كثّفت الولايات المتحدة الأميركية في السنتين الأخيرتين مساعيها، لإعاقة تقدم الصين في صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، التي أصبحت محور صراع جديد بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
فالولايات المتحدة وضمن خططها الهادفة إلى منع الصين من التحول إلى قوة تكنولوجية عظمى، وخاصة فيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فرضت وعلى مدار الأشهر المنصرمة، قيوداً على مبيعات الرقائق الالكترونية المتطورة إلى بكين.
ورغم أن القيود الأميركية شملت عدداً كبيراً من الرقائق المتطورة، التي تنتجها شركات أميركية، إلا أنها ركزت تحديداً على رقائق الرسوميات الخارقة، التي تصممها شركة إنفيديا، التي تهيمن على 80 بالمئة سوق رقائق الذكاء الاصطناعي في العالم.
ظهور خصم صيني قوي
التفوق الذي تتمتع به إنفيديا في عالم أشباه الموصلات والرقائق، يحتّم على أي شركة تسعى لاختراق هذه السوق بنجاح، تقديم رقائق توازي بقدراتها المتقدمة ما تقدمه رقائق إنفيديا، وبالتالي إذا أرادت الصين التغلب على الحصار الأميركي، سيكون عليها إيجاد البديل المحلي لإنفيديا وهو أمر قد لا يكون بعيد المنال.
فمع استحالة اعتماد بكين على صناعة الرقائق وأشباه الموصلات الأميركية، بدأت شركة Biren الصينية بجذب الانتباه اليها، والظهور كخصم صيني قوي لشركة إنفيديا الأميركية.
من هي Biren؟
شركة Shanghai Biren Intelligent Technology Co هي شركة صينية، لتصميم أشباه الموصلات مقرها شنغهاي، تأسست في عام 2019، من قبل أفراد كانوا يعملون سابقاً في شركة إنفيديا وعلي بابا وكوالكوم.
وتركز "بيرن" على تصميم رقائق الرسوميات المستخدمة في إنتاج الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء، والحوسبة ذات الأغراض العامة، وتعتبر واحدة من أكثر المنافسين الصينيين، المؤهلين لمنافسة شركة Nvidia الأميركية.
وتكتسب منتجات Biren زخماً بين الشركات الصينية الكبرى، وهي تهدف إلى الاستفادة من موجة العملاء المحليين، الذين تحولوا إلى رقائق الذكاء الاصطناعي الصينية، كبديل عن الرقائق الأميركية المحظورة، حيث حصلت على طلبات شراء من بعض المجموعات الصينية.
القيود فرضت ولادة لاعبين جدد
يقول خبير التحول الرقمي رودي شوشاني، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن القيود المفروضة لمنع وصول الرقائق الأميركية المتطورة إلى الصين، أدت إلى ظهور العديد من اللاعبين، من شركات صينية ناشئة لتصنيع ولتصميم الرقائق، مستفيدة من الفراغ الذي تركته الشركات الأميركية في السوق، مشيراً إلى أن "بيرن" هي واحدة من الشركات الصينية الواعدة في هذا المجال، رغم أنها لم ترتق بعد إلى مستوى ما تنتجه إنفيديا.
تحقيق اختراقات في رقائق الـ AI
وبحسب شوشاني، فإن إنفيديا هي شركة عملاقة في مجال تصميم الرقائق، وتملك العديد من المنتجات التي أثبتت قدراتها في هذ المجال، في حين أن Biren لا تزال شركة ناشئة، محدودة القدرات والمنتجات، ولذلك فإنه في الوضع الحالي لا يمكن تشبيه "بيرن" بـ إنفيديا، ولكن في الوقت عينه لا يمكن التغاضي عن أن Biren تملك الكثير من المواصفات، التي تؤهلها كي تكون "إنفيديا الصينية" في مرحلة لاحقة، حيث أنه ولتحقيق هذا الهدف، يتعين على الشركة إعطاء الأولوية لتحقيق الاختراقات في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي، والتمتع بإمكانيات سوقية أكبر.
عائلة "بيرن" لرقائق الذكاء الاصطناعي
ويشرح شوشاني أنه في صيف 2022، كشفت Biren عن عائلة رقائقها المصممة للذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء، والتي تشمل شريحتين، الأولى هي شريحة BR104، والثانية هي شريحة BR100 وهي الأكثر قوة من الأولى، حيث تم تزويدها بـ 77 مليار ترانزستور، ما يجعلها فائقة السرعة من حيث الأداء، مشيراً إلى أنه بحسب ما هو معلن من Biren فإن BR100 سجلت رقماً قياسياً عالمياً في قوة الحوسبة، ما يتيح لها تحدي رقائق إنفيديا A100 وH100 اللتين تعتبران من أقوى رقائق الذكاء الاصطناعي في العالم حالياً.
ويرى شوشاني أن شريحة BR100 تستحق بعض التعليقات الإيجابية، نظراً لأنها مختلفة تماماً من حيث التصميم عن شرائح الرسوميات الأخرى، فهي تستخدم تصميماً مزدوجاً، إذ أنها تتكون من وحدتي معالجة منفصلتين، ما يتيح لها مواكبة بعض أكبر منافسيها في الاستدلال والتدريب على الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تحقيق ذروة الأداء، لافتاً إلى أنه رغم هذا التقدم تبقى الأفضلية في هذا المجال، لمنتجات إنفيديا التي تعد الأقوى في السوق.
إنفيديا الصين ورقاقة الخلاص
ويختم شوشاني حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بالإشارة إلى أن شريحة BR100 هي خطوة كبيرة للصين، على طريق وضع نفسها كلاعب رئيسي في صناعة أشباه الموصلات، مشدداً على أنه كي تتمكن "بيرن" من الفوز بلقب "إنفيديا الصينية" وإنتاج الرقاقة التي ستخلص الصين من الحصار الأميركي، فإنها تحتاج أولاً إلى اكتشاف طريقة لتحسين القدرة التنافسية لمنتجها، من خلال جعله أكثر قوة من حيث الأداء، وذات موثوقية أكبر ما يدفع الشركات لتبنيه، أما الأمر الثاني الذي يجب على الشركة فعله، فهو الحصول على مزيد من التمويل، من خلال عمليات اكتتاب، والتخلص من بعض المشاكل الادارية التي تعاني منها، والتي دفعت أحد مدراء الشركة إلى تقديم استقالته خلال الربع الأول من العالم الحالي.