تشهد الساحة الاقتصادية الدولية تفاعلات وتطورات واسعة، في سياق جملة المتغيرات التي يشهدها العالم والتي تفضي بمزيدٍ من التحديات على دول العالم، وفي خضم ذلك المشهد فإن عديداً من التحالفات والتجمعات والمنصات الإقليمية والدولية تُعيد تشكيل نفسها من جديد، لمواكبة التطورات الجارية، بما يعزز من ديناميكية تلك التفاعلات وتأثيراتها.
مجموعة العشرين ليست ببعيدة عن تلك المتغيرات، وذلك بعد أن دعا رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي خلال منتدى "ب 20" التمهيدي مطلع الأسبوع الماضي، إلى ضم الاتحاد الإفريقي إلى المجموعة "كعضو دائم"، وهي الخطوة التي وصفها بأنها "متأخرة، ولكنها ستحدث".
يُمكن للاتحاد الأفريقي -الذي بلغ حجم ناتجه الإجمالي ثلاثة تريليونات دولار في عام 2022- أن يشكل إضافية قوية للمجموعة، لا سيما في ظل ما تزخر به القارة من ثروات، تجذب أنظار المتنافسين الإقليميين والدوليين. فما الذي يمكن أن يضيفه انضمام الاتحاد للمجموعة؟ وكيف تستفيد إفريقيا من ناحية أخرى بانخراطها ضمن هذا التكتل العالمي؟
ترحيب واسع
الخبير المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد عبد الواحد، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن طرح رئيس وزراء الهند قد لقي ترحيباً من أكثر من نصف دول المجموعة، في وقت يعي فيه العالم تماماً أهمية إفريقيا، مؤكداً أنه رغم أن الـ G20 لديها إمكانات هائلة، وتمثل أكبر الاقتصادات في العالم، وبينما تشكل أكثر من 85 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و75 بالمئة من حجم التجارة العالمية، إضافة إلى أنها تمثل ثلثي سكان العالم، إلا أن دولها لا تستطيع كمُنتجين أن يعتمدون على أنفسهم ويحتاجون إلى موارد لتشغيل عجلة الإنتاج. وأشار إلى أن:
- مجموعة العشرين تنظر لإفريقيا على أنها مصدراً للمواد الخام والمعادن الاستراتيجية، خاصة تلك التي تدخل في صناعات الرقائق والتكنولوجيا المستخدمة في صناعة الصواريخ والطائرات بدون طيار وأجهزة الاتصالات وغيرها من الصناعات الدقيقة.
- من بين تلك المعادن الاستراتيجية على سبيل المثال معدن الكولتان وهو مادة ثمينة متوفرة في شرق الكونغو تستخدم في صناعة رؤوس الصواريخ وصناعات دقيقة خاصة بالطائرات، علاوة على الكوبلت والليثيوم والبوكسيت والكروم والبلاتين، إضافة إلى الذهب والألماس.
- الدول العظمى تحصل على نسبة كبيرة من احتياجاتها للمعادن من قارة إفريقيا، ويُتوقع زيادة الطلب على هذه المعادن في المستقبل، نظراً لما يشهده العالم من تقدم تكنولوجي، وبالنظر إلى أن إمكانيات القارة جعلتها في دائرة مستمرة من الصراع.
- كل الانقلابات في القارة الأفريقية تأتي في إطار التنافس واستراتيجية الصراع على هذه الموارد.. وهو ما لا ينفي مشاركة أغلب الدول العظمى بالمشاركة في هذا الصراع بين تيار شرقي وآخر غربي.
أهمية أفريقيا
وكان رئيس الوزراء الهندي، قد ذكر خلال منتدى "ب 20" أن دور بلاده كرئيس لـ G20 هذا العام سيركز على تسليط الضوء على مخاوف العالم النامي"، مقترحاً أن يصبح الاتحاد الإفريقي عضوا دائما في المجموعة، ومضيفًا: "لدينا رؤية للشمولية، وبهذه الرؤية، دعونا الاتحاد الإفريقي".
