بينما تسود حالة من الضبابية آفاق الاقتصاد العالمي، وسط مجموعة واسعة من التحديات العاصفة التي تفرض نفسها، فإن آثار ذلك تنعكس بصورة مباشرة على الأفراد، وبما يعرضهم بشكل مستمر للصدمات المالية المفاجئة، جراء فقدان الوظائف أو تبعات الارتفاع المطرد في الأسعار على الميزانيات الشخصية.
ومع معاناة مختلف الاقتصادات من ارتفاع معدلات التضخم وما يصاحب ذلك من سياسات مالية ونقدية للتعامل مع ذلك الخطر الداهم، تتفاقم حدة الضغوطات على كاهل الأفراد، وهي الضغوطات التي تُزيد حدتها حالة "اللايقين" المسيطرة على مستقبل المشهد الاقتصادي على مختلف الأصعدة والقطاعات.
وبينما تعمل الدول والمؤسسات والشركات الكبرى على وضع وتعديل خطط رامية إلى التعامل مع تلك الضغوطات، فإن الأمر بالنسبة للأفراد ربما أكثر صعوبة، نظراً لأن عليهم مراعاة مرونة خططهم الشخصية بما يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية، وفي الوقت نفسه بما يتماشى مع الإجراءات الجديدة التي تتخذها الدول والمؤسسات الكبرى.
وفي هذا السياق، تلعب عديد من الإجراءات دوراً في حماية الأفراد أنفسهم من الصدمات المالية المفاجئة في عالمٍ محفوف بالمخاطر المالية، من بينها "التأمين" باعتباره صمام أمان، ولا سيما مع تنوع القنوات التأمينية والخدمات في هذا السياق بشكل شامل، وبما يضمن جزئياً الحماية من آثار تلك الصدمات.
يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور مصطفى بدرة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن التأمين يلعب دوراً مهماً في التحوط من المخاطر المستقبلية المفاجئة، مردفاً: "التأمين في إطاره النظري والعلمي إيجابية ومطلوب مع كل استثمار.. لكن في بعض الأحيان لا يغطي التأمين بعض الحوادث والتطورات المختلفة الطارئة". ومن هنا يتحدث عن أهمية تنوع الأوعية الاستثمارية للإيفاء بالغرض الهادف للتحوط من الصدمات المفاجئة.
وعادة ما ينصح خبراء التأمين بضرورة القراءة المتأنية للوثائق التأمينية وضمان شموليتها في المجال المؤمن عليه، ودرجة تغطية الخسائر المحتملة، وبما يحقق الهدف المرجو منها للحماية من الصدمات المالية المفاجئة مثل ترك الوظيفة أو التعرض لحادث أو إصابة بعينها.
ومع إشارته لأهمية التأمين في حماية الأفراد من تلك النوعية من الصدمات، يشدد بدرة على أن المعرفة والوعي الدقيق بكل شكل من أشكال الاستثمار هو التأمين الرئيسي للاستثمارات المختلفة، ذلك أن جميع الاستثمارات التي يمكن أن يلجأ إليها الفرد لحماية نفسه مسبقاً من اي صدمات مفاجئة تحمل شكلاً من أشكال المخاطرة -بدرجة متباينة- وبعض تلك المخاطر لا تتم تغطيتها، على سبيل المثال الخسائر التي قد يتعرض لها الفرد في أسواق المال أو انخفاض قيمة المدخرات البنيكة مع ارتفاع معدلات التضخم. وتبعاً لذلك يرى أن الخطوة الأهم في سياق تأمين الأفراد أنفسهم من الصدمات المالية، هي الوعي الاستثماري.
ومن بين النصائح المُهمة في ذلك الصدد، هو تعزيز "التعليم المالي"، لجهة الاستثمار في تعلمك حول الأمور المالية والاستثمار. هذا سيمكنك من اتخاذ قرارات مالية أكثر ذكاءً وتحقيق استدامة مالية أفضل.
خطوات مهمة
وفي هذا السياق، يُمكن إيجاز مجموعة من الخطوات المُهمة التي تساعد الأفراد في سياق الاستعداد للمستقبل للحماية من الصدمات المالية المفاجئة، على النحو التالي:
- وضع خطة مالية: قبل كل شيء، يجب أن تقوم بإعداد خطة مالية تشمل ميزانيتك الشهرية وأهدافك المالية على المدى القريب والبعيد. هذا سيساعدك في معرفة ما تستهدفه وكيف تنظم مالك بناءً على ذلك.
