تحظى قمة مجموعة "بريكس" التي تختتم أعمالها الخميس المقبل، بزخمٍ واسع هذا العام، لا سيما مع انعقادها في ظل ظروف دولية مُعقدة وتطورات جيوسياسية متسارعة، ومع توالي طلبات الانضمام إلى المجموعة التي فتحت أبوابها أمام التوسع في المرحلة المقبلة.
تمثل مجموعة بريكس، والتي تضم خمس دول هي (روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا)، نواة لإحداث التوازن بالاقتصاد العالمي، وتستهدف مزاحمة مجموعة السبع بما لدى الدول الأعضاء بالمجموعة من إمكانات وقدرات واسعة، وبما تضيفه الدول التي سوف تنضم لبريكس في المرحلة المقبلة إلى تلك الإمكانات.
وفيما تسعى المجموعة إلى منافسة الولايات المتحدة والغرب، وكسر هيمنة "الدولار الأميركي" وبينما الظروف الدولية الراهنة والأزمات التي تواجهها عديد من البلدان الناشئة، لا سيما فيما يخص التمويل والديون، تعطي المجموعة فرصة لشغل مساحة أكبر على الساحة الاقتصادية الدولية عبر حلول وبدائل مختلفة بما في ذلك فرص تمويلية بديلة من خلال بنك التنمية الجديد، إلا أن ثمة عديداً من التحديات التي تواجه المجموعة.
من بين تلك التحديات مدى التوافق بين الدول الأعضاء، فضلاً عن تجذر الدولار في المعاملات الدولية وتغلغله في مفاصل الاقتصاد العالمي وبما يجعل من الصعوبة بمكان مواجهة تلك الهيمنة في أسرع وقت.
لماذا يزداد الزخم حول "بريكس" الآن؟
وبرغم أن المجموعة قد تم تأسيسها في العام 2009، إلا أنها تشهد الآن زخماً واسعاً أكثر من أي وقت مضى على مدى الـ 14 عاماً الماضية، ومع تزايد طلبات الانضمام إلى التكتل، لما توفره من فرص واسعة.
يُفسر مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" هذا الزخم في الوقت الحالي بأنه "أمر منطقي في ضوء الأحداث الجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم"، مشيراً إلى انقسام العالم بين معسكرين؛ شرقي تتزعمه روسيا والصين (وهما عضوان أساسيان في بريكس) وغربي تتزعمه الولايات المتحدة وأوروبا.
وبينما يضم تكتل "بريكس" خمس دول فقط، إلا أنه ينافس -من حيث مساهمة تلك الدول مجتمعة في الاقتصاد العالمي- حجم مساهمة مجموعة السبع، وبالتالي -طبقاً لعنبر- فإن هذه المنافسة القوية تفتح الباب أمام مزيد من التطورات، خاصة بالنظر إلى مساعي روسيا والصين إلى مواجهة هيمنة الدولار بشكل خاص والتحول إلى عملة أخرى يمكن التعويل عليها سواء في المعاملات التجارية والطاقة وما إلى ذلك.
ويضيف: "لقد وفرّ تكتل بريكس لروسيا -التي تخضع لعقوبات أميركية وغربية- كل هذه الفرص (تهديد هيمنة الدولار)، لا سيما وأن الحديث عن عملة موحدة لبريكس، يمكن استخدامها في المعاملات الدولية، وهذا يعني بطبيعة الحال تحويل الخريطة الاقتصادية من فكرة الأحادية القطبية إلى عالم ثنائي أو متعدد الأقطاب".
ويعتقد بأن "الحديث عن وجود عملة موحدة الآن تحديداً لمجموعة بريكس، هو تطور طبيعي في التكامل الاقتصادي، على اعتبار أن العملة الموحدة من درجات ومراحل التكامل الاقتصادي، كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي على سبيل المثال".
ويشير مستشار البنك الدولي إلى واحدة من الفرص التي ترجح كفة "بريكس" والمرتبطة بإبداء عديد من الدول الانضمام للمجموعة، ومن بينها دول تمثل محوراً أساسياً في عديد من المناطق سواء بالنسبة للمنطقة العربية وأفريقيا، وبالتالي "فإن هذا التكتل ذاهب إلى أن يشكل تهديداً كبيراً بكل ما تحمله الكلمة من معنى للولايات المتحدة وأوروبا، ويأتي في سياق ما يحدث الآن من صراعات وعقوبات اقتصادية متبادلة بين الأطراف المختلفة".
مساهمة "بريكس" في الاقتصاد الدولي
- تظهر بيانات صندوق النقد الدولي، أن مساهمة التكتل بلغت 25.6 بالمئة في الاقتصاد العالمي بنهاية 2022، مقابل 43.25 بالمئة للقوى السبع الصناعية.
- يبلغ حجم اقتصادات دول بريكس حتى نهاية العام 2022، 25.9 تريليون دولار.
