تنتظر القمة الـ 18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، والتي تنعقد يومي السبت والأحد المقبلين في التاسع والعاشر من سبتمبر الجاري، ملفات ساخنة، في ظل حالة الصدع التي تُواجهها G20 وما كشفت عنه نتائج الاجتماعات التحضيرية من تباينات واسعة حول عديد من الملفات الأساسية.
ويعكس غياب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن القمة المقبلة في الهند، جنباً إلى جنب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، دلالات واسعة في هذا السياق، وبما يهدد وضع المجموعة كمنتدى للقيادة العالمية، في ظل اتساع الفجوة والتباينات بين الدول الأعضاء في المجموعة، ومع سعي مجموعة من الأعضاء للانخراط في تكتلات موازية مثل "بريكس" أخيراً.
وقالت وزارة الخارجية الصينية، الاثنين، إن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ هو من سيحضر قمة مجموعة العشرين المزمع عقدها في نيودلهي مطلع الأسبوع المقبل. فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه يشعر بـ "خيبة أمل" جراء ذلك.
تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، نقل عن مسؤول غربي يشارك في الاستعدادات لقمة مجموعة العشرين في الهند، قوله إن الأخبار التي تفيد بأن الرئيس شي سيغيب عن الحدث لا تعني سوى شيء واحد "لقد كانوا يعملون على إفساد عملنا المشترك طوال العام".. وبحسب الصحيفة، فإن:
- غياب الرئيس الصيني سوف يشكل ضربة لرئاسة الهند الحالية للتجمع متعدد الأطراف ووضع قمة نيودلهي.
- كما أنه يهز مكانة مجموعة العشرين باعتبارها منتدى القيادة العالمية البارز، وسط انقسامات عميقة بين أعضائها.
- بعض المراقبين الهنود مقتنعين بأن "الصين تريد إفساد الحدث الهندي في وقت يشهد احتكاكاً ثنائياً بشأن الحدود المتنازع عليها بين البلدين".
ويهدد غياب الصين عن المجموعة عديداً من الملفات، من بينها على سبيل المثال مفاوضات إعادة هيكلة الديون، وهو الغياب الذي يشكل "تهديداً وجودياً لمستقبل المجموعة"، بحسب ما نقلته الصحيفة عن كبير مديري مركز الاقتصادات الجيولوجية التابع للمجلس الأطلسي ومقره واشنطن، جوش ليبسكي.
ووفق الصحيفة، يتناقض غياب شي المقرر بشكل صارخ مع مشاركته التي خطفت الأضواء في قمة مجموعة البريكس للدول النامية الأسبوع الماضي في جنوب إفريقيا. وفي تلك القمة ترأس شي خطوة لتوسيع المجموعة، التي تعتبرها بكين منافساً للمنتديات العالمية التي تقودها الولايات المتحدة، من خمسة أعضاء إلى 11 عضواً.
مواجهة الهيمنة الغربية
الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون الصينية، رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، عماد الأزرق، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الصين وروسيا مواقفهما واضحة من الأزمة الحالية التي تهدد النظام الاقتصادي العالمي، ذلك في وقت تقود فيه الولايات المتحدة الأميركية الاتجاه الغربي لممارسة ضغوط عنيفة على موسكو وبكين، سواء على خلفية الحرب في أوكرانيا، وكذلك على خلفية الصراع الأميركي الصيني من جانب آخر، وهو الصراع الذي بدأ منذ سنوات من خلال الحرب التجارية وأزمة تايوان وإثارة مشاكل مختلفة بين البلدين.
على الجانب الآخر، يلفت إلى أن الولايات المتحدة "حاولت أن تروج إلى أن مجموعة بريكس (بقيادة الصين وروسيا) يمكنها سحب البساط من مجموعة السبع وتهديد مجموعة العشرين، وفي السياق يتخذ البلدان (روسيا والصين) موقفاً مؤثراً من قمة مجموعة العشرين، بهدف التأكيد على أن القمة تمثل اتجاه الغرب ولا تمثل العالم ككل أو القوى الكبرى في العالم".
ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الصينية أن ما وصفه بـ "الانسحاب الرمزي" من جانب الرئيسين من قمة العشرين، وعدم حضورهما، ستكون له دلالات مهمة "وقد يتم البناء عليه في السنوات المقبلة من خلال مجموعة من الإجراءات التي قد تصل ربما إلى اتخاذ بعض الإجراءات المضادة لهذا التجمع وصولاً إلى التلويح بالانسحاب إذا ما استمر الغرب والولايات المتحدة في ممارسة الضغوط الاقتصادية والتجارية على روسيا والصين واستخدام هذا المنبر (مجموعة العشرين) لمهاجمة موسكو وبكين".
المرة الأولى!
وستكون هذه هي المرة الأولى التي يغيب فيها شي أو أي رئيس صيني عن قمة مجموعة العشرين، وهو ما يمثل ضربة لجهود التكتل الذي تشكل أساساً لإيجاد توافق في الآراء بين أقوى دول العالم، على الرغم من التناقضات الاجتماعية أو الاقتصادية.
