سجّلت عمليات تسريح الموظفين من شركات التكنولوجيا مستويات قياسية في النصف الأول من العام الجاري 2023، وذلك في وقتٍ تحتدم فيه المنافسة بين عمالقة التكنولوجيا حول العالم، لا سيما فيما يخص تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ومنذ مرحلة ما بعد جائحة كورونا، عزز التباطؤ الاقتصادي الذي شهده العالم، من عمليات تسريح الموظفين، جنباً إلى جنب مع تداعيات الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها الاقتصادية الشاملة، في وقت سعت فيه كذلك شركات التكنولوجيا إلى معالجة الاختلالات الداخلية الناجمة عن عمليات التوظيف التي قامت بها خلال فترة الجائحة ومع تزايد اتجاهات العمل عن بعد، وبما دفع حينها الشركات لتعيين المزيد من الموظفين لاستيعاب هذه المتغيرات التي شهدتها أسواق العمل في تلك المرحلة.

وبموازاة تلك الأسباب التي تأتي في خطٍ متوازٍ مع أزمة تكلفة المعيشة أيضاً، فإنه يُنظر للطفرات المُحققة على صعيد الذكاء الاصطناعي، باعتبارها عامل مؤثر في إعادة صياغة وتشكيل سوق العمل، بما يؤثر على عديد من الوظائف ويعزز موجات التسريح بالنسبة للأعمال التي لا تتطلب مهارات بشرية قوية ويمكن الاستعاضة عنها بالذكاء الاصطناعي.

بينما في المقابل يخلق التطور في هذا المجال فرص عمل أخرى تتطلب مهارات جديدة.

أخبار ذات صلة

كيف توظف "الذكاء الاصطناعي" في رحلة البحث عن عمل؟
قرار الأمم المتحدة بشأن "حقوق البشر" أمام الذكاء الاصطناعي

تشير بيانات Layoffs.fyi وهي شركة ناشئة تتعقب عمليات تسريح العمالة التقنية منذ جائحة كورونا، إلى أنه خلال الفترة المنقضية من العام الجاري 2023 تم تسريح 216364  موظفاً  من 844 شركة تقنية، بينما في العام 2022 تم تسريح 164709 موظفاً من 1058 شركة.

وبالنظر إلى تأثير "الذكاء الاصطناعي" كعامل أو سبب رئيسي في عمليات التسريح المذكورة، فإن تأثيره في شهر واحد على سبيل المثال وهو شهر مايو الماضي، تمثل في فقدان 4 آلاف شخص وظائفهم من إجمالي 80 ألف عملية تسريح خلال الشهر نفسه، بحسب تقرير لـ Business Insider.

موجات تسريح سريعة

الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": شهدت صناعة التكنولوجيا عمليات تسريح كبيرة للعمال في العام 2023، وقد فقد ما يقرب من 250 ألف عامل وظائفهم حتى الآن.

أسباب تسريح العمال متعددة الأوجه، وتشمل عوامل مثل التباطؤ الاقتصادي، وتأثيرات الحرب في أوكرانيا، وعمليات التوظيف خلال جائحة كورونا، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة.

ومع ذلك، لا يزال تأثير الذكاء الاصطناعي على تسريح العمالة التقنية في النصف الثاني من العام 2023 غير مؤكد. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على أتمتة المهام التي كان يؤديها البشر سابقاً، مما يؤدي إلى تخفيضات محتملة في الوظائف، إلا أنه يمكن أن يسهم أيضاً في توفير التكاليف وخلق فرص عمل جديدة. تشمل عدة نقاط يتعين مراعاتها فيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي على تسريح العمالة التقنية، يرصدها بانافع فيما يلي:

  • خلق فرص العمل: بينما يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تسريح العمال في مناطق معينة، فإنه يمكن أيضاً أن يخلق وظائف جديدة في قطاعات أخرى. على سبيل المثال، قد يكون الذكاء الاصطناعي مفيداً في تطوير منتجات وخدمات مبتكرة، بما يستلزم تعيين موظفين جدد يتمتعون بالمهارات ذات الصلة.
  • تقسيم القوى العاملة: قد يؤدي إدخال الذكاء الاصطناعي إلى قوة عاملة متفاوتة، مع استبدال الذكاء الاصطناعي ببعض العمال، بينما يجد البعض الآخر فرص عمل جديدة تتطلب مستويات مهارات أعلى. وقد تكون جهود تحسين المهارات وإعادة تشكيلها ضرورة لضمان قدرة العمال على التكيف مع متطلبات الوظيفة المتطورة.
  • التأثير الخاص بالصناعة: يختلف تأثير الذكاء الاصطناعي على تسريح العمالة التقنية عبر الصناعات. قد تكون وظائف خدمة العملاء أكثر عرضة لأتمتة الذكاء الاصطناعي مقارنة بالأدوار في تطوير البرمجيات.