ويُشكل منتدى "ب 20" للأعمال الذي انعقد الأحد الماضي، مُقدّمة لقمة مجموعة العشرين المقررة في التاسع والعاشر من سبتمر.
ولم تكن الدعوة الموجهة من رئيس وزراء الهند لانضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين هي الأولى من نوعها:
- في ديسمبر الماضي أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سيدعم انضمام الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين كعضو دائم، وأن بلاده تتطلع إلى زيادة التعاون مع إفريقيا في جميع المجالات.
- في قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت في العام 2020، طالب الرئيس السنغالي ماكي سال الانضمام إلى المنتدى العالمي، وأثناء مشاركته في قمة العشرين بمدينة بالي الإندونيسية في العام 2022 أعاد مطلبه مرة أخرى، وطُرح هذا الملف مرة أخرى خلال القمة الإفريقية الروسية التي عقدت أخيراً.
- في فبراير الماضي أكد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين دعم انضمام الاتحاد الإفريقى إلى المنظمات الدولية وأنه يتوقع أن يصبح الاتحاد عضواً كامل العضوية في مجموعة العشرين فى وقت مبكر من سبتمبر المقبل، وذلك خلال لقائه عددًا من ممثلي الاتحاد الإفريقي.
تنافس دولي محموم
فيما قال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، السفير صلاح حليمة، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن هناك هرولة غير مسبوقة لضم الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، في محاولة لكسب دول وشعوب القارة عبر الاتحاد الإفريقي في ظل التنافس والاستقطاب الدولي المحموم حالياً.
ورأى أن حالة الاستقطاب تأتي نظراً لما تملكه القارة من ثروات ضخمة متنوعة، فتعد تلك الثروات الآن مطلباً أكثر من أي وقت مضى لعمليات النمو والتنمية بالنسبة لكل من تلك الأقطاب والقوى، التي يأتي على رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
وذكر أن حدة تلك الهرولة تزايدت مع التداعيات التى أفرزتها الحرب في أوكرانيا وأزمة التغيرات المناخية، إضافة إلى جائحة كورونا، فضلاً عن أزمتي الطاقة والغذاء.
وأوضح حليمة أن الاتحاد الإفريقي احتياجاته تتمثل في إيصال صوته إلى العالم عبر المجموعة لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها القارة للتعاون معها عبر تعزيز العمل المشترك مع المجموعة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، خاصة في مواجهة هذه التداعيات الأخيرة، لا سيما أن القارة الإفريقية هي الأكثر تضرراً منها والاقل تسبباً فيها.
وأشار نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، إلى أن القارة الإفريقية تواجه عدداً من التحديات التقليدية التي تستطيع تجاوزها عبر استغلال خطوة الانضمام إلى مجموعة العشرين، وأبرز تلك التحديات: الديون وتسريع خطوات التنمية المستدامة، وإحداث تغيرات هيكلية في اقتصادات تلك الدول خاصة فى القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، فضلاً عن تحديث البنية التحتية وتطويرها فى ربوع القارة.
- تتألّف مجموعة العشرين من 19 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وتشكّل ما يزيد على 85 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي وتضمّ ثُلثي سكان العالم، وبين أعضائها دولة إفريقية واحدة هي جنوب إفريقيا.
- ويضمّ الاتحاد الأفريقي، الذي يتخذ من العاصمة الاثيوبية أديس أبابا مقرًا له، 55 دولة عضوا، لكن عضوية خمس دول تحكمها مجالس عسكرية حالياً باتت معلّقة.
مكاسب أوروبية
وقال خبير العلاقات الدولية، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، الدكتور أيمن سمير، إن انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين سيأتي بإجماع أغلب الدول، مشيراً إلى أنه على الرغم من الاختلاف بين روسيا والصين من جانب والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من جانب آخر إلا أن الأطراف جميعها أجمعوا على أن يكون الاتحاد الإفريقي عضواً بالعشرين.
