تكافح الصين على صعيد مواجهة التحديات الاقتصادية المتسارعة، وفي ضوء تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي بعد كورونا، ومع فقدان القطاعات الرئيسية زخم التعافي، وفي القلب منها القطاع العقاري، إضافة إلى قطاعات الصناعة والتجزئة، وبما انعكس بشكل مباشر على صادرات البلاد.
في ضوء تلك المعطيات، نادى عديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين بضرورة إطلاق حزم تحفيزية جديدة لدعم القطاعات الرئيسية باقتصاد بكين البالغ 18 تريليون دولار.
فيما اتخذت بكين، الأربعاء، خطوة في ذلك الصدد، من خلال تعهدها بدعم القطاع الخاص ليصبح "أكبر وأفضل وأقوى" عبر سلسلة من الإجراءات الرامية إلى مساعدة الشركات الخاصة وتعزيز التعافي المتباطئ بعد الجائحة، وسط رهانات على مزيد من الحزم الداعمة للقطاع الصناعي والقطاعات التصديرية بشكل خاص، وبما يحقق انتعاشاً بالاقتصاد.
- بعد التعافي في الربع الأول من قيود كورونا، كان أداء معظم القطاعات من التجارة إلى الأرباح الصناعية وأسعار المستهلكين دون توقعات المحللين في الأشهر القليلة الماضية.
- أعلنت الصين، الاثنين، عن أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 0.8 بالمئة خلال الربع الثاني، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة. وهذا يمثل تباطؤاً عن الربع الأول، عندما توسع الاقتصاد بنسبة 2.2 بالمئة.
- أدى هذا التباطؤ إلى دعوات متزايدة لإطلاق حافز نقدي ومالي كبير، لدعم محركات النمو التقليدية التي تغذيها الديون، لا سيما بالنسبة للبنية التحتية والممتلكات.
يشير تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، هذا الأسبوع، بشكل أساسي إلى الأزمة الواسعة التي يواجهها صانعو القرار في الصين فيما يخص قطاع العقارات في المقام الأول، باعتباره محرك رئيسي للاقتصاد، وكذلك الأزمة التي ضربت أحد محركات النمو الرئيسية في بكين (التجارة) في ظل تراجع الطلب على صادرات الصين مع قيام البنوك المركزية الغربية برفع أسعار الفائدة.
- تراجعت قيمة الصادرات الصينية بالدولار بنحو 12.4 بالمئة في شهر يونيو على أساس سنوي، وفق بيانات الجمارك الصينية أخيراً.
- تفاقمت المشاعر السلبية بشأن التجارة بسبب التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة أيضاً، ما دفع الشركات الغربية إلى التحدث بصوت عالٍ عن "إزالة المخاطر" عن سلاسل التوريد بعيداً عن الصين.
- يتعرض المصنعون للضغط ليس فقط بسبب انخفاض الصادرات، ولكن أيضاً بسبب ضعف الطلب محلياً على مواد البناء والسلع المنزلية المعمرة بسبب تراجع العقارات.
- نقل التقرير عن كبير الاقتصاديين الصينيين في يو بي إس إنفستمنت بنك، تاو وانج، قوله: "لقد انخفضت الطلبات والأرباح خلال الـ 16 شهراً الماضية، لذلك من الصعب جداً على الشركات أن تثق في هذه البيئة.. لا ترغب الشركات في التوسع لأن الكثير منها لديه طاقة استيعابية زائدة". ويشير إلى محاولات الحكومة طمأنة القطاع الخاص.
وكانت الحكومة قد أطلقت حملات على عديد من القطاعات المهمة خلال سنوات الوباء، بدءاً من القيود المفروضة على نفوذ الشركات العقارية وامتداداً إلى منصات التجارة الإلكترونية (..) بينما هناك آمال في أن تدعو الدولة الآن إلى هدنة في بعض هذه الإجراءات.
سياسات تحفيزية
وفي ضوء تلك المعطيات، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: مع توقف محركات النمو، هل ستتمكن بكين من الاستمرار في نفس المسار (السياسات الاقتصادية المتبعة)؟ أم تلجأ إلى الحسابات القديمة التي تحتاجها للحفاظ على قدر معين من النمو لضمان تفعيل الاستقرار الاجتماعي، وبما يمهد الطريق للعودة إلى التحفيز واسع النطاق؟
يُشار هنا في المقام الأول إلى قطاع العقارات باعتباره من المحركات الأساسية للنمو في الصين.
