يواجه الاقتصاد الصيني جملة من التحديات، تحت وطأة سلسلة من البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال، ومع الصعوبات التي تواجهها بكين في تحسين نموها مع تباطؤ الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد كورونا، بسبب ضعف إنفاق المستهلكين خصوصا، وهو ما يطرح تساؤلات عن تأثير ذلك على دول أخرى حول العالم؟ وكيف تؤثر الإجراءات التي تتخذها الحكومة الصينية في استعادة الثقة؟

دخل قطاع المستهلكين في الصين مرحلة انكماش للأسعار وواصلت أسعار المنتجين تراجعها في يوليو في الوقت الذي يكافح فيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم لإنعاش الطلب ومع تزايد الضغط على بكين لاتخاذ المزيد من إجراءات التحفيز المباشرة.

صنع في الصين 2025.. هل أفشلتها أمريكا؟

أخبار ذات صلة

الصين.. استئناف الرحلات الجوية التجارية مع كوريا الشمالية
الصين تخفض الفائدة على القروض مجددا لدعم الاقتصاد

تضع تلك المؤشرات السلبية الاقتصاد الصيني عديدا من دول العالم التي تعتمد على التبادل التجاري مع بكين أمام مجموعة من التحديات والفرص، وسط تحليلات متباينة حول ما إن كان لانخفاض الأسعار تأثير ضاغط خارج حدود الصين، في الأماكن التي لا يزال فيها الخطر الأكبر يتمثل في استمرار فترة طويلة من التضخم المرتفع، أم لا؟

في هذا السياق، أشار تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إلى أن انخفاض الأسعار سيؤدي إلى خفض تكلفة الواردات للدول المستوردة من الصين، ولكن من غير المحتمل أن يكون لذلك تأثير كبير في أماكن أخرى من العالم.

يدعم ذلك ما يشير إليه اقتصاديون بأنه لا يوجد سبب للقلق، وأنه من المرجح أن يكون الانكماش الصيني مؤقت.

وتشير الصحيفة إلى أن "الانتعاش الاقتصادي بعد إعادة الافتتاح كان مخيبا للآمال -لا يزال قطاع العقارات مصدر قلق خطير - لكن الناتج لا يزال ينمو ولا يزال التوسع بنسبة تقترب من 5 بالمئة هذا العام".

  • نقلت الصحيفة عن كبير الاقتصاديين في يو بي إس، بول دونوفان، قوله إنه في حالة الركود الصيني، من المرجح أن تثبت ضغوط الأسعار أنها "محلية بشكل مكثف".
  • كما قال دنكان ريجلي، كبير الاقتصاديين الصينيين في بانثيون للاقتصاد الكلي: "لا يزال تعافي الاستهلاك في الصين ضعيفًا وغير متساوٍ، لكن هذا بعيد كل البعد عن الانكماش على غرار اليابان".

لكن الصحيفة أفادت في الوقت نفسه بأن تباطؤ النمو في الصين يمكن أن يساعد أوروبا، حيث ستستفيد الدول الأوروبية من ضعف الاقتصاد الصيني الذي يضع منافسة أقل على إمدادات الغاز الطبيعي الروسية.

أخبار ذات صلة

القيمة المضافة للاقتصاد الرقمي في بكين تنمو 9% بالنصف الأول
ما مدى تأثير تعثر القطاع العقاري على تعافي الاقتصاد الصيني؟

 أزمات عالمية

يقول الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الصين تمثل ورشة العالم وثاني أكبر اقتصاد، وهي تسهم بمعدل 40 بالمئة في معدلات النمو العالمية، وبالتالي فإن التباطؤ الاقتصادي في الصين سيؤثر بالطبع على الناتج الإجمالي العالمي وسيحدث مشكلات في العالم الذي يعاني من موجة تضخمية غير مسبوقة بعد انتهاء تداعيات جائحة كورونا واستمرار الحرب في أوكرانيا وأكثر من 14 ألف عقوبة أميركية وأوروبية علي روسيا والتي أضرت بحركة الاستثمارات العالمية وسلاسل الإمداد.