- مجموعة بريكس تسيطر على 20 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.
- تسيطر دول بريكس الحالية على 27 بالمئة من مساحة اليابسة في العالم، بمساحة إجمالية 40 مليون كيلومتر مربع.
- يبلغ عدد سكان التحالف 3.2 مليار نسمة ما يعادل نحو 42 بالمئة من إجمالي سكان الأرض، بينما يبلغ عدد سكان دول مجموعة السبع، نحو 800 مليون نسمة.
ظروف دولية داعمة لنمو "بريكس" وتطوره
من جانبه، يتحدث الخبير الاقتصادي الجزائري، هواري تيغرسي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن البيئة والظروف الدولية التي ينمو فيها تكتل "بريكس"، في وقت يُتوقع فيه أن تشهد المرحلة المقبلة حركية اقتصادية وعمليات تحرر اقتصادي بالنسبة لكثير من الدول في ظل المعاناة التي عاشتها في المراحل السابقة، وبما يدعم خطط التكتل للتوسع.
ويقول إنه خلال المراحل السابقة عانت كثيراً من الدول من المنظومة العالمية (..) حتى أن مجلس الأمن الدولي نفسه في كثير من القرارات لم يكن حيادياً ولم تنصف تلك القرارات الشعوب (..) وفي ضوء تلك المنظومة كان يتعين إعادة النظر في كثير من الخرائط والحلول في المراحل المقبلة، لجهة إيجاد أقطاب لمجابهة الأحادية القطبية.
تقدم تلك المعطيات فرصة لنمو وتطور تحالف "بريكس"، وهو ما يلفت إليه الخبير الاقتصادي بالإشارة إلى حجم طلبات الانضمام للتكتل، بينما السؤال الأهم هو كيفية الاستفادة من الإمكانات والقدرات المتوافرة لدى كل بلد ينضم إلى المجموعة، لا سيما البلدان الأفريقية بما تتمتع به من موارد.
ويشير إلى ما وصفه بـ "عمليات التحرر" من الهيمنة الاقتصادية للغرب، ومن أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه فيما يتصل بالمنظومة السياسية والاقتصادية والأمنية، وفي ضوء إشكالية التمويل التي تواجهها عديد من الدول، في الوقت الذي يطرح بنك التنمية الجديد (التابع لبريكس) نفسه كبديل لتمويل كثير من المشاريع الاستثمارية، عوضاً عن المؤسسات المالية التي تكيل بمكيالين "وتفرض شروطاً مسيسة الهدف منها خدمة مصالح معينة". هذه الشروط والتعقيدات أدت إلى البحث عن منظومة أخرى للخروج من النموذج الغربي.
وبنك التنمية الجديد، هو بنك متعدد الأطراف تديره مجموعة دول بريكس، وتم إنشاؤه في العام 2014 برأس مال 50 مليار دولار، ويعمل على تمويل مشاريع البنية التحتية، والتنمية المستدامة، في دول البريكس والبلدان النامية.
ويوضح تيغرسي بأن تلك المعطيات من شأنها التأثير على الدولار (كرمز للهيمنة الأميركية) بالنظر إلى "الصحوة الكبيرة التي يشهدها العالم" وفي ظل اكتشاف عديد من الشعوب إمكانية استغلال العملات المحلية، ومع الاتفاقات المرتبطة بالتبادل التجاري بالعملات الوطنية.
وبالتالي فإن المراحل المقبلة تعطي دفعة أكبر لـ "بريكس"، لا سيما وأن "العالم يبحث عن الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني، بعيداً عن القطبية الأحادية والفساد والتعنت وحالة عدم المساواة في كثير من الأمور"، بحسب الخبير الاقتصادي الجزائري، الذي يشير إلى أن "هناك أزمات اقتصادية يشهدها العالم ينبغي استغلالها لتنفيذ خطط أخرى للمراحل المقبلة، خاصة فيما يتعلق بإشكاليات الطاقة، التي يمكن لبريكس لعب دور فيها لا سيما في حال انضمام دول أخرى في مرحلة قادمة مثل مصر والجزائر والسعودية والإمارات والعراق وغيرهم، وبما يعطي قوة أكبر للمجموعة".
- في 7 أغسطس الجاري، قالت وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا ناليدي باندور، في بيان، "لدينا طلبات رسمية باهتمام قادة 23 دولة بالانضمام إلى بريكس، والعديد من الطلبات غير الرسمية الأخرى بشأن إمكانيات العضوية".
- الدول التي طلبت الانضمام إلى بريكس رسميا هي: مصر والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا، وفلسطين والسعودية والسنغال وتايلاند والإمارات وفنزويلا وفيتنام.
- ومع دخول الأعضاء الجدد إلى مجموعة بريكس يمكن أن تنمو مساحة التحالف بمقدار 10 ملايين كيلومتر مربع، كما سيزداد عدد السكان بمقدار 322 مليون نسمة.