- تكوين صندوق طوارئ: قم بإنشاء صندوق طوارئ يحتوي على ما يكفي لتغطية نفقاتك الأساسية لفترة من الوقت (على سبيل المثال، 3-6 أشهر). هذا سيساعدك على التعامل مع أي صدمة مالية غير متوقعة، مثل فقدان الوظيفة.
- التأمين الصحي والطبي: اشترك في خطة تأمين صحي جيدة لتغطية تكاليف العلاج والرعاية الطبية. هذا سيقلل من التكاليف المفاجئة المتعلقة بالصحة.
- التأمين على الحياة والممتلكات: ابحث عن تأمين على الحياة والممتلكات الثمينة التي تملكها. هذا سيحميك وعائلتك في حالة وقوع حادث أو خسارة.
- التخطيط للتقاعد: بدءًا من الآن، حاول البدء في الاستثمار للتقاعد. الاستثمار المبكر سيساعدك في بناء رصيد مالي يمكن أن يدعمك عندما تصل إلى سن التقاعد.
- الاستثمار الذكي: ابحث عن فرص استثمارية تتناسب مع أهدافك ومستوى المخاطرة الذي تستطيع تحمله. التنوع في محفظتك الاستثمارية يمكن أن يقلل من تأثير الاضطرابات الاقتصادية على أموالك.
- توفير الديون: حاول تقليل الديون القائمة بقدر الإمكان. الديون الزائدة يمكن أن تزيد من التوتر المالي في حالات الصدمات.
الاستثمار
بالعودة لحديث الخبير الاقتصادي، الدكتور مصطفى بدرة، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، عدداً من النصائح من أجل الحماية من الصدمات المالية المفاجئة، أهمها التحوط بوجود فوائض للاستثمار يمكن الاعتماد عليها وقت الوقوع في الصدمات المفاجئة.
وينصح في هذا السياق بضرورة اقتطاع الأفراد جزء من أموالهم الخاصة لتوجيهها نحو الاستثمار، شريطة أن يكون ذلك الاستثمار في المجال أو الأدوات الاستثمارية التي يكون الفرد على دراية بها بشكل كبير، من أجل التخفيف من حدة المخاطرة والاستفادة من العوائد وقت حدوث الأزمات الطارئة.
ويشير إلى أنه في هذا السياق، يتم أولاً تحديد قيمة المبلغ المستثمر والمدة المستهدفة للاستثمار، سواء كانت على المدى القصير والمتوسط والطويل، لتحديد نوع الاستثمار بناءً عليها، ويقول في هذا السياق:
- الاستثمار هو تضحية بجزء من دخلك من أجل الادخار وتأمين المستقبل والتحوط من الصدمات المالية المفاجئة.
- كل استثمار به شكل من المخاطرة (بما في ذلك الاعتماد على الودائع البنكية التي توفر عائداً ثابتاً، ذلك أن المخاطرة تتمثل في قيمة العملة لدى فك الودائع والتي قد تنخفض مع ارتفاع التضخم على سبيل المثال).
- أمامك مجموعة من الخيارات الاستثمارية التي تمكنك من تأمين نفسك من المخاطر المستقبلية المفاجئة.. اختر منها ما يتناسب لك، شريطة أن تكون على دراية تامة بتفاصيلها ومخاطرها.
- الاعتماد على البنوك والودائع، الاستثمار في البورصة، الاستثمار في المعادن مثل الذهب، الاستثمار في العقارات لحفظ قيمك أموالك، الاستثمار في البورصة.. جميعها أدوات يُمكن اللجوء إليها والتحوط بها.
- عليك ربط العائد المستهدف بالمدة الزمنية للاستثمار.. وأن تراعي مرونة تلك المدخرات أو الاستثمارات ومدى إمكانية الاستفادة منها لتغطية أي صدمات طارئة.
- "البيزنس الخاص" يمكن أن يعد أداة مهمة للتحوط من الأزمات الطارئة كفقدان وظيفتك.
وعادة ما يُنصح بمراجعة وتحديث الخطط المالية المستقبلية للأفراد بانتظام، للتأكد من أنها لا تزال تتناسب مع التغيرات في حياتك والظروف الاقتصادية. مع الحرص على الحفاظ على التوازن بين التأمين والاستثمار الذكي والتخطيط الجيد، على اعتبار أن ذلك سوف على تقليل تأثير الصدمات المالية المفاجئة وتحقيق استقرار مالي على المدى الطويل.