رغم الآفاق الإيجابية نسبياً للاقتصاد الإيطالي، والتي عبّر عنها أحدث تقارير صندوق النقد الدولي قبل نهاية الشهر الماضي، والذي تشير تقديراته إلى نمو اقتصاد روما بصورة أسرع من برلين وباريس هذا العام، وهو ما عدّته الحكومة الإيطالية بمثابة دليل قاطع على فاعلية السياسات الاقتصادية التي تتبعها، إلا أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تُواجه انتقادات شديدة داخلياً.
عززت البيانات السلبية للنشاط الاقتصادي، علاوة على سحب مخطط تخفيف حدة الفقر بالبلاد (مساعدات اجتماعية للفقراء)، تلك الانتقادات، وزاد من الضغوطات على كاهل ميلوني وحكومتها الائتلافية اليمينية، في وقت تشير فيه البيانات إلى أن اقتصاد روما خسر أكثر بكثير مما كان متوقعاً بعد جائحة كورونا.
- تشير البيانات الرسمية إلى انكماش الاقتصاد الإيطالي بنسبة 0.3 بالمئة في الربع الثاني من العام الجاري 2023 مع ضعف الطلب.
- تشكل تلك البيانات معدلاً أسوأ بكثير من توقعات "النمو الصفري" من قبل غالبية المحللين.
- بينما سجلت منطقة اليورو ككل نمواً بنسبة 0.3 بالمئة.
يعكس ذلك جانباً من التحديات التي تواجهها حكومة ميلوني في إيطاليا، بينما تواصل العمل على حملتها في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم، وتسعى جاهدة من أجل الحفاظ على النمو في المسار الصحيح.
ووفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، فقد تباطأ معدل التضخم السنوي إلى 6.4 بالمئة في يوليو من 6.7 بالمئة في يونيو، على أساس أسعار المستهلك المنسقة مع الاتحاد الأوروبي.
وبينما تدفع تلك البيانات -في تقدير محللين- بصعوبات أمام الحكومة للوصول إلى هدفها المعلن بمعدل نمو 1 بالمئة هذا العام، إلا أن وزارة المالية بالبلاد لا تزال ترى أن الوصول إلى هذا المستهدف لا يزال ممكناً.
ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، في تقرير لها، عن مؤسس شركة بوليسي سونار لاستشارات المخاطر السياسية ومقرها روما، فرانشيسكو جاليتي، تعليقه على البيانات الاقتصادية الأخيرة التي تُظهر تراجع النشاط الاقتصادي بالبلاد من أبريل إلى يونيو: "هذه (البيانات) مفاجأة سيئة لميلوني.. لقد كانت تركز كثيراً على التضخم، وربما لم تكن تتوقع أن يفقد النمو قوته بهذه السرعة".
وتقول أحزاب المعارضة إن معدل النمو يثير تساؤلات جدية حول الاتجاه الاقتصادي لإيطاليا، وهو ما عبر عنه -في بيان- النائب عن الحزب الديمقراطي المعارض، أوبالدو باجانو، بقوله: "الأمر لا يتعلق بالركود الاقتصادي أو سوء الحظ، فهذه هي نتائج العجز الصارخ لهذه الحكومة عن إدارة العمليات الاقتصادية وتشجيع الاستثمار".
هل ابتعدت الحكومة عن هدف النمو؟
وفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول الكاتب والمحلل الإيطالي، ماسيميليانو بوكوليني: "تواجه الحكومة الإيطالية صعوبات اقتصادية واسعة، وذلك بعد الرقم السلبي الجديد الخاص بالناتج المحلي الإجمالي".
ويضيف: "لقد سلطت تلك الأخبار السيئة الضوء على التحديات التي تواجه حكومة ميلوني، والتي تكافح مع تأثير ارتفاع الأسعار بينما تحاول تأمين النمو وجعل ديون إيطاليا الثقيلة أكثر استدامة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى التوترات السياسية التي أثارتها بداية مراجعة دخل المواطنة وكذلك تأثير قرار كبح جماح برنامج "Superbonus" لتجديد المنازل.
و "Superbonus" هو برنامج الذي قدم للإيطاليين إعفاء ضريبياً لإجراء تحسينات على المنازل لتعزيز كفاءة الطاقة، وقد غذى طفرة بناء محمومة بعد الوباء، حيث أجرى الناس تحسينات منزلية مكلفة على النفقة العامة.
وكانت روما قد أعلنت عن تغييرات كبيرة في المخطط في فبراير، بما أدى لانخفاض نشاط البناء الإيطالي في مايو بنسبة 3.8 بالمئة عن مستويات الربع الأول.
