تتمتع الشوكولاتة بشعبية عالمية، فهي واحدة من أكثر أصناف الحلوى المفضلة لدى الكثيرين في أنحاء العالم، وهذا ما يجعل منها سلعة جذابة في عالم الأعمال والتجارة.
وتواجه صناعة الشوكولاتة في الآونة الأخيرة، عدة مخاطر تجعل منها تجارة غير مستقرة، وذلك بفعل الارتفاع المستمر لأسعار الكاكاو، الأمر الذي سينعكس مزيداً من التضخم في أسعار الشوكولاتة، خلال الفترة المقبلة وصولاً الى عام 2024، وهو ما يعد خبراً سيئاً بالنسبة لمحبي الشوكولاتة.
ويرجع التضخم المتوقع في أسعار الشوكولاتة، إلى ارتفاع تكلفة حبوب الكاكاو بالجملة، لتبلغ أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد، حيث دمرت الأمطار الغزيرة والأمراض المسببة للعفن، المحاصيل في غرب إفريقيا، وهي المنطقة التي تمثل ثلثي محصول الكاكاو في العالم، مما أثار مخاوف بشأن إمدادات صناعة الشوكولا العالمية، التي بلغت قيمتها 117 مليار دولار في 2022، وفقاً لبيانات من شركة أبحاث المستهلكين يورومونيتور إنترناشونال.
ويتم حالياً تداول عقود الكاكاو عند مستوى قريب من 3570 دولاراً للطن المتري، مقارنة بنحو 2330 دولاراً للطن في بداية شهر أغسطس 2022، وقد دفع هذا الارتفاع الكبير في أسعار الكاكاو، كبار منتجي الشوكولاتة في العالم، إلى عدم استبعاد فرضية رفع أسعار منتجاتهم، أو حتى تبني فكرة إنتاج ألواح شوكولاتة أصغر ما يضمن رفعاً محدوداً للأسعار.
70 بالمئة من الكاكاو في 4 دول إفريقية
وتعتبر حبوب الكاكاو المادة الخام الأولية المستخدمة في تصنيع الشوكولاتة، وذلك بعد تخميرها وتجفيفها ومن ثم طحنها.
ويتم إنتاج حبوب الكاكاو في المناطق الاستوائية، حيث تكون الظروف المناخية مناسبة تماماً لزراعة أشجار الكاكاو، وبحسب "ستاتيستا" للأبحاث، فإن حوالي 70 بالمئة من حبوب الكاكاو في العالم، تأتي من أربع دول في غرب إفريقيا هي، ساحل العاج وغانا ونيجيريا والكاميرون.
وتقول هانية الحص، وهي مالكة شركة فارميسال للحلويات by hania Vermicelle، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من الواضح أن صناعة الشوكولاتة، تمر حالياً في وضع حرج للغاية، حيث أن البلدين المسؤولين عن إنتاج نحو 50 بالمئة من الكاكاو في العالم، أي ساحل العاج وغانا، يعانيان من 3 عوامل تتسبب بتراجع محاصيلهما من حبوب الكاكاو، وهذه العوامل هي، نمط طقس النينيو الذي يلحق أضراراً بالإنتاج، وفيروس البرعم المتضخم، وهو مرض مدمر يمكن أن يقتل الأشجار، ومرض القرون السوداء، الذي يتسبب في تعفن حبوب الكاكاو.
وبحسب الحص فإنه أمام ما يحصل في ساحل العاج وغانا، لناحية الطقس الممطر بغزارة، والتوقعات بتقلص حصادهما من حبوب الكاكاو، بنسبة تفوق الـ 20 بالمئة عن العام الماضي، إضافة الى عدم قدرة المزارعين على الالتزام بتسليم بضائعهم في أوقات محددة في المستقبل، فقد ارتفعت تكلفة حبوب الكاكاو بالجملة، إلى أعلى مستوى منذ أكثر من عقد، مشيرة إلى أن المستهلكين هم الذين سيتحملون تكاليف ارتفاع أسعار حبوب الكاكاو، التي تعتبر المادة الخام الأولية المستخدمة في تصنيع الشوكولاتة، ما قد يؤدي بالتالي إلى إحجامهم عن شراء الشوكولا كالسابق، لتتراجع بذلك مبيعات الشركات العاملة في هذا المجال.
