أعلنت مجموعة "بريكس"، الخميس، عن خطوة مفصلية في تاريخ التكتل، بدعوة ستة أعضاء جدد للانضمام، وبما يضيف بدوره إلى قوة المجموعة الهادفة إلى أن تكون محركاً لنظام عالمي جديد، وأن تقود مجموعة تغيرات ديناميكية على الخارطة الاقتصادية الدولية.
تتيح توسعة المجموعة على ذلك النحو بدعوة كل من (الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات) ليصبحوا أعضاءً في بريكس، قوة دفع هائلة للمجموعة التي تسعى لإحداث التوازن على الصعيد الاقتصادي وتنافس مجموعة السبع، لا سيما بالنظر إلى ما تزخر به الدول الجديدة من مقومات.
كما أن توسيع المجموعة ينعكس بشكل إيجابي على الدول الأعضاء الجدد، نظراً لما يتيحه ذلك من فرص تمويلية واستثمارية وآفاق اقتصادية واسعة في سياق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
وتسعى دول المجموعة إلى "العمل معاً لكتابة فصل جديد للاقتصادات النامية من أجل التنمية المشتركة"، طبقاً للرئيس الصيني، شي جين بين، والذي ذكر خلال كلمته بالقمة، الخميس، أن دول بريكس برمتها تمتلك نفوذاً كبيراً وتتحمل مسؤولية إحلال السلام، واصفاً توسيع عضوية التكتل بـ "الحدث التاريخي"، كما أن هذا التوسع سيشكل نقطة بداية جديدة للتعاون بين دول مجموعة بريكس، وسيكون المستقبل مزدهرا ومثمرا للدول الأعضاء.
- بعد أن كان حجم اقتصاد مجموعة "بريكس" حوالي 26 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 25.6 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي في 2022، سيصبح بعد انضمام الدول الست الجديدة حوالي 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 29 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي.
- مع ارتفاع عدد دول مجموعة بريكس إلى 11 دولة سيصبح عدد سكان دول المجموعة أكثر من ثلاثة مليارات و670 مليون نسمة أي مايقارب نصف سكان العالم، فيما كانت هذه النسبة عند نحو 40 بالمئة قبل انضمام هذه الدول.
تغيرات ديناميكية
يقول الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، جمال بن سيف الجروان، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الإعلان عن انضمام ست دول لمجموعة "بريكس" يبعث بعدة رسائل إيجابية؛ أولها أن الخارطة الاقتصادية العالمية "تتغير بشكل ديناميكي".
ويوضح الجروان في الوقت نفسه أن "انضمام الست دول يضيف أكثر من ثلاثة تريليونات دولار كناتج قومي لهذا التحالف، وبما يعطي بلا شك زخماً اقتصادياً ضخماً ويُمهد إلى ميلاد تحالف جديد ضخم مزود بموارد ضخمة من منطقة مهمة جيوسياسياً من الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية".
ويصف هذا التقدم الحادث لجهة توسيع مجموعة "بريكس" بكونه "خطوة استراتيجية عميقة قد تم الإعداد لها جيداً"، موضحاً في الوقت نفسه أن "الاقتصاد العالمي سيكون مختلفاً تماماً في المرحلة المقبلة".
وقفل انضمام الدول الست، كانت نسبة مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي 25.6 بالمئة، لترتفع إلى 28.8 بالمئة بعد انضمام الأعضاء الجدد.
وتسعى المجموعة إلى أن ينعكس ذلك التفوق عملياً من خلال توسعة نشاطاتها الاقتصادية الرامية لمواجهة هيمنة الدولار الأميركي.
وبلغ حجم اقتصادات دول بريكس حتى نهاية العام 2022، وقبل توسع المجموعة، 25.9 تريليون دولار، كما أنها تسيطر على 20 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.
علاوة على ذلك تسيطر دول المجموعة الحالية (روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا) على 25.8 بالمئة من مساحة اليابسة في العالم، لتصبح 49 بالمئة من مساحة اليابسة بعد انضمام الدول الجديدة.
إضافة كبيرة
من جانبه، يقول المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن انضمام ست دول جديدة لمجموعة "بريكس" من شأنه أن يضيف بشكل كبير لتلك الدول وكذلك المجموعة ذاتها أيضاً، بالنظر لقوة تلك الدول المنضمة، وبالتالي سوف تضيف لقوة "بريكس".
ويشير في هذا السياق إلى عدد من المزايا التي يوفرها التكتل، والتي يمكن أن تستفيد منها الدول الأعضاء، من بين تلك المزايا اتفاقية الاحتياطي الطارى، والتي يمكن من خلالها دعم أي من الدول الأعضاء ممن تعاني من تراجع في المصادر الدولارية في الاحتياطي النقدي الخاص بها (..) ومن المزايا أيضاً ما يتعلق بالاتفاق المبرم بين الدول الأعضاء فيما يخص معالجة عجز الموازنة لدى أي من الدول، وبما يمكن أيا من الدول الأعضاء ممن يواجهون عجزاً بالموازنة من طلب الدعم.
واتفاقية الاحتياطي الطارئ الخاصة بالمجموعة أو ما تعرف باسم "Contingent Reserve Arrangement" تمثل آلية لتوفير السيولة دعماً للدول الأعضاء في التكتل ممن تواجه مشكلات خاصة في ميزان المدفوعات، وذلك من خلال ترتيبات المقايضة بين البنوك المركزية في البلدان الأعضاء.
