بعد إعلان تركيا عزمها تحويل الحبوب الروسية التي سيتم إرسالها لبلاده إلى دقيق، لنقلها فيما بعد إلى الدول الإفريقية، يتساءل خبراء ومراقبون حول مصير اتفاق تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود والذي علقت روسيا مشاركتها فيه؟، وهل ستكون هذه الخطوة التركية الروسية بديلاً عنه؟ وما هي الألية التي سيتم اتباعها في تحويل الحبوب إلى دقيق ومن ثم أرسالها إلى الدول المستهدفة؟، وما هي هذه الدول؟
يرى خبراء اقتصاد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الخطوة التركية باتجاه تحويل الحبوب الروسية إلى دقيق، ونقلها إلى الدول الإفريقية، لا تعني بالضرورة انتهاء اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، ولكنها تخفف العبء عن الدول الفقيرة بمعالجة مشكلة أمنها الغذائي في هذه المرحلة التي تستمر فيها نسب التضخم المرتفعة وغلاء المعيشة في أجزاء كبيرة من العالم.
وأعلن أخيراً الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده تعتزم تحويل الحبوب الروسية التي سيتم إرسالها لتركيا إلى دقيق بقوله: "لدينا رؤية الموحدة مع روسيا، سنقوم بمعالجة الحبوب التي ستنقلها روسيا عبر الممر في البحر الأسود، وبعد ذلك سيتم إرسال هذا الدقيق إلى البلدان الفقيرة في أفريقيا والبلدان النامية".
وانتهت في 17 يوليو الماضي مدة سريان اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود الذي يسمح بتدفق الحبوب من أوكرانيا إلى دول في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، حيث أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في الاتفاق لأنه لم يتم تنفيذ مطالب روسيا، بحسب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.
وكان الاتفاق، الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا، في يوليو 2022 يهدف إلى تخفيف حِدة أزمة الغذاء العالمية على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية بفتح باب التصدير بأمان أمام الحبوب الأوكرانية في الموانئ عبر البحر الأسود، وتم تمديد الاتفاق للمرة الأولى في نوفمبر 2022 حتى 18 مارس الماضي ثم تم تمديده للمرة الثانية أربعة أشهر لينتهي في 17 يوليو الماضي، حيث كانت روسيا قد هددت بالانسحاب من اتفاق أكثر من مرة، إذا لم تتم تلبية مطالبها بتحسين صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة.
وبعد أسبوع من رفض موسكو تجديد مبادرة حبوب البحر الأسود، تعهد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في القمة الروسية الإفريقية التي عقدت في سان بطرسبرغ، بتقديم شحنات الحبوب لبعض أفقر دول إفريقيا بالمجان خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة.
اتفاقات مباشرة مع الدول الأفريقية
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول المدير التنفيذي لمركز كروم للدراسات في لندن، طارق الرفاعي، "عند انتهاء مدة سريان اتفاق الحبوب لم توافق روسيا على تجديده بسبب استخدام أوكرانيا لميناء في مدينة أوديسا يندرج ضمن الاتفاق للعمليات العسكرية ضد روسيا، ما اعتبرته روسيا مخالفة للاتفاق، والآن تتجه موسكو نحو إبرام اتفاقات مباشرة مع دول إفريقية لا تستخدم القمح والمنتجات الأوكرانية، وأعتقد أن روسيا يمكن أن تلبي احتياجات الكثير من الدول الفقيرة بغض النظر عن المنتجات الأوكرانية".
وعن الخطوة الروسية التركية لتقديم الحبوب للدول الفقيرة قال الرفاعي: "حسب تصريحات الدولتين الروسية والتركية، فإنهما سيتوجهان لمساعدة الدول الإفريقية بتوفير الحبوب لها ومنها بوركينافاسو وزيمبابوي ومالي والصومال أفريقيا الوسطى واريتيريا، ووفقاً لما أعلنته روسيا فإنها سوف تقدم الحبوب للدول الفقيرة مجاناً لكن حتى الآن لم يتضح ما دور تركيا وما هي ألية تحويل الحبوب إلى دقيق وتحويلها إلى الدول الفقيرة".
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي علي حمودي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن خطوة تركيا تحويل الحبوب الروسية إلى دقيق وإرسالها إلى الدول الإفريقية ربما لا يعني بالضرورة انتهاء اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، ولكنها تخفف العبء عن الدول الفقيرة في هذه المرحلة التي تستمر فيها نسب التضخم المرتفعة وغلاء المعيشة في أجزاء كبيرة من العالم في الوقت الراهن.
وأوضح حمودي، أنه لا مفر من العودة إلى اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، ومن المتوقع أن تستمر تركيا ودول صديقة لروسيا مثل مصر بالضغط على موسكو لعودة الاتفاق.
ورداً على سؤال فيما إذا كانت تركيا ستقوم بتحويل الحبوب الروسية إلى دقيق وتحويلها إلى الدول الإفريقية المستهدفة بالمجان قال الخبير الاقتصادي حمودي: "يمكن أن تحصل تركيا على الحبوب من روسيا بالمجان، لكن أن تقوم تركيا بطحن الحبوب وتحويله إلى دقيق ونقله للدول الفقيرة بالمجان، فهذا الأمر مستبعد جداً، وأعتقد أن ثمة خبايا في هذا التوجه لم تتضح بعد".
طمأنة الأسواق بتدفق الحبوب الروسية
لكن بالمجمل، فإن خبر مثل الذي أعلنه الرئيس الروسي بتقديم مساعدات الحبوب للدول الافريقية الفقيرة، يطمئن الأسواق وخصوصاً البورصات العالمية بأنه ثمة استمرار لتدفق الحبوب سواء من خلال تركيا أو من خلال أي دولة، فالمهم أن معروض الحبوب متوفر وهذا يخفف الضغط عن أسعار الحبوب والذرة وفول الصويا في بورصة شيكاغو للعقود الآجلة طبقاً لما قاله حمودي.
وفيما إذا كان التوجه الروسي لتقديم الحبوب إلى الدول الإفريقية مباشرة، بديلاً عن اتفاق الحبوب قال الخبير الاقتصادي الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "ليس بالضرورة أن يكون بديلاً عن اتفاق البحر الأسود، وليس بالضرورة أيضاً ان يجدد الاتفاق، لكن بالعموم لا يوجد احترام للاتفاقيات في وقت الحرب، فضلاً عن أن اتفاق الحبوب كان مؤقتاُ وانتهت مدة سريانه، وكون أن أحد أطراف الاتفاق لم يستفد منه أو شعر بالغبن من وجهة نظره فأكيد الاتفاق انتهى بأجله، لكن ربما يضغط الطرف الروسي على الطرف الآخر في الاتفاق لتحصيل ما يريده عند محاولات تجديد الاتفاق".
وحول المبادرة الروسية التركية لطحن الحبوب، تحدث الدكتور المصبح صراحة أن تركيا ستكون مستفيدة بالقيمة المضافة من عملية تحويل الحبوب إلى دقيق، حيث يتم تشغيل المطاحن بطاقات قصوى ويعيدون تصير القيمة المضافة وأعتقد أن الدول الإفريقية سوف تستورد الدقيق بأسعار ربما تكون اقل مما كانت تدفع سابقاً، وبذلك تكون عالجت مشكلة الأمن الغذائي لكن على حساب ميزانها التجاري وصناعة القيمة المضافة وسوق العمل.