"الهند هي الحل لخلق "سلسلة توريد عالمية وفعالة وموثوقة بعد الاضطرابات التي نتجت من جائحة كورونا"، هذا ما ذكره رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي تستضيف بلاده القمة الـ18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين يومي السبت والأحد المقبلين في التاسع والعاشر من سبتمبر الجاري، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه نيودلهي للعمل على تعزيز التصنيع للتنافس مع الصين.
كما يأتي ذلك في وقت يتطلع فيه العالم اليوم إلى حلول مستدامة بشأن أزمة سلسلة التوريد الناجمة عن جائحة كورونا والصدمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي تبعاً لذلك ومع التطورات الجيوسياسية على رأسها الحرب في أوكرانيا، تلك الأحداث والتطورات التي أثرت على سلاسل التوريد العالمية بشكل أو بآخر، ما دفع الأسعار إلى الارتفاع في جميع أنحاء العالم.
ويحاول العالم إيجاد حلول جديدة لأزمة سلاسل التوريد العالمية، تلك المنظومة التي تتضمن العناصر الرئيسية في قطاعات التوريد والإنتاج والتوزيع العالمية، وتشمل أيضاً كل ما يتعلق بعمليات توريد المواد الخام والتصنيع والنقل بكل أنواعه والتوزيع والتخزين والتسليم لتجار الجملة ثم للمستهلك.
وفي هذه المرحلة، ترسم الهند طريقها للمشاركة بشكل أكبر في سلاسل التوريد العالمية كبديل للصين، حيث تسعى إلى أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد بحلول نهاية هذا العقد.
وهو ما برز خلال تأكيدات رئيس الوزراء الهندي، المشار إليها، الأسبوع الماضي خلال منتدى "ب 20" للأعمال الذي يُشكّل مقدّمة لقمة مجموعة العشرين، وبما يعكس رغبة الهند في أن تكون لاعباً رئيسياً في سلسلة التوريد العالمية، وأنها استغلت الأزمات العالمية لصالح اقتصادها وتطويره، خاصة وأن البيئة فيها مناسبة لأن تشهد هذا التطور.
العالم يتطلع إلى حلول جديدة
يقول مؤسس كلية النقل الدولي واللوجستيات، الدكتور محمد علي إبراهيم، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن سلاسل الإمداد العالمية شهدت حالة من الارتباك منذ أزمة جائحة كورونا ترتب عليها نقص في الحاويات والسفن، بسبب الإغلاق، بينما لم يكد العالم يتخلص من ذروة الجائحة وما خلفته من مشكلات اقتصادية، حتى وقعت الحرب في أوكرانيا والتي ترتب عليها توقيع عقوبات اقتصادية على روسيا يزيد عددها عن 14 ألف عقوبة، وبالتالي هناك حظر على روسيا وأوكرانيا وهما أكبر موردي الحبوب في العالم، وأيضاً الزيوت وأنواع من المعادن فضلًا عن البترول، ما تسبب في تفاقم أزمة سلاسل التوريد.
وأوضح أن تلك الأزمات جعلت العالم يتطلع إلى حلول جديدة والتخلي عن الفكر القديم الذي يعتمد على تجزئة العملية الصناعية في عدد من الدول ليتم تجميع المنتج في النهاية، مشيراً إلى أن هذا النمط كشف هشاشة سلاسل الإمداد العالمية فعند أي طارىء عالمي ينهار أو يرتبك ما يؤدي إلى رفع تكلفة المنتجات والتضخم وضغوط على السوق.
واستكمل بأن هناك تصور آخر في إطار الاعتماد على الذات وتقصير سلاسل الإمداد في إطار إقليمي، وهو يقضي بتقليل سلاسل الإمداد وأن تصبح إقليمية بدلًا من عالمية، مشيراً إلى أن:
- بعض البلدان كالهند بدأت بالتعامل مع مدخلاتها المحلية وبدأت في توطين الصناعات محليا، بحيث لا تتأثر بأي حدث عالمي، وهو ما انعكس على اقتصادها القومي وفرص التوظيف ومعدلات الأسعار.
- الهند تستطيع أن تكون فاعلاً رئيسياً في حل مشكلة سلاسل التوريد، بعد أن حولت من الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم إلى فرصة، واعتمدت على نمط يجعل منها مركز تجارة عالمي.
- في إطار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والعقوبات التجارية المفروضة على الأخيرة، وقيام العالم الغربي بتحويل سلاسل التوريد الخاصة به من الصين تسعى الهند إلى الاستفادة من هذه الفرصة، خاصة وأن هناك شركات تتخارج من بكين لأماكن أخرى غير مهددة بعقوبات، وكانت الهند أول الدول المرشحة لهذه الشركات.
- الهند أخيراً ظهرت كمركز تصنيع يتمتع بإمكانات هائلة، فبدأت عديد من الشركات الكبرى مثل Apple بالفعل الإنتاج فيها، مع استهداف البدء في إنتاج الرقائق الدقيقة محلياً.
ولفت خبير النقل الدولي واللوجستيات، إلى أن هناك عديداً من العوامل التي تؤهل الهند كي تصبح مركز تجارة موسع، وجزءًا من سلاسل التوريد العالمية، معدداً تلك العوام، على النحو التالي:
- الهند أصبحت بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية والشركات العالمية في قطاع التصنيع.
- اقتصاد الهند عملاق والدولة فاعل اقتصادي في العالم لديها إمكانات وثقل اقتصادي وسكاني.
- لديها قدرة على الترابط مع شبكات الاتصالات العالمية، فتتوفر بها موانئ قوية وإمكانات كبيرة.
