تحرص بنوك مركزية حول العالم على زيادة احتياطياتها من الذهب، تحوطاً من التضخم ولدعم اقتصادات بلادها والعملة الوطنية، وهو الاتجاه الذي عززته التغيرات الاقتصادية المتسارعة والتوترات الجيوسياسية التي دفعت لتغيير كثير من الاستراتيجيات الاستثمارية وفرضت مزيداً من التحديات.

ووفقاً لمحللين تحدث معهم موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن الإقبال على زيادة احتياطيات الذهب لدى بنوك مركزية يعود كذلك إلى التغييرات في أسعار العملة وحالة عدم الاستقرار التي يشهدها الاقتصاد العالمي، إضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها لا سيما على الأسواق الناشئة، وبالتالي فإن هذا التوجه من شأنه:

  • أولاً- التنوع في الاحتياطيات: يُعتبر الذهب أصلاً ذو سيولة عالية ويعتبر جزءاً من التنوع في احتياطيات البنك المركزي، ما يوفر أماناً في حالة تقلب الأوضاع الاقتصادية أو السياسية.
  • ثانياً- حماية من التضخم: يُعتبر الذهب جزءاً من الموارد التي يمكن أن تحمي البنوك المركزية من تأثيرات التضخم المحتملة، حيث يمكن أن يحتفظ بقيمته على مر الزمن.
  • ثالثاً- دعم للعملة الوطنية: يمكن استخدام احتياطي الذهب كضمانة إضافية للعملة الوطنية، ما يزيد من الثقة في الاقتصاد والنظام المالي.   
الاستثمار في المعادن .. ضمان المستقبل.

أخبار ذات صلة

الذهب ينخفض مع صعود الدولار وارتفاع عوائد سندات الخزانة
ذهب وهيليوم ومعادن.. تفاصيل صراع القوى الكبرى لتعدين القمر

البنوك تغير من حدود احتياطياتها وفقًا للمسموح

قال الخبير المصرفي، محمد عبد العال، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن البنوك المركزية لا تستطيع زيادة حصتها من الذهب دون سقف، موضحاً أن مجالس إدارة تلك البنوك بالإضافة إلى اللجان المتخصصة لديها تضع حدوداً لكل المراكز النقدية التي تحتفظ بها، فلا يجوز تجاوزها من حزمة العملات الرئيسية أو بالمعادن الثمينة مثل الذهب.

وأضاف أن كل بنك يستطيع أن يتحرك خفضاً ورفعاً في حدود ما هو موضوع له، كما يمكن لمجالس الإدارات أن تغير في تلك الحدود وفقاً للظروف وتطورات الأحداث، فإن الاقتصاد ليس له ثوابت ويتطور بتطور الأحداث العالمية.

وأرجع الخبير المصرفي زيادة الاحتياطيات من الذهب لدى البنوك المركزية إلى عدة عوامل:

  • صدمة جائحة كورونا والخروج منها وتداعياتها، والبحث عن ملاذات آمنة سواء من الدول والمؤسسات والبنوك التجارية والأفراد.
  • حدوث تقلبات شديدة في أسعار العملات عالمياً، إضافة إلى أن الدولار أيضاً يتغير وفقاً للمؤشرات الاقتصادية الموجودة وتوجه السياسة النقدية السعرية في الولايات المتحدة الأميركية.
  • حالة الاستنفار العالمي بعد الحرب في أوكرانيا والتي يتوقع أن لا تنتهي خلال وقت قريب وأن تتفاقم خلال الفترة المقبلة.

وتوقع أن يحدث ارتفاعاً محدوداً بسعر الذهب خلال الفترة المقبلة، نتيجة تخفيض التصنيف الائتماني لبنوك أميركية ووضع أخرى تحت نطاق الفحص من قبل وكالة موديز، ما يشير إلى حدوث استثمارات مبنية على المخاوف من حدوث أزمة مصرفية في أميركا، والتي عادة ما تبدأ أميركية لتنتقل لتكون عالمية، ومن هنا يرتفع سعر والطلب عليه من قبل البنوك المركزية.

أخبار ذات صلة

مع تراجع الطلب.. ما العوامل الاقتصادية التي تتحكم بالذهب؟
تركيا تقيد واردات الذهب غير المعالج لخفض عجز الحساب الجاري

البنوك المركزية تنعش احتياطياتها من الذهب

وأظهر تقرير لمجلس الذهب العالمي ارتفاع طلب البنوك المركزية على الذهب في العام 2022، في عمليات شراء ضخمة رفعت الطلب على الذهب إلى أعلى مستوى له في 11 عاماً.

  • اشترت البنوك المركزية 1136 طناً من الذهب العام الماضي، وهو أعلى مستوى في 55 عاماً، في حين اشترت في النصف الأول من العام الجاري 386.9 طن.
  • حقق الطلب على الذهب بين البنوك المركزية أعلى مستوى قياسي في الربع الأول من العام 2023، وفقاً للمجلس، إذ أضافت 228 طناً إلى احتياطاتها العالمية من الذهب، مسجلة وتيرة قياسية للأشهر الثلاثة الأولى من العام منذ بدء جمع البيانات في العام 2000.
  • وفي النصف الأول من العام، وبرغم تباطؤ وتيرة المشتريات في الربع الثاني، ارتفعت مشتريات البنوك المركزية من الذهب بمقدار 387 طناً.