الشركات ستحمِّل المستهلك زيادة الأكلاف
وترى الحص أن الشوكولاتة تعتبر من أهم العناصر الغذائية، والتي تحظى بأولوية بالنسبة لقسم كبير جداً من شعوب العالم، ولكن الارتفاع الكبير الحاصل في أسعار الكاكاو، سيكون له تأثير سلبي حتمي في المبيعات، خاصة أن رطل الكاكاو سجّل ارتفاعاً يفوق الألف دولار في عام واحد، وهذه الكلفة لن تتحملها الشركات، بل ستحولها للمستهلكين الذين سينخفض استهلاكهم من هذه الحلوى.
والتراجع المتوقع في محصول الكاكاو في العالم لهذا الموسم، يشكل التراجع الموسمي الثاني على التوالي، وهذا ما دفع منظمة الكاكاو الدولية (ICCO) مؤخراً، إلى مراجعة توقعاتها لعجز عالمي في إمدادات الكاكاو، وزادته من 60 ألف طن متري سابقاً إلى 142 ألف طن متري حالياً.
من جهته يقول المهندس الزراعي أحمد القاسم في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ردة الفعل التي تحصل حالياً، بالنسبة لارتفاع أسعار الكاكاو، هي نتيجة طبيعية، خاصة أن سوق إنتاج حبوب الكاكاو، هي سوق ضيقة وتنحصر في دولتين، حيث من المحتمل أن يحتوي معظم الشوكولاتة، التي يتناولها جميع سكان العالم، على القليل من حبوب الكاكاو، من ساحل العاج ومن غانا، ولذلك فإن أي تعثر في إنتاج الكاكاو في غرب إفريقيا، سيشكل تهديداً لآفاق إنتاج المصنّعين الرئيسيين للشوكولاتة في العالم، حيث ستنعكس تبعات هذا الأمر ارتفاعاً في أسعار الشوكولاتة في جميع دول العالم.
ويشرح القاسم أن هطول الأمطار الغزيرة في ساحل العاج، أدى إلى فيضانات في بعض حقول الكاكاو، مما شكل تهديداً كبيراً للمحصول الرئيسي المقبل، الذي يبدأ في أكتوبر 2023.
كما أن استمرار هطول الأمطار يعرقل عملية تجفيف حبوب الكاكاو التي تم حصادها بالفعل، مشيراً الى أن المخاوف المحيطة بمحاصيل الكاكاو تتفاقم، مع توقعات باستمرار هطول الأمطار، بمعدلات تفوق المتوسط في حزام الكاكاو، في غرب إفريقيا خلال الفترة المقبلة، وهو ما يفسر احتمال استمرار تضخم ارتفاع أسعار الشوكولاتة، حتى عام 2024، مدفوعة بمخاوف بشأن سوء الأحوال الجوية.
ويرى تاجر الشوكولا محمد رحال في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن موجة ارتفاع أسعار الشوكولاتة، ستبدأ بالظهور في الأسواق خلال الفترة القليلة المقبلة، مشيراً الى أن العديد من مصنعي الشوكولاتة في العالم، يعتبرون أن الأسوأ لم يأتِ بعد، بالنسبة لهذه الصناعة، وذلك مع ضغط أسعار الكاكاو المرتفعة، على هوامش الربح وعلى جيوب المستهلكين، الذين ستزداد تكلفة إرضاء رغباتهم.
واعتبر رحال أنه في حال رأت الشركات المصنعة للشوكولاتة، أن نسبة ارتفاع الأسعار هي أكبر من أن يتحملها المستهلك، وقد تؤدي الى تراجع كبير في مستوى المبيعات، فإنها بالتأكيد ستلجاً الى طرح منتجات أصغر حجما كألواح شوكولاتة، وذلك بهدف المحافظة على مستوى معين من المبيعات وضمان أن تكون هناك زيادة محدودة على الأسعار.