لكنّ رغم ذلك، لا يعتقد بوكوليني بأن روما قد ابتعدت عن تحقيق هدف النمو عند 1 بالمئة في 2023، ويقول في سياق حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية: "رغم البيانات السلبية فإن ذلك لا يعني أن كل شيء سوف يضيع.. إيطاليا لا يزال بإمكانها الوصول إلى هدف النمو الذي حددته وزارة المالية".
ويستطرد: "يمكن أن يكون كل هذا ممكناً أيضاً بفضل المحفزات التي لا تزال نشطة، والدعم المستمد من خطة المرونة الأوروبية، ومن استئناف إنفاق المستهلكين المحتمل إذا كان هناك انخفاض في التضخم".
كيف تُبرر الحكومة البيانات السلبية؟
تلقي المالية اللوم في الانكماش على عوامل عالمية خارجة عن سيطرة روما، بما في ذلك الزيادات المتكررة في أسعار الفائدة من البنك المركزي الأوروبي، والتي تعرضت لانتقادات شديدة من قبل مختلف أعضاء حكومة ميلوني.
وبحسب الوزارة في بيان لها أخيراً، فإن أداء الاقتصاد تأثر بشكل خاص بتراجع الدورة الصناعية الدولية وارتفاع أسعار الفائدة وتأثير المرحلة المطولة من ارتفاع أسعار القوة الشرائية للأسر".
وهو ما يشير إليه أيضاً كيبر الاقتصاديين الأوربيين في غولدمان ساكس، فيليبو تادي، والذي نقلت عنه صحيفة "فاينانشال تايمز" قوله "إن أرقام النمو المخيبة للآمال في إيطاليا هي جزء من مشكلة أوسع تؤثر على التصنيع الأوروبي، بما في ذلك في ألمانيا التي شهدت ركوداً في النمو في الأرباع الأخيرة، والنمسا، حيث تتصارع الصناعة الموجهة نحو التصدير مع ضعف الطلب العالمي، مشدداً على أن "البيانات الإيطالية كانت مفاجئة وأقل من توقعاتنا، لكن البيانات تشير بوضوح إلى أن التصنيع يواجه ضعفاً ممتداً".
كما نقل التقرير عن الخبيرة الاقتصادية لوريدانا ماريا فيديريكو، من بنك UniCredit الإيطالي، قولها: "سوف يستمر تباطؤ الطلب العالمي، وشروط الائتمان المقيدة وتأثير تشديد السياسة النقدية في لعب دور في ضعف قطاع التصنيع في إيطاليا"، على الرغم من أنها واثقة من أن السياحة ستساعد على انتعاش النمو.
برنامج تخفيف حدة الفقر
وتواجه الحكومة الإيطالية الائتلافية رد فعل سياسي متزايداً، لا سيما بعد أن بدأت في التخلص التدريجي من مخطط تخفيف الفقر، ومع فرض معايير أهلية أكثر صرامة، وسط شكاوى أرباب العمل من أن البرنامج -الذي استفاد منه العام الماضي يقدر بنحو 1.7 مليون أسرة- خلق نقصاً مصطنعاً في العمالة.
وفي الأيام الأخيرة، تلقى حوالي 160 ألف شخص ممن تعتبرهم الحكومة "أصحاء ويمكن توظيفهم" رسائل نصية تفيد بخفض مزاياهم، ما أدى إلى احتجاجات في نابولي وأماكن أخرى.
وفي هذا السياق، وفي معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يشير الكاتب والمحلل الإيطالي، ماسيميليانو بوكوليني، إلى اعتقاده بأنه ذلك (سحب دعم تخفيف الفقر) من شأنه إثارة المشكلات لا سيما بعد انتهاء موسم العطلات الحالي، وبما يعني أن شهري سبتمبر وأكتوبر سوف يشهدان مزيداً من الإشكاليات.
وحول تقييمه لأداء الحكومة الإيطالية في مواجهة التحديات الراهنة، يُلقي المحلل الإيطالي باللوم على العوامل الخارجية بشكل واسع، والمرتبطة بالحرب في أوكرانيا وانعكاساتها على الوضع في روما، ويقول: "نحن في حالة حرب بسبب أوكرانيا.. لا يمكن للحكومة أن تفعل أكثر من ذلك".
وتقول الحكومة الإيطالية إنها ستواصل العمل على تنفيذ برنامجها الاستثماري الوطني لما بعد كورونا، الممول من الاتحاد الأوروبي، مع السعي نحو خفض التضخم.
وكان تقرير لـ Capital Economics كتبته فرانزيسكا بالماس، قد ذكر أن "إيطاليا لم تعد تتفوق على نظرائها.. وستشهد شركات البلاد انخفاضاً حاداً في الإنتاج مقارنة بالشركات الكبرى الأخرى في منطقة اليورو في النصف الثاني من عام 2023".