وفسر هذا التوافق بأن له أكثر من معنى ليعكس ما تأمله مجموعة العشرين من انضمام الاتحاد الإفريقي لها، معدداً بعض المكاسب التي تسعى دول مجموعة العشرين لتحقيقها من القارة السمراء، على النحو التالي:
- مجموعة العشرين ستضاف إليها 55 دولة تمثل القارة الإفريقية وبالتالي لم تعد مجموعة العشرين تعكس فقط اتجاهات الدول المنضمة لها، لكن أيضاً أصبحت تعكس اتجاهات أكبر.
- الاتحاد الإفريقي يمثل أكبر الكتل التصويتية في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية بما فيها المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وبالتالي هو إضافة كبيرة لمجموعة العشرين.
- الاتحاد الإفريقي يمثل حوالي 20 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي، وهي نسبة ليست قليلة من حيث التجارة الدولية والاقتصاد العالمي.
- الدول الإفريقية كانت في السابق ينظر لها كمخزن للمواد الأولية والموارد غير المصنعة، واليوم الاتحاد الإفريقي سوف يكون له دور كبير في القرارات الاقتصادية الدولية بما فيهم أكبر كتلة اقتصادية وهي مجموعة العشرين، وبالتالي انتهاء عصر التهميش الاقتصادي (..).
- الاتحاد الإفريقي يمثل سوقاً كبيرة تصل إلى حوالي مليار و300 مليون نسمة، وبالتالي هو يعد إضافة لمجموعة دول العشرين، بحيث تضيف سوقاً كبيرة لمنتجاتها أو الحصول على واردات من دول الاتحاد الأفريقي خاصة أن إفريقيا الآن أصبحت تمثل رقماً مهماً في معادلة الطاقة.
- إفريقيا جزء رئيسي في سلاسل الإمداد الدولية سواء من خلال الممرات البحرية، التي تشرف عليها ومرتبطة بها أو من خلال ما تقدمه من صادرات تتعلق بالغذاء وأمن الطاقة.
- لا يمكن أن يتحقق هدف العالم بالوصول إلى صفر كربون في العام 2050 دون مساندة دول الاتحاد الإفريقي.
- الاتحاد الإفريقي سيطبق منطقة التجارة الحرة الإفريقية الكبرى، والتي تضم كل الدول الإفريقية، وتطبيقها سوف يؤدي إلى سهولة ويسر في التعاملات الاقتصادية بين دول العشرين والاتحاد الإفريقي، خاصة وأن أية دولة من العشرين سوف تقوم بمشروع أو تصدر سلعة ما لأية دولة إفريقية تستطيع أن تصل إلى باقي دول القارة دون حواجز جمركية أو جمارك جديدة.
وأشار إلى أن مجموعة العشرين بها ممثل واحد لإفريقيا وهي دولة جنوب إفريقيا، لكنه رأى أن دورها بالمجموعة لم يعكس مصالح دول الجنوب، بينما بانضمام الاتحاد الإفريقي سيكون هناك تمثيل حقيقي من شأنه أن يجعل المجموعة أكثر قوة، لتعبر عن عدد أكبر من السكان واتجاهات ومصالح اقتصادية لتكتلات كبيرة.
مكاسب إفريقية
وأضاف سمير أن دول الاتحاد الإفريقي يمكن أن تجني بعض المكاسب من انضمامها إلى مجموعة العشرين، وأهمها:
- الاتحاد الإفريقي في حاجة إلى المزيد من الاستثمارات، خاصة وأن إفريقيا تتلقى استثمارات قليلة مقارنة بباقي دول العالم.
- الاتحاد الإفريقي ينتظر أيضاً توطين التكنولوجيا الحديثة من الدول العشرين، خاصة وأن إفريقيا تبيع غالبية مواردها كمواد أولية، فإذا تحولت هذه المواد الأولية إلى مواد مُصنعة أو حتى نصف مُصنعة ستكون لها قيمة مضافة كبيرة على الاقتصادات الإفريقية.