وتشير بيانات المكتب الوطني للإحصاء، إلى أن:

  • مؤشر أسعار المستهلكين انخفض 0.3 بالمئة على أساس سنوي في يوليو مقارنة مع متوسط ​​تقديرات بانخفاضه 0.4 بالمئة.
  • هذا هو أول انخفاض للمؤشر منذ فبراير 2021.
  • هبط مؤشر أسعار المنتجين للشهر العاشر على التوالي بتراجعه 4.4 بالمئة وهو ما تجاوز التوقعات بانخفاضه 4.1 بالمئة.

أخبار ذات صلة

إيفرغراند الصينية تعصف بالأسواق الآسيوية.. ما القصة؟
بريكس.. التحالف الذي هز كبرى الاقتصادات وتتهافت إليه الدول

وتعد الصين أول اقتصاد في مجموعة العشرين يسجل انخفاضا على أساس سنوي في أسعار المستهلكين منذ آخر مرة سجلت فيها اليابان قراءة سلبية لمؤشر أسعار المستهلكين العام في أغسطس 2021، ويزيد ذلك المخاوف إزاء تضرر الأعمال بين الشركاء التجاريين الرئيسيين.

ويضيف الديب: "لكن لحسن الحظ فإن الركود في الصين مؤقت وتحت السيطرة، حيث نمو الناتج المحلي فضلا عن خبرة الدولة الممتدة لسنوات طويلة مع الأسعار المنخفضة.. وعلى العموم حتى الآن مازالت تبعات الركود الصيني معقولة داخلياً وخارجياً".

 وتسير الصين بثبات نحو مستهدفاتها للنمو الاقتصادي ضمن سياسة صفر كوفيد عقب إنهاء قيود الإغلاق الصارمة للحد من تفشي فيروس كورونا، وقد حددت النمو المستهدف لاقتصاد البلاد هذا العام بنحو 5 بالمئة.

ويرجع تباطؤ الاقتصاد الصيني إلى عدة عوامل، أهمها تراجع الطلب العالمي مع بدايات 2023، وتعمق الأزمة في منتصف العام، بسبب سياسة التشدد النقدي للفيدرالي الأميركي ورفعه المتكرر للفائدة.

أخبار ذات صلة

الصين تقلص مشترياتها من النفط وتلجأ لمخزوناتها القياسية
بلومبرغ: الصين تطلب من البنوك المحلية زيادة دعم اليوان

وعلى صعيد آخر، فإن تباطؤ الاقتصاد الصيني من شأنه خفض معدل التضخم في الداخل وبالتالي تراجع معدلات التضخم في الأسواق المعتمدة على المنتجات الصينية، كما قد تمتد الضغوط الانكماشية التي يواجهها الاقتصاد الصيني إلى بقية الأسواق العالمية ما قد يساعد البنوك المركزية للدول الغربية في خفض معدلات التضخم، بحسب الديب.

وتتهم الصين الإعلام الغربي بتضخيم المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها.

فيما تركز أسواق النفط العالمية اهتمامها على الاقتصاد الصيني لتحديد اتجاهات أسعار الخام نظراً لأن الصين هي أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم.

ومؤخرا التقى البنك المركزي الصيني والهيئات التنظيمية المعنية بالقطاع المالي مع المسؤولين التنفيذيين في البنوك وطلبوا منهم مرة أخرى زيادة عمليات الإقراض لدعم الانتعاش في علامة جديدة على القلق المتزايد من جانب صانعي السياسة بشأن الآفاق الاقتصادية.

ويتصاعد القلق من أن تكون الصين بصدد مرحلة من التباطؤ الشديد في النمو الاقتصادي تشبه ما تسمى بفترة "العقود الضائعة" في اليابان التي شهدت ركودا في أسعار المستهلكين والأجور على مدى جيل كامل، وهو ما سيتناقض بشكل واضح مع التضخم السريع في باقي دول العالم.

