يعد قطاع السيارات واحدا من أهم الصناعات التي تلعب دوراً رئيسياً في الاقتصاد العالمي، خاصة مع التطورات الكبيرة التي يشهدها هذا القطاع في ظل استعداد مختلف مصنعي السيارات في العالم للتحول إلى إنتاج السيارات الكهربائية خلال السنوات المقبلة.
والتحولات التي تشهدها صناعة السيارات في العالم لا تقتصر فقط على انتقالها للكهرباء، بل هي تشمل أيضاً تغيّراً في موازين القوى، لناحية خريطة الدول الأكثر تصديراً للسيارات في العالم، وذلك مع دخول الصين بقوة على هذا المشهد.
فالصين التي تقدمت بخطى ثابتة في صناعة السيارات خلال السنوات القليلة الماضية، تتحضر في 2023 لأن تتزعم قائمة الدول الأكثر تصديراً للسيارات في العالم، مع توقعات بإزاحتها لليابان عن هذا العرش.
السيارات الصينية على الطريق الصحيح
وبحسب تقرير حديث لـ Moody’s Analytics، فإن مسار تقدم الصين في تصدير سياراتها للعالم، بدأ منذ سنوات، فقد تجاوزت كوريا الجنوبية في عام 2021، لتحتل المرتبة الثالثة من حيث تصدير السيارات.
كما نجحت الصين في عام 2022 بتخطي ألمانيا، مما جعلها ثاني أكبر مُصدّر للسيارات، في حين أنها تقترب الآن من اليابان، لتزيحها عن المرتبة الأولى في قائمة أكثر الدول تصديراً للسيارات في العالم.
ووفقاً لمؤسسة ستاتيستا للأبحاث، فقد بلغ حجم سوق تصنيع السيارات العالمي، حوالي 2.95 تريليون دولار أميركي في عام 2022، بينما بلغ عدد سيارات الركاب المصدرة من اليابان في ذلك العام، نحو 4.36 مليون سيارة.
فيما أظهرت بيانات الجمارك الصينية، أن البلاد صدّرت 3.32 مليون سيارة في 2022، بينما صدّرت ألمانيا 2.65 مليون سيارة، وكوريا الجنوبية 2.3 مليون سيارة.
أما بالنسبة لعام 2023، فتظهر البيانات الأولية تقدماً صينياً في مجال تصدير السيارات خلال أول 6 أشهر من العام، حيث صدرت الصين 2.34 مليون سيارة وفقاً للجمارك الصينية، فيما صدرت اليابان 2.02 مليون سيارة.
ورغم أن هذه البيانات ليست نهائية بعد، إلا أنها تشير بوضوح إلى أن أرقام صادرات السيارات الصينية على الطريق الصحيح لتجاوز أرقام صادرات السيارات اليابانية بحلول نهاية العام.
تقدم صيني سريع لا مثيل له
ويقول رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان إيلي قزي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صناعة السيارات ومنذ نشأتها مرت بعدة مراحل، وهي تمر حالياً بمرحلة جديدة عنوانها التحوّل الكامل للكهرباء، مشيراً إلى أن الصين اعتمدت خططاً مهمة في سبيل تطوير قطاع صناعة السيارات، من خلال دعم برامج البحث والتطوير، الأمر الذي ساعدها على التقدم بوتيرة سريعة في هذا المجال.
وبحسب قزي فإن شركات صناعة السيارات الصينية تبنت التقنيات الجديدة بسرعة لا مثيل لها، كما عملت على تحسين تصميماتها وعملياتها التصنيعية، ومعالجة نقاط ضعفها، مستفيدة من العديد من نقاط القوة التي مكنتها من مبارزة صانعي السيارات الغربيين، مثل إمكانية الوصول السهل إلى المعادن والمواد الأولية التي تحتاجها هذه الصناعة، إضافة إلى اليد العاملة الرخيصة والإعفاءات الضريبية التي وفرتها الدولة.
ويكشف قزي أن الارتفاع في صادرات السيارات الصينية أتى بدعم من الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية، وهذه أيضاً نقطة قوة أخرى لصناعة السيارات الصينية، حيث تتمتع الصين بميزة تنافسية في إنتاج خلايا بطاريات أيونات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، وهو ما ينعكس انخفاضاً في تكاليف إنتاج السيارات الكهربائية، لافتاً إلى أن الصين تنتج أكثر من نصف إمدادات الليثيوم في العالم.
ورغم بدء انتشار السيارات الصينية في الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة، إلا أن علامات السيارات الصينية لا تزال بحاجة إلى كسب المزيد من الثقة بين أوساط المستهلكين، بحسب قزي. لمواصلة نموها في الأسواق.
ويتوقع قزي أن تحافظ السيارات الصينية على صدارتها في أسواق التصدير في الأعوام المقبلة، ولا يعني ذلك أبداً انتهاء دور السيارات اليابانية والألمانية والكورية والفرنسية والأميركية، فالذي تغير هو وجود منافس جديد قوي في السوق العالمية، حسب تعبيره.
مصدر الخطر الأكبر على صناعة السيارات الصينية
من جهته يقول تاجر السيارات محمد موسى في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن سوق السيارات الجديدة في الصين تواجه حالياً رياحاً معاكسة، سببها عدم اليقين الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي الفاتر في البلاد، وهذا ما يدفع الشركات المحلية لإيجاد أسواق تصدير جديدة، وذلك من خلال تكثيف العمليات التسويقية في بعض الأسواق الرئيسية، مستفيدة من ميزة الأسعار التنافسية، التي تتميز بها السيارات الصينية مقارنة بغيرها من السيارات.
وأشار موسى إلى وجود تحديات أمام صانعي السيارات الصينيين في الأسواق العالمية، بسبب مشكلات التعرف على العلامة التجارية، وولاء المستهلكين القوي للعلامات التجارية القديمة.
وأوضح أن دولا مثل المكسيك والسعودية وتشيلي وروسيا، كانت من أكثر الدول استيراداً للسيارات المصنعة في الصين في عام 2022 بحسب "إس أند بي جلوبال"، في حين احتلت شركتا SAIC MOTOR وChery الصينيتين المرتبة الأولى والثانية من حيث حجم تصدير السيارات.
وفي الوقت الذي تحاول في شركات تصنيع السيارات الصينية، اكتساب موطئ قدم لها في الأسواق العالمية، بدعم من تحسين أداء سياراتها ومطابقتها لشروط السلامة العالمية، يرى موسى أن مصدر الخطر الأكبر على صناعة السيارات الصينية هو التدخل السياسي، والذي قد يؤدي إلى تكرار سيناريو "الحظر" الذي وقع مع شركة هواوي، أو حتى مع شركات التكنولوجيا الصينية الأخرى.
وأشار إلى أن هذا العامل يشكل حالياً مصدر قلق كبير لشركات السيارات الصينية التي تتوسع في الخارج.