- تأمل إفريقيا من خلال دخولها دول العشرين أن تكون لاعباً مؤثراً في القرارات الاقتصادية بما يحقق النتيجة العادلة، وهي نتيجة (رابح رابح) بحيث تكون العلاقة بين إفريقيا والدول الأخرى تقوم على المكاسب المتبادلة وليست علاقة يستفيد منها طرف أكثر من آخر بنسبة قد تتخطى الثمانين بالمئة.
- تأمل إفريقيا من الانضمام إلى مجموعة العشرين أن تؤخذ مصالحها في الحسبان خصوصاً ما يتعلق بالقروض والمنح التي تستخدم في التنمية والتنمية المستدامة، فالاتحاد الإفريقي دول فقيرة تحتاج إلى دعم وتمويل، لا يعتمد على نسب بسيطة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس وغيرها، وبالتالي ربما الانضمام إلى مجموعة العشرين يُحسن وضعية الدول الإفريقية للحصول على قروض بشروط ميسرة تساعد على التنمية وليس الإفقار كما كان يحدث في الماضي.
دلالات توجيه الدعوة
من جهته، ثمن أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور حامد فارس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، دعوة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لضم الاتحاد الإفريقي، مؤكداً أنها مهمة جداً في ظل التغيرات التي يشهدها العالم.
وأوضح أن العالم يشهد تراجعاً للهيمنة الغربية، في ظل وجود أقطاب ظهرت على الساحة الدولية منها روسيا والصين والهند، مؤكداً أن الدعوة في هذا التوقيت لها دلالة مهمة بشأن تغير نظرة العالم تجاه القارة الإفريقية.
وأضاف: "لوحظت أخيراً محاولات الاستقطاب الدولية من قبل القوى الكبرى للقارة الإفريقية سواء من خلال القمة الأميركية الأفريقية بنهاية العام الماضي وأيضاً القمة الروسية الإفريقية يوليو الماضي، بما يشير إلى أن هناك اهتماماً متزايد بالقارة، التي لم تستغل مواردها حتى هذه اللحظة، مؤكداً أن تلك الدعوة تؤسس لواقع جديد بانضمام القارة الإفريقية إلى مجموعة العشري".
وأشار أستاذ العلاقات الدولية في الوقت نفسه إلى أن دعوة الاتحاد الإفريقي للانضمام تكررت أخيراً أكثر من مرة، لكن الدعوة الأخيرة من رئيس الوزراء الهندي جاءت في ظل أوضاع مختلفة تشير إلى أن العالم بدأ التحرر من الهيمنة الغربية، مشدداً على أن الظروف الآن أصبحت مواتية لانضمام الاتحاد الإفريقي ومنحه العضوية الدائمة، ويُتوقع أن يعلن عن ذلك بشكل رسمي خلال اجتماع المجموعة المُقبل.
كما لفت فارس إلى أن تزامن الدعوة مع انضمام ست دول جديدة إلى مجموعة بريكس بينهم بلدين أفريقيين (مصر وأثيوبيا)، له دلالة مهمة بشأن زيادة أهمية القارة الأفريقية لدى العالم خلال الفترة الأخيرة.
ورأى أن القرار من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز العمل على إصلاح سلاسل التوريد في العالم، إضافة إلى العمل على عقد اتفاقات حقيقية وليست اتفاقات إذعان، وذلك وفقاً لمبدأ مساواة الطرفين في المكاسب.
كما توقع أن يتم استغلال ثروات إفريقيا مستقبلاً بشكل أفضل، في ظل ما تشهده القارة من تحركا للتخلص من الهيمنة الغربية، مشيراً إلى أن ذلك ظهر جلياً من خلال الانقلابات التي وقعت أخيراً في وسط وغرب القارة (..).