الطلب على المياه في خطٍ متوازٍ مع النمو السكاني بالبلاد، جنباً إلى جنب وأثر التغيرات المناخية الواسع وشح المياه، وذلك في وقت تعمل فيه الشركات المعنية بالبلاد على تطوير أدائها وإنشاء خزانات جديدة لاستيعاب سعات تخزين الأمطار وتقليص الكميات من الأنهار.
- من بين العقبات التي تعزز الأزمة، حجم الديون الضخم على شركات إنتاج المياه، علاوة على مشكلات التلوث وتسرب الصرف الصحي إلى مياه الشرب.
والإجهاد المائي هو مصطلح يُستخدم لوصف حالة عدم التوازن أو التأثيرات الضارة التي تحدث في البيئة المائية نتيجة للضغوط والتداخلات البشرية والتغيرات البيئية. يمكن أن يكون الإجهاد المائي نتيجة لعدة عوامل مختلفة.
تفاصيل الأزمة
خبير الاستدامة، المحاضر بكلية سميث للمؤسسات والبيئة في جامعة أكسفورد، الدكتور لورانس وينرايت، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تواجه المملكة المتحدة مزيجاً غريباً من المشكلات، كلما تعلق الأمر بالمياه، بدءاً من المشكلات المستمرة المتعلقة بالصرف الصحي وتلوث الأنهار المرتبط بها، وحتى الفيضانات ونقص المياه الإقليمية وحالات الجفاف المحلية".
ويضيف: "بافتراض أنه لم يتم اتخاذ سوى الحد الأدنى من الإجراءات وبقاء استراتيجيات إدارة المياه الحالية دون تغيير نسبياً، فإن تقديرات مكتب التدقيق الوطني تشير إلى أنه بحلول منتصف الثلاثينيات من القرن الحالي، سيبدأ الطلب على المياه في المملكة المتحدة في تجاوز العرض المتاح".
كما أنه بحلول العام 2050، من المتوقع أن يتجاوز الطلب على المياه في إنجلترا العرض بحوالي 2 مليار لتر يومياً.
ويشير خبير الاستدامة البريطاني في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "التغيرات المناخية تزيد من تفاقم الأمور"، موضحاً أن "فصل الصيف الأكثر جفافاً والأطول، بالإضافة إلى أنماط الطقس غير العادية في فترات أخرى من العام، يشكل تحديات خطيرة.".
كما يلفت المحاضر بكلية سميث للمؤسسات والبيئة بجامعة أكسفورد، إلى أنه "من المتوقع أن ينخفض هطول الأمطار في أشهر الصيف بنسبة 15 بالمئة بحلول خمسينيات القرن الحالي في المملكة المتحدة".
ويشدد على أن "التوازن بين طلب الأسر والشركات على المياه بالطريقة الفورية المطلوبة - وموازنة ذلك مع ضمان استدامة الأنهار والخزانات على المدى الطويل - لا يعني توفير إمدادات كافية فحسب، بل يعني أيضاً استراتيجيات إدارة استباقية ومتعمدة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال مستويات غير مسبوقة من التعاون والتنسيق بين مختلف أصحاب المصلحة المشاركين في إدارة المياه في المملكة المتحدة".
خطر نفاد المياه
وتحت عنوان (المملكة المتحدة معرضة لخطر نفاد المياه.. لماذا؟)، ذكر تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أن "الدولة التي تشتهر بمناخها الممطر تواجه مشكلات خطيرة في الإمدادات، بعد سنوات من سوء إدارة الأنظمة".
كما أشار التقرير إلى أن "الأنهار الجافة أصبحت مشهداً شائعاً بشكل متزايد في إنجلترا، حيث شهدت البلاد شهر يونيو الأكثر سخونة على الإطلاق، كما أصبحت القيود المفروضة على استخدام أنابيب الخراطيم ظاهرة سنوية في جميع أنحاء المملكة المتحدة".
وبحسب التقرير، تشكل أنماط المناخ المتغيرة جزءاً من الأزمة، لكن السبب الرئيسي هو الاعتماد المفرط على الاستخراج؛ إذ تحصل الشركات على المياه من الأنهار والخزانات الطبيعية تحت الأرض التي تسمى طبقات المياه الجوفية، عبر شبكة المياه والصرف الصحي المهملة، والتي لم يتم تطوير بعضها منذ عقود.
يشمل ذلك أنابيب توزيع المياه التي تتسرب منها خمس المياه التي تحملها، مع الفشل في بناء سعة تخزينية جديدة، وتلوث الممرات المائية بكميات غير معروفة من مياه الصرف الصحي الخام التي تستنزف مخزون المياه النظيفة.
وفيما يأتي حوالي ثلث مياه الصنبور في إنجلترا من الآبار، فإن تلك المياه تتدفق إلى طبقات المياه الجوفية ويمكن أن تستغرق عقوداً لتجديدها. ويرتفع هذا الرقم في جنوب وجنوب شرق البلاد، حيث تتلقى بعض المناطق، بما في ذلك أجزاء من كامبريدج، كل احتياجاتها من المياه تقريبًا من المياه الجوفية.
