دخل القانون الأساسي المنظم لإطلاق "الروبل الرقمي" في روسيا حيز النفاذ، بدءاً من اليوم (الثلاثاء الأول من أغسطس 2023)، كوسيلة أخرى للمدفوعات والتحويلات، وشكل ثالث للعملة الوطنية مع الروبل النقدي والافتراضي.
جاء ذلك بعد أن صدّق مجلس الاتحاد الروسي، في 19 يوليو الماضي، على القانون الأساسي المنظم لـ "الروبل الرقمي"، وبعد أن وقع الرئيس فلاديمير بوتين على القانون وإطلاق منصة إلكترونية خاصة به، في 24 من الشهر نفسه.
يحدد القانون المذكور المفاهيم الأساسية، ويضع الأطر التنظيمية والتشغيلية للمعاملات المرتبطة به، كما يحدد مسؤولية وعلاقة البنك المركزي، باعتباره المشغل الرئيسي.
- "الروبل الرقمي"، هو رمز خاص يتم تخزينه بمحفظة إلكترونية يتعين على المتعاملين إنشاؤها عبر المنصة الخاصة التي أطلقها ويديرها البنك المركزي.
-باعتباره "وسيلة دفع إضافية" لا يُمكن أن يتم استخدام "الروبل الرقمي" في فتح ودائع باستخدامه أو الحصول على عوائد (فوائد) على الأرصدة الموجود في المحافظ الرقمية، أو الحصول على قرض.
- تُتاح العمليات والتحويلات باستخدام "الروبل الرقمي" مجاناً للمواطنين الروس. فيما يتم فرض رسوم نسبتها 0.3 بالمئة (من قيمة المدفوعات أو التحويلات) على الأعمال التجارية.
- يُتوقع أن تظهر الآثار الاقتصادية لاستخدام "الروبل" في المعاملات داخل روسيا خلال الشهر الجاري، مع بدء العمل به بعد إقرار الإطار التشريعي.
- يُعول الروس على "الروبل الرقمي" في رفع معدلات الشفافية والتصدي للعمليات المالية غير القانونية والمساهمة في مواجهة الفساد والعمليات غير الرسمية.
ما هي مزايا "الروبل الرقمي"؟
من جانبه، يقول كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss مازن سلهب، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لا شك أن البدء باستخدام الروبل الرقمي هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، تحاول من خلاله موسكو تجنب تبعات العقوبات المفروضة عليها في التجارة والتحويلات العالمية وبناء صفقات أو عمليات عابرة للحدود"، مشدداً على أنها خطوة تأتي كرد فعل لمواجهة هذه العقوبات الغربية.
ويضيف: "كذلك يهدف الروس إلى رفع قوة الروبل، والذي تراجع بحوالي 58 بالمئة مقابل الدولار خلال عام، وخسر 29 بالمئة أمام العملة الأميركية منذ بداية العام الجاري 2023"، موضحاً أنه "عندما يتم العمل على الروبل الرقمي ضمن دائرة يسيطر عليها المركزي فقد تستطيع روسيا من خلال ذلك ضبط إيقاع التداول، وحتى لا يكون الروبل منكشفاً بشكل كبير، وبالتالي قد يخفف ذلك حجم الخسائر التي مُنيت بها العمل الروسية في 2023".
ويوضح أن الروبل الرقمي يأتي بالكامل تحت إشراف المركزي الروسي، والذي يضبط عملية التداول والتحويلات داخل روسيا وبناء المحافظ الرقمية، مشيراً في الوقت نفسه إلى إتاحة العمليات أمام الأفراد مجاناً، بينما على الشركات نسبة 0.3 بالمئة كرسوم على التحويلات، كما أنه لن يتم استعمال الروبل الرقمي في عمليات استثمار، بل حصراً في عمليات البيع والشراء والتحويلات المختلفة، مبرراً ذلك بقوله: "يقصد الروس من خلال هذا الأمر ضبط إيقاع التداول حتى يتجنبوا خسارة المزيد من قيمة العملة في المرحلة المقبلة".