مجلس الذهب العالمي: مؤسسات الاستثمار ترفع الطلب على الذهب

رؤية غير واضحة

خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، قالت في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن البنوك المركزية عادة ما تتخذ هذا التوجه حينما تكون الرؤية المالية غير واضحة فيما يتعلق بأسواق المال أو الاستثمارات الأكثر مخاطرة.

وأشارت إلى أنه حينما يتعرض القطاع المصرفي والعملة لأزمات يكون رد الفعل هو التوجه غالباً إلى وجهات استثمارية مختلفة، من بينها الذهب كمخزن قيمة (..).

ولفتت إلى تقرير مجلس الذهب العالمي الذي كان قد صدر بنهاية النصف الأول من العام الجاري 2023، والذي أظهر أن هناك عشرة دول تهتم بأن يكون لديها رصيد كبير من الذهب بينها عديد من الدول الأوروبية، مردفة: إن المثير في هذا التقرير هو مجيئ تركيا ضمن القائمة وفي المركز الحادي عشر، فحينما تكون الدول غير قادرة على الاستثمار أو مواكبة تغيير أسعار العملات فأنسب حل بالنسبة لها هو التحوط بملاذات آمنة مثل الذهب، لذلك التركيز خلال الفترة الحالية على زيادة الأرصدة من الذهب لأنه ملاذ آمن وله تقييم عالمي بأنه من الممكن أن يؤدي إلى ارتفاع الحصيلة الدولارية.

أعلن مجلس الذهب العالمي في يوليو الماضي أن تركيا ممثلة في البنك المركزي التركي قد عادت إلى شراء الذهب من جديد وزيادة احتياطيها خلال شهر يونيو بمقدار 11 طناً من الذهب، وذلك بعد موجة من البيع انتهجها المركزي.

لكن في السياق نفسه، فإن ثمة تداعيات ربما تلاحق زيادة احتياطيات البنوك المركزية من الذهب على الأسواق، على النحو التالي:

  • تأثير على أسعار الذهب: زيادة الطلب على الذهب من قِبل البنوك المركزية يمكن أن يؤثر على أسعار الذهب على المستوى العالمي، فارتفاع الطلب يمكن أن يزيد من أسعاره، وبالتالي قد يؤثر على الأسواق المالية والاقتصادات التي تعتمد على الذهب.
  • تأثير على توازن العرض والطلب: زيادة البنوك المركزية لاحتياطياتها من الذهب قد تؤدي إلى تغيير في توازن العرض والطلب على الذهب في السوق العالمية، ما يؤثر على استقرار الأسواق والتداولات.
  • تأثير على العملة الوطنية: قد يؤثر استثمار البنوك المركزية في الذهب على قوة العملة الوطنية، حيث تعزز زيادة احتياطي الذهب قوة العملة، لكنها قد تؤدي أيضاً إلى تأثير سلبي على تداول العملة في الأسواق الدولية.
  • تأثير على استثمارات الأفراد والشركات: ارتفاع أسعار الذهب قد يؤدي إلى تأثيرات على استثمارات الأفراد والشركات التي تعتمد على الذهب كأصل، لتكون هناك آثار اقتصادية ومالية متنوعة.

أخبار ذات صلة

تراجع الطلب العالمي على الذهب في الربع الثاني
النيجر تعلق صادرات اليورانيوم والذهب إلى فرنسا

ملاذ آمن في ظل ارتفاع التضخم

من جانبه، أوضح خبير أسواق المال، الدكتور حسام الغايش، أن الذهب عادة ما يكون ملاذاً آمناً في حالة الاضطرابات وعدم وضوح الرؤية أو الاستقرار، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، ووجود أزمات جيوسياسية على رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يدفع البنوك المركزية إلى اللجوء لزيادة احتياطاتها.

وذكر في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه كنوع من التحوط لحفظ القيمة الزمنية للنقود يتم تحويلها إلى ملاذ آمن مثل الذهب.

وأوضح أن هناك دافعاً آخر للبنوك المركزية وهو الحفاظ على قيمة العملة المتوفرة لديها سواء كانت عملة محلية أو دولية، مشيراً إلى أن حالة الاقتصاد الدولي الحالية من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على اقتصاديات الدول، وبالتبعية يكون هناك تأثير على أسعار العملات الخاصة بها وحتى على مستوى العملات الدولية.

وقال إن استمرار الحرب في أوكرانيا وحدوث بعض المناوشات في مناطق أخرى بين قوى كبرى، مؤشرات على استمرار حالة عدم اليقين، هذا بخلاف استمرار معدلات التضخم في الارتفاع خلال الأعوام الأخيرة بالإضافة إلى أزمة الدين العام على عدد كبير من الدول بينها الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما ظهر خلال تخفيض تصنيفها الائتماني، مشيراً إلى أن كلها أحداث غير مسبوقة تتزامن مع بعضها ولها تأثير كبير على القرارات الاقتصادية الخاصة بالبنوك المركزية.

ذكر بنك أوف أميركا في تقرير تم نشره مايو الماضي أنه مع استمرار البنوك المركزية حول العالم في شراء الذهب، وتسارع اتجاه إزالة الدولرة، ووقف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة، فإن الذهب لا يحتاج سوى لقليل من عمليات الشراء من المستثمرين الجدد لاختراق حاجز الـ 2500 دولار هذا العام، لتبقى الترجيحات الأكثر واقعية بوصول المعدن الأصفر إلى مستوى 2200 دولار في نهاية 2023.