وفي أماكن أخرى، وخاصة في الشمال الأكثر رطوبة، يتم امتصاص معظم إمدادات المياه من الأنهار والبحيرات والخزانات - وبعضها أنهار مبنية على السدود. وفي اسكتلندا، حيث تخضع إمدادات المياه للملكية العامة، فإن مسألة النقص ليست واضحة - على الرغم من أن وكالة حماية البيئة علقت تراخيص الاستخراج في عدة مناطق هذا الصيف بعد جفاف الشتاء أكثر من المتوسط وموجة من الطقس الحار أدت إلى تساقط الأنهار والبحيرات. تحت ضغط هائل".
أثر التغيرات المناخية
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي بصحيفة فاينانشال تايمز، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- لم يعرف البريطانيون تغيراً مناخياً كالذي يختبرونه الآن، فسبع مناطق من المتوقع أن تواجه إجهاداً مائياً حاداً بحلول العام 2030، وسيرتفع العدد إلى 12 منطقة بحلول العام 2040.
- البلاد -حسب الإحصاءات الرسمية- بحاجة إلى ما لا يقل عن 3.5 مليارات لتر من المياه الإضافية اليومية بحلول العام 2050 للتعامل مع الجفاف الشديد.
- الأنهار البريطانية قد تفقد أكثر من نصف مياهها مع حلول 2050.
ويوضح أن البلاد واجهت أزمة مياه خانقة في العام 2017 أفضت إلى تعليمات صارمة للاستخدام المنزلي والسقاية. ورغم أن كمية هطول الأمطار تعتبر مقبولة بشكل سنوي إلا أن خطر الجفاف يهدد إمدادات المياه في المدن وسيبقى يتفاقم باستمرار".
ويضيف قاسم: "لقد باتت الأنهار الجافة مشهداً مألوفاً في البلاد خلال هذا العام، في وقت تتسبب فيه الفترات الطويلة من الطقس الجاف والحرارة الشديدة في نقص المياه وارتفاع مستويات استخدامها من قبل السكان"، مردفاً: "في هذه الأثناء سارعت الحكومة لاتخاذ إجراءات فورية وبعيدة المدى لكنها بطيئة وتحتاج إلى مبالغ طائلة"، على حد وصفه.
ويلفت في الوقت نفسه إلى أن المشكلة التي تواجهها البلاد تتعلق بحجم الديون الكبير المستحق على شركات إنتاج المياه"، موضحاً أن الحكومة تدرس إعادة تأميم شركة "تيمز ووتر"، كما أن هناك مشاريع متعددة كلها تتعلق بالأمن المائي للبلاد، لكن تحقيق ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً، إضافة إلى أن مستقبل المناخ قد يغير أي تفاؤل مستقبلي.
وبريطانيا ليست الدولة الوحيدة في أوروبا التي تتطلع إلى إمداداتها من المياه بقلق، لكنها الدولة الوحيدة التي باعت مواردها المائية - بما في ذلك الأنابيب والخزانات والآبار ومحطات المعالجة - في إنجلترا وويلز للقطاع الخاص.
- خصخصت بريطانيا قطاع المياه في 1989 في عهد رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر.
- تعاني عديداً من الشركات من أزمة ديون حادة.
- وراكمت شركات المياه في بريطانيا ديونا مجتمعة قدرها 54 مليار جنيه منذ الخصخصة، لتمويل استثمارات وأرباح المساهمين، بحسب تحقيق أجرته العام الماضي صحيفة ذي غارديان.
- تدرس الحكومة البريطانية احتمال إعادة تأميم مؤقت لشركة "تيمز ووتر" المثقلة بالديون، أكبر جهة مزودة للمياه في بريطانيا، وذلك غداة استقالة مديرتها التنفيذية.
مشكلات البنية التحتية
وبالعودة لتقرير "فاينانشال تايمز"، فقد نقلت الصحيفة عن كبير المحاضرين في مجال الأمن المائي والغذائي بجامعة مانشستر، تيموثي فوستر، قوله: "إحدى الطرق التي يمكن من خلالها تخفيف التقلبات في إمدادات المياه هي إدارة الاستخراج والاستثمار في البنية التحتية للإمدادات.. لم نقم بأي شيء قريب بما فيه الكفاية من أي منهما." ونتيجة لذلك، فإن الجفاف أكثر من المعتاد في الصيف، ويمكن أن يؤدي بسرعة إلى عواقب وخيمة.
سلطت الصحيفة الضوء على تقارير تفيد بأن عديداً من المناطق كانت معرضة لخطر نقص المياه بعد موجة الحر الصيفية في العام الماضي. كما سلطت الضوء على تحذيرات لجنة البنية التحتية الوطنية، وهي وكالة حكومية، من أن هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 2.7 مليار لتر من سعة المياه الإضافية اليومية بحلول العام 2050 للحفاظ على مياه الصنبور جارية خلال فترة الجفاف.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة أكسفورد، السير ديتر هيلم: "نحن بحاجة إلى هزة قوية". "لقد تصرفنا دائمًا كما لو كانت المياه وفيرة ومتاحة مجانًا، وهي الآن نادرة".