وحول ما إن كانت كل من روسيا والصين قادرتان على منافسة الهيمنة الغربية والأميركية على المجموعة، من خلال وجود عددٍ من دول "بريكس" داخل مجموعة العشرين، ممثلين في كل من (الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا)، إضافة إلى اثنين من الوافدين الجدد في يناير المقبل (السعودية والأرجنتين)، يشير عماد الأزرق، في معرض حديثه مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "الصين وروسيا على يقين بأن الولايات المتحدة رفقة الدول الاوربية تحاول احتواء دول مجموعة بريكس، وبالتالي يمارسان هذه الإجراءات من باب الضغط على واشنطن وحلفائها، ومن خلال التلويح بأن البلدين يمكنهما إفشال هذا التجمع الكبير الممثل في مجموعة العشرين، في حال انسحاب دول البريكس من الـ G20".
كيف يشكل غياب "شي" فرصة لـ "بايدن"؟
على الجانب الآخر، فإن غياب الرئيس الصيني "سيمنح نظيره الأميركي جو بايدن وغيره من الزعماءالغربيين فرصة لإثبات استعدادهم للتعاون مع الدول النامية وتعزيز دعمهم من خلال عرض اقتصادي ينافس مبادرة الحزام والطريق الصينية لتطوير البنية التحتية"، وهو ما عبر عنه مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، الشهر الماضي، بقوله إن الرئيس الأميركي يرى قمة نيودلهي "فرصة للولايات المتحدة والشركاء ذوي التفكير المماثل لتقديم عرض قيم، خاصة لدول الجنوب العالمي".
وتنعقد القمة بعد أشهر من الجهود الفاشلة التي بذلتها المنتديات الوزارية المتعددة لمجموعة العشرين للتوصل إلى استنتاجات مشتركة حول موضوعات تتراوح من الرعاية الصحية إلى تغير المناخ، بسبب الخلافات حول الحرب في أوكرانيا وتقاسم الأعباء بين الدول الغنية والنامية.
وكانت الصين هي "المعارضة الرئيسية للتوافق حول جميع القضايا تقريباً"، طبقاً لما ذكره الرئيس التنفيذي لمركز أنانتا أسبن، وهو مركز أبحاث هندي، إندراني باجشي.
في اجتماعات وزراء خارجية مجموعة العشرين ووزراء المالية وغيرهم من المسؤولين، فشلت الهند في الحصول على بيان نهائي واحد متفق عليه من قبل جميع الأعضاء. وقد اختارت روسيا والصين مراراً وتكراراً عدم استخدام اللغة التي روجت لها الدول الغربية التي تدين الحرب.
وكانت مجموعة العشرين قد تمكنت من الاتفاق على بيان مشترك غير متوقع في قمة 2022 في بالي. ولكن المناقشات التي جرت هذا العام تحت رئاسة الهند اتسمت بصدع يبدو أنه لا يمكن جسره بين الديمقراطيات وروسيا والصين بشأن الحرب في أوكرانيا، وفق تقرير الفاينانشال تايمز المشار إليه.
الموقف الروسي
من جانبه، يقول الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه فيما يتعلق بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فإنها ليست المرة الأولى التي يتغيب فيها عن القمة، فقد تغيب أيضاً العام الماضي وكانت موسكو ممثلة بوزير الخارجية سيرغي لافروف، كما تغيب قبل أيام عن المشاركة في حضور قمة مجموعة "بريكس" في جنوب إفريقيا (..).
ويضيف: "فيما يخص قمة مجموعة العشرين في الهند، فإن الرئيس بوتين يبدو أنه لا يريد أن يعرض نفسه لحالة من العزلة مثل التي تعرض لها في قمة مجموعة العشرين بعد ضم القرم في العام 2014". أما بخصوص الموقف الصيني، فيشير إلى أن "بكين تدعم روسيا في موقفها من الهيمنة الغربية، والدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب بشكل عام".
- ويُشار إلى أنه في أول قمتين عقدتا في عامي 2008 و2009 لصياغة استجابة منسقة للأزمة المالية العالمية، تم الترحيب بمجموعة العشرين باعتبارها هيئة صنع القرار الدولية الأساسية الناشئة، وبما يعكس كذلك الأهمية المتزايدة والنفوذ الاقتصادي للدول النامية.
- لكن انفصال روسيا عن الغرب، مع ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014 والحرب في أوكرانيا في فبراير من العام الماضي، جميعها عوامل أدت إلى كسر وحدة مجموعة العشرين.
- وأدت الأزمة العالمية الناجمة عن ذلك، إلى جانب التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة والصين في السنوات الأخيرة، إلى تفاقم خطوط الصدع بين أعضاء ودول المجموعة المتقدمة والنامية.
وبينما تُعقد القمة في الهند، يلفت القليوبي في الوقت نفسه إلى أن "العلاقات الروسية الهندية لا تخلو من بعض التباينات، لا سيما وأن الهند في الفترة الأخيرة أصبحت تميل إلى الجانب الأميركي في نفس الوقت الذي تواصل فيه الاستفادة من تخفيضات الأسعار على النفط الروسي الذي تسدد قيمته بالروبية الهندية (..)".