أخبار ذات صلة

لمواجهة الركود.. الزعيم الصيني يحث على ضرورة التحلي بالصبر
مورغان ستانلي يخفض توقعاته للنمو في الصين إلى 4.7% في 2023

الأثر الاقتصادي المتبادل

يقول الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، الدكتور جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من الأمور المسلم بها هو الأثر الاقتصادي المتبادل بين الصين وشركائها في التبادل التجاري، فإذا ما تباطأ الاقتصاد الصيني فإن تأثيراته سوف تشعر بها الأطراف الأخرى وعلى الفور.

وأضاف: "الأمر الواضح في المخاطر التي تواجه الاقتصاد الصيني هو الاعتماد المتبادل على الشركاء، كون الصناعة الصينية تعتمد كثيراً على مصادر الطاقة والمواد الأولية الداخلة في التصنيع على الدول الممولة لها هذا من جهة، والاعتماد الآخر على التصدير إلى الدول المستهلكة من جهة أخرى، ففي حالة حدوث أي طارئ في مناطق التوريد أو التصدير سوف يكون له الأثر الكبير الذي تستشعره تلك الدول".

وتكشف البيانات الرسمية عن انكماش نشاط المصانع الصينية للشهر الرابع على التوالي في يوليو، في الوقت الذي أصدرت فيه السلطات تدابير جديدة بهدف إنعاش ثاني اقتصاد عالمي.

وبلغ مؤشر مدراء مبيعات التصنيع وهو مقياس رئيسي، 49.3 أي دون عتبة الخمسين نقطة التي تفصل بين النمو والانكماش بحسب أرقام المكتب الوطني للإحصاءات.

وجاءت نتيجة يوليو أعلى بقليل مما كان مسجلا في يونيو عندما بلغ المؤشر 49 وكانت أفضل مما توقعه استطلاع أجرته وكالة بلومبرغ.

أخبار ذات صلة

مخاوف تعثر اقتصاد الصين تهبط بالخام الأميركي بنحو 2%
كانتري غاردن الصينية تقر بوجود شكوك كبيرة إزاء تسديد ديونها

ويشير الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، إلى التعويل على الإجراءات الحكومية الصينية لإنعاش الاقتصاد، بقوله: "الاقتصاد الصيني كبير ومتشعب ويكاد يعتمد على التبادل التجاري مع جميع دول العالم.. والحكومة الصينية حذرة وتستشعر المخاطر التي تهددها، لذلك اتخذت جملة بدائل ممكنة في حالة وقوعها، كاستحداث طرق مواصلات وشبكات اتصالات متطورة وتخزين مواد أولية كبيرة، فهي جديرة بالمناورة واحتواء الأزمات، وهذا ما يشعر المستثمر بنوع من الطمأنينة".

وكانت الحكومة الصينية قد كشفت في وقت سابق عن خطة من 20 بندا لزيادة الاستهلاك تشمل دعما أكبر لاستهلاك الأسر ولقطاعي الثقافة والسياحة والاستهلاك الأخضر مثل السيارات الكهربائية.

وخفض البنك المركزي الصيني، الاثنين، نسبة فائدة مرجعية بعد اتخاذ إجراء مماثل الأسبوع الماضي سعيا لدعم النمو المتباطئ وتحفيز النشاط في ثاني قوة اقتصادية في العالم.

وأقرت الصين، الأربعاء، بأن تعافي ثاني أكبر اقتصاد عالمي في مرحلة ما بعد الجائحة سيكون صعبا، لكنها دحضت الانتقادات الغربية بعد سلسلة من المؤشرات الاحصائية المخيبة.

ودعا الزعيم الصيني، شي جين بينغ، إلى التحلي بالصبر في خطاب نُشر في مجلة رسمية بالتزامن مع محاولة الحزب الشيوعي الحاكم التصدي للركود الاقتصادي المتفاقم.