- لديها بنية تحتية للشحن والموانىء تسهل النقل الداخلي والخارجي لمراكز التوزيع.
وسجل إجمالي الناتج الداخلي الهندي نموا بنسبة 7,2 بالمئة في السنة المالية 2022-2023، مدفوعا بأداء قطاعي الخدمات والاستهلاك ما يضعه في مصاف اقتصادات العالم الأسرع نموا. وتبدأ السنة المالية في الهند من الأول من أبريل وتنتهي في 31 مارس.
وتعتبر الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم وقد تجاوزت الصين مؤخرا لتصبح الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم.
تكنولوجيا وإمكانات هائلة
من جهته، أكد المدير السابق لمركز البحوث الصينية بالقاهرة، خبير الشؤون الآسيوية الدكتور ياسر جاد الله، أن الهند باتت تعد من الدول الكبرى في التكنولوجيا حتى أنها أصبحت في المرتبة التالية بعد الصين، وهو ما يؤهلها بشدة إلى أن تخلق سلسلة توريد عالمية جديدة فعالة وموثوقة، كما أشار رئيس الوزراء الهندي.
ولفت لدى حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي تؤهل الهند من أجل أن تخلق سلسلة توريد جديدة، تحل من خلالها المشاكل المتعلقة بسلاسل التوريد في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أنها تملك معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، كما أن بها عدداً كبيراً من السكان ما يجعلها تستطيع أن تنتج على نطاق واسع ومتميزة في العملية الإنتاجية بتكلفة منخفضة.
وأضاف أن الهند تتميز باعتمادها الكبير على المشروعات الصغيرة، وكذلك إنتاج سلع وسيطة تدخل في عمليات إنتاج على نطاق واسع، وبالتالي تستطيع أن تُستخدم في سلاسل توريد لإنتاج سلع أخرى في دول العالم.
واستطرد: من مزايا الاقتصاد في الهند أيضاً أنه يوفر المدخلات اللازمة للعملية الإنتاجية والإنتاج على مستوى العالم، مشيراً إلى أنها تحاول أن توفر للدول الأخرى احتياجاتها من إنتاجها، كما أنها من الدول التي استطاعت بشكل سريع التكيف مع جائحة كورونا، والخروج مستفيدة من الأزمة.
وأعلنت الأمم المتحدة في أبريل الماضي، أن الهند تجاوزت الصين من ناحية عدد السكان، لتغدو الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم بنحو 1,43 مليار نسمة.
ثقة الهند مُستمدة من مشاركة ودعم تكتل "بريكس"
وإلى ذلك، رأى مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، أن حديث رئيس وزراء الهند عن تقديم حل لمشاكل سلاسل التوريد، جاء مدفوعاً بثقة يستمدها البلد من تكتل "بريكس"، موضحاً أن الهند تتحدث باسم التكتل وليس بمفردها.
وأضاف أن الهند قادرة إلى حد كبير على إيجاد حل لمشكلة سلاسل التوريد، خاصة بعد الخطوات الجدية التي اتخذها تكتل البريكس والتي تعبر عن إرادة سياسية حقيقية لدى الدول لتنفيذ هذا الأمر، مستدلاً على ذلك بالشروط التي وضعت لانضمام دول جديدة، ذلك أن شرطاً أساسياً هو أن تكون الدولة في محيطها الإقليمي دولة قاطرة بمعنى أنها دولة لها ثقل كبير في محيطها الإقليمي.
وأوضح أنه بالنظر إلى مصر التي تمت دعوتها للانضمام نجد أنها دولة قاطرة في منطقة شمال أفريقيا، وهي تسيطر على 75 بالمئة من إجمالي الاستثمارات المتدفقة للمنطقة، إضافة إلى أثيوبيا التي تعد دولة رائدة في الشرق الأفريقي، فضلا عن إيران والسعودية اللتان يعكس انضمامها إضافة قوة كبيرة للتكتل من منطقة الخليج.
وأضاف أن بعض المؤشرات الاقتصادية التي يمتلكها تكتل بريكس تشير إلى أن الهند وأية دولة منضمة للمجموعة أن تسهم في حل أزمة سلاسل التوريد، موضحاً أن التكتل يمتلك ثلت حبوب العالم و17 بالمئة من حجم التجارة الدولية، إضافة إلى 31 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن المساحة التي يشغلها هذا التكتل وعدده السكاني.
وتابع أنه بعد دعوة ست دول أخيراً للانضمام سيمتلك 80 بالمئة من الوقود بالعالم، ما يجعله يستطيع بشكله الموسع أن ينجح في كثير من القطاعات الاقتصادية، مشيراً إلى أن التكتل أصبح يتمتع بتوليفة من القطاعات الإنتاجية تستطيع أن تخلق سلاسل توريد جديدة.
وتابع: التكتل يضم روسيا التي تعد من كبار منتجي النفط عالمياً، علاوة على إنتاج الحبوب، بينما الصين التي تتميز بالإنتاج غير النفطي والمنتجات الثقيلة والخفيفة، ووحدها تسيطر على 15 بالمئة من إجمالي صادرات العالم، إضافة إلى جنوب أفريقيا التي تعد الخامس عالمياً فيما يتعلق بإنتاج المعادن خاصة النفيسة، فضلًا عن البرازيل الرائدة في قطاع الزراعة والملابس، بينما الهند باتت واحدة من أهم الدول فيما يتعلق بالتكنولوجيا والاقتصاد القائم على الرقمنة، وبالتالي فإن هذه "التوليفة الكبيرة والمختلفة للقطاعات الاقتصادية" تستطيع أن تجعل كل ما هو منضم للبريكس أن يستغني عن العالم، على حد قوله.