تحديات واسعة أمام "بريكس"
على الجانب الآخر ورغم التطلعات الواسعة وحجم التعويل على "بريكس" وفي وقت تتبنى فيه المجموعة المستهدفات المذكورة لجهة كسر هيمنة الدولار الأميركي ومنافسة الغرب بقوة، إلا أن الطريق لا يبدو ممهداً أمامها من أجل إنجاز تلك الأهداف التي من شأن تحقيقها أن يشكل تغيراً جذرياً في الاقتصاد العالمي. ويتطلب الأمر مزيداً من الوقت والجهد لتحقيق ذلك.
يضيء المحلل والخبير الاقتصادي، وضاح الطه، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على جانب من تلك التحديات، وفي ظل انعقاد "قمة استثنائية" للمجموعة بعد سنوات طويلة من تأسيسها، ويقول:
تقف المجموعة أمام تحديات كبيرة وفي ظل متغيرت جيواستراتيجية ضخمة وصراعات، وأمام رغبة متزايدة في خلق قطب عالمي آخر يواجه الولايات المتحدة الأميركية.
المشكلة الأساسية هي أن دول "بريكس" تبدو متحالفة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود خلافات عميقة بين تلك الدول الأعضاء. فلاتزال تحت السطح خلافات عميقة بين الهند والصين على سبيل المثال.
هناك أيضاً تحديات مرتبطة بانضمام عدد من الدول إلى المجموعة، على اعتبار أن تلك الدول متناقضة من حيث قوتها الاقتصادية ونموها الاقتصادي.
ويشير الطه إلى أن "المجموعة تحاول خلق قوة اقتصادية وبشرية ولديها رؤية مستقلة عن الولايات المتحدة الأميركية، بينما الأمر لا يخلو من التحديات؛ ومن بين تلك التحديات أيضاً عدم وجود بديل (كعملة محلية) يكافئ أو يقابل قوة الدولار الأميركي، لكن في الوقت نفسه هناك تطلعات لزيادة حجم التعاملات الثنائية بين الدول الأعضاء في التجارة البينية باستخدام عملات محلية".
ويستطرد: "يرتفع هذا النوع من التعاملات، ولكن لن يؤثر تأثيراً كبيراً على قوة الدولار الأميركي الذي لا يزال هو المهيمن في الاحتياطات العالمية السيادية وفي التجارة الدولية". ويعتقد بأن "الأمر قد يحتاج إلى سنوات، خصوصاً مع وجود خلافات أو اختلافات جذرية لا تزال موجودة بين أقطاب هذا التجمع".
يأتي ذلك في وقت يسعى فيه تحالف بريكس إلى إعادة تشكيل النظام العالمي من خلال تحويل القوة من "الشمال العالمي" إلى "الجنوب العالمي".
تحديات وفرص أمام البلدان النامية
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي التونسي، رضا الشكندالي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الغاية من تكوين بريكس هي خلق نواة جديدة لإحداث التوازن الدولي، والعمل على منافسة وتقليص دور مجموعة السبع على مستوى العالم، وبالتالي جعل المبادلات التجارية تتجه أكثر نحو دول المجموعة عوضاً عن المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية".
ويضيف: "هذا الهدف يدفع إلى تقليص دور الدولار الأميركي على مستوى النظام المالي العالمي، ومن خلال الاتجاه إلى إطلاق عملة خاصة بالمجموعة تعكس قوتها"، موضحاً أن المجموعة لا تزال بعيدة نوعاً ما عن تأثير مجموعة السبع (التي تحظى بزخمٍ وتأثير واسعين) ومن ثمّ جاء الاتجاه نحو توسعة بريكس لتعزيز قوتها ولإضعاف مجموعة السبع وتوجيه المعاملات التحارية نحو بريكس، وبالتالي إضعاف الدولار.
ووصلت نسبة مساهمة مجموعة "بريكس" إلى 31.5 بالمئة في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية. وتسعى المجموعة إلى أن ينعكس ذلك التفوق عملياً من خلال توسعة نشاطاتها الاقتصادية الرامية لمواجهة هيمنة الدولار الأميركي.
لكنّ الشكندالي يتحدث عن تحدٍ تُواجهه خطط "بريكس" في سبيل التوسع، وهو التحدي المرتبط ببعض البلدان النامية التي لها مديونية عالية بالدولار "ولا يمكن أن يعوض بريكس الشركاء التجاريين لهذه الدول ولا المؤسسات الدولية (..) لأن مهمته الأساسية إضعاف الدولار وليس ضخ المزيد على مستوى المعاملات التجارية بالعملة الدولارية بالطبع.. وبالتالي هناك بلدان تطمح أن تكون في مجموعة بريكس ولكن في حقيقة الأمر لن يكون ذلك مفيداً لها في ضوء ارتباطها بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".