تشهد كثير من الدول موجات حرارة شديدة "غير مسبوقة" كواحدة من أبرز آثار أزمة تغير المناخ التي تهدد العالم بأسره، وبما يلقي بمزيدٍ من التحديات واسعة المدى على مختلف الصُعد، لا سيما فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي.

تلقي "الحرارة الشديدة" بظلالٍ وخيمة يُعاد معها تشكيل الاقتصادات، انطلاقاً من تأثير تلك الحرارة على العمل والإنتاجية، وبالتالي على التنمية الاقتصادية بشكل عام، وحتى تأثير الحرارة الشديدة على مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك شرايين رئيسية كالزراعة والصناعة والسياحة، وحتى التأمين.. إلخ.

أخبار ذات صلة

موجة الحر..كيف أجج التغير المناخي الحرائق في أوروبا والعالم؟
بيانات تكشف تأثير حرارة الجو على رحلات الطيران

وتحت عنوان (بالتزامن مع موجة الحرارة غير المسبوقة: كيف يعيد عصر الحرارة الشديدة تشكيل الاقتصادات؟)، سلط تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، الضوء على أثر أزمة المناخ في إعادة توجيه الاقتصادات:

  • الأثر الاقتصادي لما يحذر الخبراء من أنه قد يكون حقبة جديدة من درجات الحرارة القياسية يتجاوز السياحة.
  • تستعد الصناعات التي تتراوح بين البناء والتصنيع والزراعة والنقل والتأمين لتغيير طريقة عملها، إذ تصبح أيام درجات الحرارة المرتفعة أكثر روتينية بسبب تغير المناخ.
  • وجدت دراسة نشرها أكاديميون في دارتموث العام الماضي أن موجات الحر، الناجمة عن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، كلفت الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو 16 تريليون دولار على مدى 21 عاماً من التسعينيات.
  • "الحرارة الشديدة تقلل النمو وتؤدي إلى تدهور الاقتصاد.. إلخ"، بحسب مديرة مركز مرونة التابع للمجلس الأطلسي، كاثي بوغمان ماكليود.
  • لكن من المرجح أن تتصاعد هذه التكاليف في العقود المقبلة مع إعادة توجيه الاقتصادات لمواسم الذروة التي تشهد حرارة شديدة للغاية، للتخفيف من المخاطر والاضطرابات التي ستحدثها.
الحرارة العالية والإجهاد الحراري قد يؤديان لسكتة دماغية

صعوبات العمل

من بين الأسباب الرئيسية التي تجعل الحرارة الشديدة تشكل تهديداً اقتصادياً هي أنها تجعل العمل أكثر صعوبة؛ ذلك أن درجات الحرارة المرتفعة تسير جنباً إلى جنب مع انخفاض الإنتاجية.

فقد نقل التقرير عن لورا كينت، وهي من إحدى الجمعيات المهنية التي أصدرت أخيراً تقريراً حول كيفية احتياج الصناعة للتكيف مع الحرارة الشديدة، قولها إنه "في الظروف الحارة، عادةً ما يعمل البشر بشكل أبطأ، ونتحمل المزيد من المخاطر، وتنخفض وظيفتنا المعرفية".

وبحسب دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية، فإنه بحلول العام 2030، سيتم فقدان ما يعادل أكثر من 2 بالمئة من إجمالي ساعات العمل في جميع أنحاء العالم كل عام، إما بسبب ارتفاع درجة الحرارة عن العمل أو بسبب اضطرار العمال إلى العمل بوتيرة أبطأ.

ويوجد حوالي 200 مليون شخص في المدن اليوم معرضون لخطر الحرارة الشديدة، وهو رقم من المتوقع أن ينمو ثمانية أضعاف بحلول العام 2050، وفقاً لساشين بويت، مدير المرونة المناخية في شبكة C40.

أخبار ذات صلة

موجة الحر تجبر شركات الطيران الأميركية للحد من عدد الركاب
الأرض تلتهب.. 2023 سنة تحطيم أرقام الحرارة القياسية

قوانين العمل

ومع ذلك، فإن قلة من البلدان لديها درجة حرارة قصوى يتوجب الوصول إليها أن يتوقف العمل.

ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، والتي لم تكن الحرارة الشديدة مشكلة من الناحية التاريخية، هناك فقط عتبة موصى بها لوقف العمل في درجات الحرارة الباردة، وليس الساخنة.

وبحسب التقرير، فغالباً ما يكون الأشد فقراً والأقل قدرة على التأقلم، هم الأكثر تضرراً من درجات الحرارة الشديدة، إذ تتركز خسائر الإنتاجية في كثير من الأحيان في الوظائف، حيث تميل الأجور إلى أن تكون أقل من المتوسط.

من جانبه، يشير أستاذ الدراسات البيئية، الدكتور عبدالمسيح سمعان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مختلف القطاعات الاقتصادية تتأثر بشكل كبير بالتغير المناخي، وبما يعيد تشكيل تلك القطاعات، وعلى رأسها في المقام الأول "القطاع الزراعي" وتداعيات ارتفاع درجات الحرارة على تراجع إنتاج المحاصيل في العالم، وبما يقود إلى أزمات أوسع.

كما يُبرز في حديثه أيضاً مدى التأثر الذي تواجهه قطاعات مثل الصناعة والتأمين، وكذلك السياحة وانتقال الناس من مكان لمكان، نظراً لعوامل الحرارة الشديدة غير المسبوقة والتي تفرض واقعاً مختلفاً يؤثر بشكل كبير على تفاصيل النشاط الاقتصادي في تلك القطاعات.

ويلفت سمعان في الوقت نفسه إلى تأثير ارتفاع درجات الحرارة على العمل، قائلاً: "ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على إنتاجية العاملين، وبما يؤثر على التنمية الاقتصادية بشكل عام".

  • وفقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن العمال في الهواء الطلق - خاصة أولئك الذين يعملون في الزراعة أو البناء - معرضون بشكل خاص لخطر الوفاة والإصابات والمرض وانخفاض الإنتاجية بسبب التعرض للحرارة.
  • بين عامي 1992 و 2016 ، توفي 285 عامل بناء في الولايات المتحدة لأسباب مرتبطة بالحرارة، أي حوالي ثلث الوفيات المهنية في البلاد بسبب التعرض للحرارة ، وفقًا لبحث أكاديمي.
  • لكن أولئك الذين يعملون في الداخل معرضون لمخاطر متزايدة مع زيادة تواتر موجات الحر الشديدة، بما في ذلك عمال النسيج في العالم البالغ عددهم 66 مليوناً، والذين غالباً ما يعملون داخل المصانع وورش العمل بدون تكييف، يقع عديد منها في الجنوب العالمي ، حيث تكون درجات الحرارة القصوى أكثر تطرفًا وخطورة.

ويردف أستاذ الدراسات البيئية: "الإنسان صانع التنمية، وبينما تواجه كثير من الأعمال والوظائف تأثيرات واسعة ناجمة عن الحرارة المرتفعة، وبما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية بالنسبة للعاملين في تلك الوظائف والأعمال، فإن التنمية الاقتصادية عموماً تواجه تحديات واسعة، بما لذلك من انعكاسات على اقتصادات الدول".

أخبار ذات صلة

أميركا تحذر من امتداد موجة الحر التاريخية لولايات أخرى
من يدفع "حصته العادلة" لمكافحة تغير المناخ؟

أبرز القطاعات

وفيما يخص تأثر قطاعات اقتصادية بعينها بالحرارة الشديدة بشكل مباشر، نقل تقرير الفاينانشال تايمز عن مجموعة من الخبراء المختصين قولهم:

  • تأثير الحرارة الشديدة على العمال أصبح "قضية من قضايا حقوق الإنسان"، وبما يتطلب سياسات أقوى لحماية العمال.
  • عواقب الحرارة الشديدة على موظفيها، تُجبر الصناعات على إعادة التفكير في المزيد من القضايا الوجودية ، مثل مكان وجود أعمالها وكيفية عملها.
  • صناعة البناء هي أحد المجالات التي قد تتطلب إعادة ابتكار جذري.. لا تؤثر الظروف المناخية القاسية على أعمال البناء في المواقع فحسب، بل إنها تؤثر فعلياً على المواد، بما يضيف تكاليف إضافة للقطاع.
  • التصنيع هو قطاع آخر يواجه تغييرات كبيرة، ذلك أن المصانع والمستودعات "ليست مصممة فقط لدرجات الحرارة التي نراها الآن ونتوقع رؤيتها".
  • هناك مخاطر على "البنية التحتية"، لجهة أن تغير المناخ من شأنه أن "يُقصر من العمر الافتراضي لها".
  • كذلك بالنسبة لقطاع الزراعة، يمكن أن تؤدي الحرارة الشديدة إلى انخفاض غلة المحاصيل، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي.
  • وكذلك بالنسبة لقطاع التأمين، فعندما يصبح العمل أكثر خطورة في مجموعة من القطاعات، سترتفع تكاليف التأمين.