- يشكل قطاع العقارات التحدي الأكبر، فبعد الاستقرار في وقت مبكر من العام، تراجع مرة أخرى في الأشهر الأخيرة.
- أعلنت الحكومة هذا الأسبوع أنه سيتم تمديد خطة الدعم الائتماني السابقة للمطورين لمدة عام. كما خفضت أسعار الفائدة على الإقراض وأعلنت عن إجراءات أخرى لدعم القطاع.
- لكن هناك شكوك حول ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى استقرار السوق.
- لا يرغب المطورون في الاستثمار ولا يرغب المستهلكون في الشراء، خاصة بعد إفلاس Evergrande، إحدى أكبر المجموعات في البلاد وأكثرها مديونية، كما يقول أحد الخبراء العقاريين في ووهان، وفق التقرير.
وفي حين أن الأسواق المالية تطالب بالحوافز، يعتقد الرئيس الصيني وصانعو السياسات بأنه من الواضح أن تباطؤ العقارات يعد تعديلاً ضرورياً -وإن كان مؤلماً- للنموذج الاقتصادي القديم المثقل بالديون، كما يقول الاقتصاديون.
وبحسب المؤسس المشارك لمجموعة الاستشارات "غافيكال دراغونوميكس"، آرثر كروبر، فإن "التصور العام هو أن القيادة أكثر تفاؤلاً من الأسواق في أزمة العقارات والانتعاش البطيء في ثقة المستهلك.. وفي حين أن النمو قد يصل على الأرجح إلى هدف 5 بالمئة هذا العام، فقد يكون الرئيس شي مستعداً للسماح له بالانخفاض أكثر في السنوات المقبلة مع تكيف الاقتصاد مع الواقع الجديد.. ستكون الحسابات هي أن معظم العائلات قد اشترت بالفعل منازلها الخاصة وأن الشركات الخاصة سوف تتكيف مع مسار النمو الجديد المنخفض.
القطاع الصناعي
من جانبه، يشير مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، الدكتور بلال شعيب، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى الضغوطات المتواصلة التي يواجهها القطاع الصناعي في الصين، لا سيما في ظل ارتفاع معدلات التضخم حول العالم وما صاحب ذلك من ارتفاع تكلفة المواد الخام، وبما حمّل الشركات الصناعية مزيداً من الصعوبات.
ويضيف إلى ذلك عوامل أخرى، من بينها أسعار النفط، والتي وصلت في فترة من الفترات العام الماضي إلى 115 دولاراً للبرميل، وبما أثر بشكل واضح على كلفة النقل والشحن وأيضاً على أسعار المواد الخام، وجميعها أمور دعمت تباطؤ النمو الاقتصادي بالنسبة للصين التي تعتمد بشكل كبير على القطاع الصناعي وصادراتها المختلفة.
ويشير كذلك إلى ضعف القوى الشرائية حول العالم -تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية الحالية تبعاً للتطورات الجيوسياسية الأخيرة، وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم- الأمر الذي أثر بشكل كبير على قطاع التصدير بالنسبة للصين، مع تراجع الطلب الخارجي والمحلي، وهو من العوامل التي دعمت تباطؤ النمو على ذلك النحو.
ويرى شعيب أن الاقتصاد الصيني بحاجة إلى عمليات تحفيزية أوسع للاقتصاد في الفترة المقبلة وبعد ما تم اتخاذه من إجراءات، لا سيما فيما يخص القطاع الصناعي في المقام الأول، وبما يمكنه من مواجهة المنافسة الشرسة مع المصنعين الآخرين، وفي وقت تعمل فيه عديد من الحكومات على تقديم مختلف أوجه الدعم للقطاع في بلدان أخرى، مضيفاً: "أعتقد بأن الحكومة الصينية بحاجة لتقديم مزيد من الدعم في الفترة المقبلة، سواء فيما يتمثل في إعفاءات ضريبية للشركات المصنعة، أو تمويل يتم ضخة بالسوق بشروط أكثر تيسيراً للمصنع، وكذلك من خلال التوسع في الاتفاقات الدولية مع أسواق وبلدان أخرى لدعم المصنع الصيني، في ظل حزم تحفيزية جديدة".
والأربعاء، قالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) نقلا عن مبادئ توجيهية نشرها الحزب الشيوعي ومجلس الوزراء إن الصين ستسعى جاهدة لتوفير بيئة أعمال مواتية للسوق من الدرجة الأولى، وأفادت الوكالة بأن:
- "القطاع الخاص قوة جديدة لتعزيز التحديث على النمط الصيني وأساس مهم للتنمية عالية الجودة وقوة رئيسية لتعزيز بناء الصين الشامل لقوة اشتراكية عصرية".