ورداً على سؤال حول استخدامات الروبل الرقمي "خارج روسيا"، يشير كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، إلى أنه "في الوقت الحالي سيتم التعامل بالروبل الرقمي داخل روسيا، ولكن قد يتم اللجوء للتعامل به لاحقاً مع دول أخرى تتوافق مع روسيا بهذا الشأن، على رأسها الصين والهند". ويشير هنا إلى الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً بالتعامل بالعملات الوطنية (..).
ويتابع: "ربما يهدف الروس من خلال ذلك توسيع قاعدة التبادل البيني مع الدول التي تتوافق معها في تلك الخطوة، علاوة على رفع قيمة التداولات بالروبل في الأسواق العالمية، والهروب من العقوبات، وكذلك الهروب من هيمنة الدولار الأميركي".
وكان القانون المنظم لـ "الروبل الرقمي" قد تطرق إلى إدخال العملات الرقمية من قبل الدول الأجنبية، بحيث يتم تحديد مفهوم "العملة الأجنبية"، الذي يشمل أيضاً الوحدة النقدية الوطنية لدولة أجنبية، والتي يتم إصدارها في شكل رقمي.
الحد من الاعتماد على المنظومة الغربية
وإلى ذلك، يؤكد الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الروبل الرقمي يأتي ضمن مساعٍ روسية من أجل الحد من الاعتماد على المنظومة المالية الغربية، خاصة بعد فصل عدد من المصارف الروسية الحكومية والخاصة الكبرى عن منظومة سويفت العالمية للتحويلات المالية.
ويشير إلى أن "روسيا قررت إنشاء منصة رقمية خاصة بها يقوم بتشغيلها المصرف المركزي، حتى لا تتأثر بالعقوبات أو أي إجراءات غربية"، مشدداً في الوقت نفسه على أن "الروبل الرقمي" ليس عملة مشفرة بلا مُصدر كما يحدث في أحيان كثيرة، إنما هي عملة رسمية تصدر من البنك المركزي الروسي، مما يساعدها في أن تحل محل السويفت في بعض المعاملات".
ويوضح القليوبي، أنه "بذلك يكون هناك للعملة الروسية ثلاثة أشكال (نقدية وغير نقدية ورقمية)" وبما يتيح خيارات مختلفة للدفع والتحويلات، تماماً مثل العملة الورقية أو الرصيد المتوافر في البنك.
الفرق بين "الروبل الرقمي" والعملات المشفرة
في سياق آخر، يشرح المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" الاختلافات بين تلك النوعية من العملات الرقمية (مثل الروبل الرقمي) والعملات المشفرة.
ويقول معطي: "العملات الرقمية (Central Bank Digital Currency) هي عملات تصدرها البنوك المركزية، وتعمل مثل فكرة العملات المشفرة، لكن البنوك المركزية تديرها، على عكس الـ
Cryptocurrency وهي عملات لا تصدرها الدول، إنما تصدرها شركات أو أفراد، ولا توجد رقابة عليها عكس الـ CBDC التي تصدرها الدول".
ويضيف: "وبالتالي فإن الـ CBDC أكثر أماناً، كما أنه لا يتم التداول والمضاربة عليها مثل العملات المشفرة القائمة على هذا الأساس".
فرق آخر واضح بين الـ CBDC والعملات المشفرة، هو أن الأولى (العملات التي تصدرها البنوك المركزية) يكون لها غطاء من الذهب، بخلاف العملات المشفرة التي لا تتمتع بغطاء وبالتالي نسبة الأمان فيها أقل، بحسب معطي الذي يقول أيضاً إن "العملات التابعة للدول تحظى بالثقة كونها خاضعة لإدارة ورقابة البنوك المركزية، على عكس العملات المشفرة التي تعاني من عدم الثقة، ولا سيما في ظل تعرض بعضها للإفلاس".