ووفقاً لبيانات من شركة إعادة التأمين Swiss Re، بلغت خسائر الكوارث المرتبطة بالحرارة لشركات التأمين، مثل فشل المحاصيل بسبب الجفاف أو أضرار حرائق الغابات في الممتلكات، 46.4 مليار دولار في السنوات الخمس حتى عام 2022، ارتفاعًا من 29.4 مليار دولار في السنوات الخمس السابقة.

أخبار ذات صلة

عالم مناخ يرجّح أن يكون "يوليو" الأكثر سخونة منذ آلاف السنين
نصائح من ذهب للنجاة.. هل يعرف الفلاحون تأثير النينو؟

القطاع الزراعي

الباحث المتخصص في التغيرات المناخية بمركز البحوث الزراعية بالقاهرة، الدكتور أحمد القناوي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مختلف القطاعات الاقتصادية تتأثر بارتفاع درجات الحرارة، إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، موضحاً أن القطاع الزراعي على سبيل المثال يشهد تأثيرات مباشرة ترتبط بالتذبذب في درجات الحرارة وموجات الصقيع والبرد الشديد والعواصف الترابية، وغيرها من الظواهر.

ويضيف: "يؤثر ذلك على القطاع (الزراعي) عموماً بشكل مباشر من خلال الإضرار بإنتاجية المحاصيل (نقص الإنتاجية) وتغير مواعيد الزراعة وخسارة الإنتاج، ومنع زراعة محاصيل في أماكن معينة بسبب ملوحة التربة ومع تسرب مياه البحر، علاوة على تأثير ارتفاع مستوى البحر، وهو الأمر الذي من شأنه التأثير على المناطق الزراعية القريبة منه".

ويتأثر كذلك قطاع الإنتاج السمكي على ذلك النحو، لا سيما فيما يتعلق بهجرة الأسماك. علاوة على الأضرار التي تلحق بالإنتاج الحيواني كذلك.

ويوضح القناوي، أن من الخسائر أو الأضرار الاقتصادية غير المباشرة ما يتعلق بزيادة فاتورة الاستهلاك والاستيراد، نتيجة لتلك المعطيات، ومن أجل تعويض النقص الحادث في المحاصيل الزراعية، وبما يجعل مجتمعات عديدة عرضة للصدمات وهشة أمام التغيرات المناخية، لا سيما في أفريقيا على سبيل المثال والتي تواجه عديد من دولها تحديات واسعة ناجمة أساساً عن تغير المناخ، بما في ذلك تعرض دول عديدة لخطر الجفاف والجوع وزيادة معدلات الهجرة والصراعات الداخلية على الموارد المائية، وغير ذلك.

هل من علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة ورحلات الطيران؟

التعهدات المناخية

وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فإنه يشير إلى أن التعهدات المناخية التي قدمتها الدول تضع العالم على المسار الصحيح لارتفاع درجات الحرارة.

واستعرض التقرير الجهود المبذولة على المستويات الوطنية والدولية لمواجهة أزمة المناخ وتأثيراتها الاقتصادية.

ونقل التقرير عن مديرة مركز مرونة التابع للمجلس الأطلسي، كاثي بوغمان ماكليود، قولها إن الشركات وصانعي السياسات بحاجة إلى التحرك الآن للاستعداد للحرارة الشديدة، موضحة أنه قد تكون هناك حاجة إلى إعادة تفكير كبيرة في اقتصاداتنا،

فالبلدان التي تعتمد على السياحة شهدت انخفاضاً حاداً في الزيارات خلال مواسم الذروة، أو لم يعد بإمكان الشركات القيام بأعمال تجارية خلال الأشهر الرئيسية من العام.