- تشمل التدابير حماية حقوق الملكية للشركات الخاصة ورجال الأعمال وخطوات لضمان المنافسة العادلة في السوق من خلال إزالة العراقيل التي تعوق دخول السوق.
- المبادئ التوجيهية ستشمل دعم الشركات المؤهلة للطروحات في البورصة وكذلك إعادة التمويل.
- تشير المبادئ التوجيهية أيضا إلى أن السلطات ستدحض على الفور "التصريحات والممارسات الخاطئة" التي يمكن أن تضر بالشركات الخاصة، وستستجيب لمخاوف هذه الشركات في الوقت المناسب.
تفاؤل بتحقيق المستهدفات
الخبير في الشؤون الصينية، نائب رئيس الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن بكين بمقدورها المضي قدماً لتحقيق مستهدف النمو للعام 2023 بأكمله عند 5 بالمئة، مشيراً إلى أن البيانات الرسمية الصادرة أخيراً عن الربع الثاني من العام، تشير إلى تحسن نسبي مقارنة بأرقام الربع الأول.
وذلك بعدما تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي (على أساس سنوي) بنسبة 6.3 بالمئة في الربع الثاني، مقارنة بـ 4.5 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام (لكن المعدل كان أقل بكثير من توقعات النمو البالغة 7.3 بالمئة).
وبحسب البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء فقد نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 0.8 بالمئة فقط في الربع الثاني، مقارنة بالربع السابق، مقابل توقعات المحللين في استطلاع لرويترز بزيادة 0.5 بالمئة، ومقارنة بنمو بـ 2.2 بالمئة كان قد سجل بالربع الأول من العام الحالي.
ويشير إلى أن ذلك يأتي في ظل بيئة اقتصادية وجيوسياسية تحدها كثير من الضغوطات والتطورات السلبية على المستوى العالمي، بما في ذلك النزاعات الجيوسياسية التي تؤثر على الاقتصاد العالمي بأكمله، لافتاً إلى أن الاقتصاد الصيني يواجه عديداً من التحديات في ذلك السياق، لا سيما في إطار ما تُظهره البيانات من تراجع للصادرات، فضلاً عن أثر تلك التوترات الكائنة في المحيط الهادئ ومناطق أخرى من العالم، والتي من شأنها إعاقة أو تعطيل سلاسل الإنتاج والإمداد.
لكنه يعتقد بأن بكين لديها القدرة على تحقيق نتائج إيجابية والوصول لمستهدفات النمو. كما يلفت إلى أن الاقتصاد الصيني "لا يزال أفضل بشكل عام من كثير من الاقتصادات الكبرى من حيث مؤشرات النمو".
في المقابل، فإن تقريراً نشرته صحيفة نيويورك تايمز، قد ذكر أن الاقتصاد الصيني يتعثر رغم الأرقام الإيجابية التي تبعث بها الحكومة الصينية. ونقلت الصحيفة عن كبيرة الاقتصاديين في شركة "إينودو إيكونومكس" ديانا تشويليفا ، قولها إن مقارنة هذه الفترة بنفسها من العام الماضي هو "رسم لصورة مضللة عن أداء الاقتصاد الصيني".
من ناحية أخرى، وفيما ذكر تقرير صحيفة "فاينانشال تايمز" أنه على الرغم من أن كبار المسؤولين الأميركيين أشاروا إلى علاقة بناءة بشكل كبير مع بكين، إلا أن إدارة بايدن قللت من الآمال في تخفيف فوري للرسوم الجمركية ضد الصين، يتحدث إسماعيل عن أثر العلاقات الأميركية الصينية على آفاق اقتصاد بكين، وفي رأيه أنه "بعد زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين للصين، فإن البلدين يتجهان لما يمكن تسميته بالتنافس التعاوني.. ربما ستقل حدة الخفلافات في الفترة المقبلة، في ضوء إدراك الجانبين أهمية الحاجة للوصول إلى تفاهمات خاصة، على الأقل في مجال التبادلات التجارية".
ويضيف: "ولا أتوقع أن نشهد كثيراً من الخلافات التجارية الكبرى سواء ممثلة في فرض رسوم أو منع صادرات وواردات إضافية.. أعتقد بان العلاقات سوف تشهد نوعاً من الانفراجة فيما يخص الشق التجاري تلبية لمتطلبات أساسية لدى الطرفين".