بينما تُواجه العملات المشفرة مجموعة من التحديات، لا سيما فيما يتعلق بتشديد القيود التنظيمية عليها من جانب عدد من الهيئات الرقابية، إلا أنها في الوقت نفسه تستفيد من بعض المحفزات التي تسعى من خلال استغلالها إلى العودة إلى المستويات القياسية التي حققتها في 2020-2021، بعد الصدمات الكبرى التي مُنيت بها في العام الماضي.
وخلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري 2023، اتسم أداء العملات المشفرة بالتذبذب، مع وصول القيمة السوقية دون التريليون دولار في مارس الماضي، قبل أن تُعاود تصحيح المسار تدريجياً في الشهرين الماضيين.
فما الذي ينتظر سوق الكريبتو في النصف الثاني من العام؟ وما هي العوامل التي تُحدد اتجاهاتها المستقبلية؟ وما التأثير المرتقب لاتجاهات خفض البنوك المركزية لوتيرة رفع الفائدة على العملات الرقمية؟
الفرص والتحديات
المدير التنفيذي بشركة VI Markets، أحمد معطي، يشرح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" العوامل الرئيسية التي أثرت على أداء العملات المشفرة خلال النصف الأول من العام الجاري 2023، والعوامل التي يُتوقع أن تكون لها تأثيرات (سواء إيجابية أو سلبية) في النصف الثاني من العام.
وفي وقت حققت فيه العملات المشفرة -خلال النصف الأول من العام ككل- مكاسب واسعة (رغم القيود التنظيمية من جانب الهيئات الرقابية في بعض الدول)، يقول معطي إنه "خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، شهدت القيمة السوقية للعملات المشفرة تراجعات واضحة، قبل أن تشهد ارتفاعات جديدة في الشهرين الأخيرين".
- حققت "بتكوين" مكاسب نسبتها 83 بالمئة في النصف الأول من العام الجاري (مُتجاوزة مستوى الـ 30 ألف دولار).
- لا تزال "بتكوين" أقل بما يزيد عن 50 بالمئة عن أعلى مستوى وصلت إليه.
- ارتفعت عملة سولانا الرقمية منذ بداية العام وحتى نهاية النصف الأول بنسبة 84.4 بالمئة، وإيثريوم (59.6 بالمئة)، ولايتكوين (55.5 بالمئة). بينما تراجعت دوج كوين بنسبة 2.85 بالمئة.
ويوضح معطي أنه في الأشهر الأولى من العام تراجعت القيمة السوقية للعملات المشفرة دون التريليون دولار، وتحديداً عند أدنى مستوى لها بحدود 899 مليار دولار لجميع العملات المشفرة -قبل أن تعاود الارتفاع إلى 1.2 تريليون أخيراً- وبما يشكل تراجعاً حاداً بالنظر إلى أن القيمة السوقية لتلك العملات كانت قد بلغت الـ 3 تريليونات دولار في وقت سابق، وتحديداً في العام 2020 بالتزامن مع أزمة جائحة كورونا، وفي ضوء الحزم التحفيزية وطباعة الأموال في الولايات المتحدة الأميركية خلال تلك الفترة".
بدأت العملات المشفرة تلقي صدمة تلو الأخرى خلال العام الماضي 2022، سواء فيما يرتبط بالانهيارات التي شهدتها بعض العملات وكذلك الاختراقات المُتكررة وحتى إفلاس "إف تي إكس"، وذلك بعد عام مزدهر في 2021، لتفقد الزخم تدريجياً بعد ذلك جراء تلك الصدمات المُتكررة، وبما انعكس على أدائها، لجهة قيم وأحجام التداول.
وانخفضت القيمة السوقية للعملات المشفرة من نحو 2.2 تريليون دولار أميركي في مطلع 2022، إلى نحو 800 مليار دولار أميركي في نهايتها بحسب بيانات "كوين ديسك"، حيث كانت عملة البيتكوين نجمة هذا التراجع المروع، إذ فقدت أكثر من 60 في المئة من قيمتها.
أبرز الأسباب
كان من بين أبرز الأسباب خلف تلك التراجعات التي تواصلت حتى الأشهر الأولى من العام، بحسب معطي، ما يلي:
- سياسة التشديد النقدي التي اتبعتها البنوك المركزية، وفيما يخص رفع معدلات الفائدة للسيطرة على التضخم، وبالتالي صارت هنالك فرص استثمارية واضحة أكثر وآمنة أمام المستثمرين من أجل أن يضعوا أموالهم في البنوك.
