لوح نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، الخميس، بالاستقالة قبل انتهاء ولاية حاكم المركزي رياض سلامة، في خطوة تهدف للضغط على الطبقة السياسية لتعيين بديل عنه في بلد تنهشه أزمات عدّة.
وتنتهي في 31 يوليو ولاية سلامة، أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم، والذي تشكّل ثروته منذ عامين محور تحقيقات في لبنان والخارج، إذ تلاحقه شبهات عدة بينها اختلاس وغسل أموال وتحويلها إلى حسابات في الخارج و"إثراء غير مشروع".
وقال مسؤول في حاكمية مصرف لبنان لوكالة فرانس برس، "ينبغي تعيين حاكم أصيل لأنه لا يمكن ترك هذه المؤسسة من دون رأس، خصوصاً أن لدى الحاكم صلاحيات واسعة ولا يمكن الاستغناء عنه".
وأضاف "ما لم تعيّن الطبقة السياسية بديلاً، فإن نواب الحاكم سيذهبون الى خيار الاستقالة قبل انتهاء ولايته".
وكان النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان شددوا في بيان مشترك، الخميس، على ضرورة تعيين بديل عن سلامة "في أقرب وقت، وإلا سنضطر الى اتخاذ الاجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة"، معتبرين أنه "لا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال على السلطة النقدية الأعلى في الدولة".
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر، فشل البرلمان اللبناني 12 مرة في انتخاب رئيس، على وقع انقسام سياسي حاد ينعكس كذلك على ملء الشغور في الإدارات العامة وبينها حاكمية مصرف لبنان.
وتدير البلاد منذ أشهر حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة، في وقت تغرق البلاد منذ نحو أربع سنوات في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ويشترط المجتمع الدولي تطبيق إصلاحات ملحة لتقديم دعم مالي.
وبحسب قانون النقد والتسليف، يُعيّن الحاكم لست سنوات بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية، على أن يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية.
وفي حال شغور المنصب، يتولى نائب الحاكم الأول، وهو المنصب الذي يشغله حالياً وسيم منصوري، مهام الحاكم ريثما يعين بديل.
إلا أن المسؤول في مصرف لبنان أفاد عن رفض منصوري تسلّم مهام حاكم المصرف المركزي، في ظل الشلل السياسي القائم الذي لا يمكن تكهن موعد انتهائه وامتناع السلطات عن تنفيذ إصلاحات ضرورية بينها إعادة هيكلة القطاع المصرفي، يشترطها المجتمع الدولي لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية المتمادية منذ نحو أربع سنوات.
وقال المصدر ذاته "إذا كانت الطبقة السياسية عاجزة عن تعيين حاكم مصرف مركزي، فهذا يعني أنه ليس لديها نيّة لتنفيذ أي إصلاحات".
وتضع استقالة النائب الأول لحاكم المركزي البلاد التي استنزفتها أزمات متكررة مدى السنوات الأربع الماضية أمام سيناريو كارثي، إذ تعني "تعطل العمل" في القطاعات كافة.
ويشهد لبنان منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم.
وقد خسرت الليرة أكثر من 98 في المئة من قيمتها وبات غالبية السكان تحت خط الفقر على وقع قيود مصرفية مشددة وأزمة سيولة حادة.
وتزيد الأزمة المتوقعة في حاكمية المصرف المركزي الوضع سوءاً في بلد يقوم نظامه على المحاصصة الطائفية والسياسية، ويتطلب تعيين موظفين من الدرجة الأولى توافقاً سياسياً، يبدو من الصعب توافره في الوقت الراهن على وقع الانقسامات الحادة.
وقال مسؤول ثان في مصرف لبنان لفرانس برس "خيار الاستقالة لن يتأخر" مضيفاً "لا يمكن لنواب الحاكم حمل المسؤولية، فيما تواصل الطبقة السياسية شراء الوقت".
وتابع "لا يمكننا مواصلة العمل على هذا النحو".
وحذّر صندوق النقد الدولي قبل أسبوع من أن "استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه يشكل الخطر الأكبر على استقرار لبنان الاقتصادي والاجتماعي، ويقود البلاد الى طريق لا يمكن التنبؤ به".
وبينما يبدو الملف اللبناني غائباً عن الاهتمام الدولي وحتى الإقليمي، تقود فرنسا، بلا جدوى، منذ أشهر حراكاً لإنهاء الشلل السياسي.
وزار مبعوث الرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان الشهر الماضي بيروت حيث بحث مع المسؤولين في أزمة الشغور الرئاسي، في وقت يتوقع محللون سعي باريس للتوصل إلى صفقة شاملة، لا تتضمن فقط انتخاب رئيس بل أيضاً تعيين رئيس حكومة وحاكم لمصرف لبنان وقائد للجيش، الذي تنتهي ولايته خلال أشهر.