ومن خلال تلك الآلية يمكن مبادلة العملات المحلية بالعملات الصعبة بالنسبة للدول التي تواجه نقصاً تلك العملات، وبما يوفر فرصاً اقتصادية كبيرة أمام الدول الأعضاء التي تواجه مثل تلك الأزمة، كما هو الحال بالنسبة لمصر على سبيل المثال.
ويردف معطي: "تضاف إلى ذلك فكرة المشروعات بين هذه الدول، وتسهيل عمليات الاستثمار، وتشجيع القطاع الخاص، في إطار الشراكة بين الدول الأعضاء"، مشيراً في الوقت نفسه إلى ما يعكسه وجود كل من السعودية والإمارات في التكتل من أهمية كبرى، على أساس مكانتهما في سوق النفط، وبما يشكل دفعة وقوة للتكتل.
وبحسب ما ذكره، الخميس، الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، بعد الإعلان عن انضمام ست دول للتحالف، فإن "إجمالي الناتج المحلي ارتفع الآن ليصل إلى 7.2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي"، كما أن مجموعة بريكس أصبحت تشمل نحو 46 بالمئة من سكان العالم، مشيراً إلى أن "أبواب بريكس ستظل مفتوحة أمام ضم أعضاء جدد، وذلك بعد الوقوف على الإجراءات المعيارية لانضمام الدول الجديدة". وأفاد بأن التكتل سيكون محركاً لنظام عالمي جديد.
فرص وتحديات
وإلى ذلك، يشير المحلل الاقتصادي السعودي، سليمان العساف، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "مجموعة بريكس التي تم إنشاؤها قبل قرابة الـ 15 عاماً، الهدف منها هو الانعتاق من سيطرة الدولار والولايات المتحدة الأميركية على الاقتصاد العالمي بشكل عام".
لكنه يوضح أن المجموعة تواجه تحدياً مرتبطاً بالتناقضات فيما بين الدول الأعضاء، لكن "ربما تبعات الحصار المفروض على روسيا وكذلك الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين قد استطاعت أن تقرب بين هذه الدول بشكل كبير في المرحلة الأخيرة، لا سيما وأن دول المجموعة تسيطر على نحو ربع الاقتصاد العالمي"، وذلك بخلاف الأعضاء الجدد (..).
ويضيف: "دخول هذه الدول الجديدة من شأنه أن يعزز دور التكتل في عدة أمور، لا سيما أن سوق الطاقة سوف تصبح بشكل كبير مُسيطر عليها وقرارها قد يكون من داخل بريكس، كذلك المضائق العالمية ستكون نسبة كبيرة ومهما منها داخل دول التكتل، علاوة على أن توسعة المجموعة من شأنها تسهيل عملية التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، وفتح أسواق جديدة"، على حد وصفه.
ويعتقد العساف بأن ثمة صعوبات قد تواجه مسألة "العملة الموحدة" التي يصبو إليها التكتل، بينما على الجانب الآخر قد تسعى الدول الأعضاء إلى التبادل التجاري بينهم خارج الدولار الأميركي كخطوة أساسية نحو ذلك الأمر، لكنها خطوة تحتاج مزيداً من الوقت.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أكد خلال كلمة له عبر الفيديو أثناء القمة، على أهمية "التشديد على قضايا التعامل بعملة مشتركة بالإضافة إلى العملات المحلية"، قائلاً: "نريد ضمان التعاون البناء والفعال مع الأعضاء الجدد.. سنعمل مع كل من يريدون العمل معنا من خلال برامجنا المختلفة".
فيما ذكر رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، أن "إضافة أعضاء جدد ستقوي بريكس وستعطي زخماً جديداً لجهودنا المشتركة"، موضحاً أن للهند علاقات عميقة وطويلة الأمد مع كل الدول التي انضمت.
تهديد هيمنة الدولار
من السعودية، يتحدث الخبير المالي والاقتصادي، عضو هيئة التدريس بجامعة جدة، سالم باعجاجة، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن انضمام الدول العربية الثلاثة بشكل خاص (مصر والسعودية والإمارات) إلى مجموعة بريكس، موضحاً أن انضمام تلك الدول "يشكل إضافة قوية للمجموعة، خاصة لما تتمتع به من مكانة عالمية وإمكانات مادية وبشرية".
ويشير إلى أنه "في ظل هيمنة الدولار على اقتصادات دول العالم بدأ التفكير عن إيجاد مخرج لعملة موحده تجمع اقتصادات دول لها ثقل كبير في الاقتصادات العالمية".
وعلى هذه الأساس جاء ميلاد تكتل "بريكس" والذي عمل على توسعة العضوية فيه أخيراً ليشكل نواة لإحداث التوازن بالاقتصاد العالمي، وتهديد هيمنة الدولار الأميركي.
ويشدد الاقتصادي السعودي على الجانب الآخر، أن من شأن انضمام تلك الدول لمجموعة "بريكس" أن يضيف لها المزيد من القوة لتعزيز اقتصاداتها، ولا سيما فيما يتعلق بعمليات التبادل التجاري بين دول التحالف والعالم.
ومن بين أبرز المؤسسات التابعة للتحالف، والتي توفر مزايا يمكن أن تستفيد منها الدول الأعضاء بشكل كبير، بنك التنمية الجديد، هو بنك متعدد الأطراف تديره المجموعة، وتم إنشاؤه في العام 2014 برأس مال 50 مليار دولار، ويعمل على تمويل مشاريع البنية التحتية، والتنمية المستدامة، في دول بريكس والبلدان النامية، ويقدم تمويلا أسرع من البنك الدولي وبشروط أقل.