- أزمة الثقة التي يعاني منها "الانفولونسر" البارزين في هذا القطاع، على رأسهم إيلون ماسك الذي يدعم "دوج كوين"، والذي قال إن تلك العملة في طريقها للوصول إلى "1 دولار" وذلك قبل أن تهبط إلى 7 سنت. علاوة على نجيب بقيلة (رئيس السلفادور) والذي اعتمد البتكوين كعملة دفع رسمية، وبالتالي عززت الخسائر التي منيت بها تلك العملات "أزمة الثقة" في ما يقوله المشاهير في هذا الاتجاه.
- أزمة الثقة في المنصات نفسها، لا سيما بعد إفلاس منصة "إف تي إكس"، وما أحدثه ذلك من أزمة كبيرة في هذا المجال، ومع تزايد حالات الاختراق، وغلق المنصات.
كما يتحدث في الوقت نفسه عن ما تشهده منصة بينانس، أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم، والتي يتم تقييدها بصورة كبيرة في عدة دول أوروبية خلال الفترة الأخيرة، وهو من ضمن العوامل التي تشكل تهديداً وتعزز تصاعد المخاوف إزاء منصات العملات الرقمية، وبما ينعكس على السوق عموماً.
وكانت "بينانس" قد فقدت ربع حصتها في السوق في الأشهر الثلاثة الماضية، في وقت تلاحقها فيه هيئة رقابة أميركية بسبب انتهاكها المزعوم للقوانين الفيدرالية.
جاء التراجع الحاد في الوقت الذي دخلت فيه "بينانس" في منافسة تجارية أكثر صرامة، والمزيد من التدقيق في أنشطتها من قبل المنظمين الأميركيين.
ارتفاع محدود
لكن المدير التنفيذي بشركة VI Markets يوضح في الوقت نفسه أنه خلال الشهرين الماضين، وبعد نزول العملات المشفرة دون التريليون دولار، بدأت في الارتفاع من جديد إلى حدود 1.2 تريليون دولار، لكنها ارتفاعات محدودة (بعيدة عن القمة السابقة عند 3 تريليونات دولار)، ويشرح بعض الأسباب المؤدية لذلك، على النحو التالي:
- تأثير إعلان "بلاك روك" وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، عن صندوق متداول فوري يركز على "بتكوين"، وبما دعم سوق العملات المشفرة.
- التنبؤات الخاصة بأن تشديد السياسة النقدية سوف يتراجع تدريجياً خلال المرحلة المقبلة، وبالتالي يشجع ذلك المستثمرين إلى التفكير في العودة للعملات المشفرة.
- أثر تفاقم التوترات الجيوسياسية، والتطورات التي يشهدها العالم من بينها أخيراً تمرد "فاغنر" في روسيا، وأثر ذلك على اتجاه بعض الروس إلى اللجوء للعملات المشفرة من جديد.
عودة الزخم
ويُنظر إلى تلك التقلبات التي تشهدها الأسواق باعتبارها قد تشكل عاملاً لاستعادة زخم العملات المشفرة، لا سيما في ظل حالة عدم اليقين التي تفرضها نفسها على الاقتصاد العالمي، وبالتالي قد تمثل العملات ملاذاً بالنسبة لأموال البعض للهروب من تبعات تلك التطورات.
لكنّ الاقتصادي الأميركي، الأستاذ بكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، جيفري فرانكل، لا يرى إمكانية أن تُشكل العملات المشفرة ملاذاً للحفاظ على أموال المودعين في فترات الاضطرابات الاقتصادية.
ويقول في تصريحات خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "من وجهة نظري، لم تكن العملات المشفرة ملاذاً آمناً على الإطلاق"، وتبعاً لذلك فإنه يؤكد وجهة نظره المرتبطة بمستقبل تلك العملات التي تواجه خطر الانهيار بشكل دائم.
ويلفت الأستاذ بكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، في السياق نفسه إلى أثر إجراءات رفع أسعار الفائدة التي اتخذتها البنوك المركزية لكبح جماح التضخم، على انخفاض وتراجع تلك العملات منذ ذلك الحين.