أخبار ذات صلة

كيف تؤثر ضغوطات السوق على "صناعة إدارة الأصول"؟
"يريد اكتساح العالم".. لماذا أطلق ماسك "إكس إيه آي"؟
هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي عملنا؟

ويضيف الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة: "بالنظر إلى الفوائد والتحديات المحتملة المرتبطة بتطبيق الذكاء الاصطناعي، من الضروري مراقبة تأثيره على القوى العاملة.. يتعين أن يعمل صانعو السياسات على وضع استراتيجيات تضمن انتقالاً عادلاً وشاملاً، وتعزز فوائد الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من الآثار السلبية المحتملة.

وبالإضافة إلى النقاط المذكورة، تتضمن بعض المجالات المحددة التي قد يؤدي فيها الذكاء الاصطناعي إلى تسريح العمال أو تغيير الوظائف ما يلي:

  • روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي: نظراً لأن روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر تقدماً، فإنه يمكنها التعامل مع عدد متزايد من تفاعلات العملاء، مما يقلل من الحاجة إلى موظفي خدمة العملاء.
  • التسويق المدعوم بالذكاء الاصطناعي: يمكن لأتمتة مهام التسويق، مثل التسويق عبر البريد الإلكتروني والإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال الذكاء الاصطناعي، أن تقلل من القوة العاملة المطلوبة في أقسام التسويق.
  • تطوير البرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي: يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة جوانب معينة من تطوير البرامج؛ مثل إنشاء الكود واختباره، ما قد يقلل من عدد الأشخاص اللازمين لهذه المهام.

ومع ذلك، من الضروري ملاحظة أنه يمكن أيضاً الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات وتحسين الكفاءة، ما قد يؤدي إلى تعويض تكلفة تسريح العمال.

علاوة على ذلك، يمكن أن تخلق التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي فرص عمل جديدة في مجالات مثل علم البيانات والتعلم الآلي.

ووفق بانافع، فإنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤثر على تسريح العمالة التقنية، إلا أنه يمكن أن يسهم أيضاً في خلق فرص العمل وتحسين العمليات. ويعتمد مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على عوامل مختلفة، بما في ذلك التقدم التكنولوجي والظروف الاقتصادية.

كما تعد مراقبة هذه التغييرات والتكيف معها أمراً حيوياً لضمان انتقال سلس وتعظيم فوائد الذكاء الاصطناعي في صناعة التكنولوجيا.

إعادة تشكيل سوق العمل

من جانبه، يشير أخصائي التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الذكاء الاصطناعي يتسبب في قلق العاملين بمختلف المجالات، فمن ناحية يسهم بشكل أو بآخر في تسريح العمال في بعض الشركات، ومن ناحية أخرى يخلق فرص عمل جديدة، مثله في ذلك مثل أية تقنية جديدة يشهدها العالم، تُحدث إعادة ترتيب لسوق العمل على نحو يؤثر سلباً على مهارات معينة، وفي نفس الوقت تخلق فرص عمل جديدة بمهارات مختلفة".

أخبار ذات صلة

ما أسباب معاناة اليابان في إنتاج الذكاء الاصطناعي؟

ويتابع: "ليس بوسع الذكاء الاصطناعي القيام بكل المهام والوظائف بشكل كامل، ولا يُمكن الاعتماد عليه كلياً للحصول على النتائج المرجوة كاملة، إذ لا يزال يفتقد للعقل البشري.. وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفيد بشكل كبير في المجالات التي لا تتطلب مهارات واسعة، وفي خدمة العملاء، لكنه بحاجة إلى مراجعة وتدقيق بشري لدى توظيفه بالمجالات الأخرى".

وتبعاً لذلك، يشير إلى أنه يمكن لتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي خلق المزيد من فرص العمل التي تتطلب مهارات جديدة، وكذلك دعم وجود تخصصات جديدة في الجامعات التي تفتح أبوابها أمام مجالات جديدة دراسية وتقدم شهادات علمية مختلفة، لا سيما فيما يتعلق بمجالات تدريب الآلات وابتكار البرامج والخوارزميات.

ويستطرد: "على مستوى سوق العمل، فإن الشركات سوف تطلب مزيداً من الموظفين في مجالات تدريب الذكاء الاصطناعي، تماماً كما هو الحال بالنسبة لفترة بداية وسائل التواصل الاجتماعي، والتي خلقت معها مهارات ووظائف جديدة مرتبطة بالسوشيال ميديا، حتى صارت هنالك شركات ومكاتب خاصة لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد عليها المؤسسات المختلفة، وصارت وظيفة مرموقة.. هذا من المرجح أن يحدث مع الذكاء الاصطناعي، والذي يُتوقع أن يشهد طفرة في توظيفه".