منافسة حامية الوطيس تشتعل بين عملاقي التواصل الاجتماعي (ميتا) و(تويتر)، بما يحظيان به من مزايا واسعة وقاعدة مستخدمين هائلة.
تخوض "تويتر" تلك المنافسة وسط تحديات متصاعدة ورؤية ضبابية بالنسبة لمستقبلها، في ظل التخبطات الداخلية وحالة الفوضى التي تحدثها سلسلة القرارات المتخذة خلال الأشهر الأخيرة من قبل مالكها الجديد "إيلون ماسك"، وما تتسببت فيه تلك القرارات من لغط واسع يؤثر على اتجاهات المستخدمين إزاء المنصة.
بينما على الجانب الآخر، فإن "ميتا" تنتهز الفرصة لتعزيز موقعها في تلك المنافسة التقليدية، وتُطلق من جانبها تطبيقاً جديداً ينافس "تويتر"، وهو تطبيق "ثريدز" الذي يحمل اسمه دلالة واضحة على طبيعة المنافسة، حيث طريقة "الثريد" المعروفة في تويتر لنشر تغريدات في متتابعة حول موضوع واحد.
وما بين "ميتا" و"تويتر" فإن المستخدم ربما هو الفائز الأكبر في هذا السباق؛ على اعتبار أن تلك المنافسة من شأنها تحفيز الابتكار وتعزيز تجربة وسائل التواصل الاجتماعي، عبر تقديم المنصات مزايا مختلفة تسعى من خلالها كل شركة لربح المستخدمين باعتبارهم أساس القيمة الحقيقية لتلك المنصات.
سياسات إيلون ماسك
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يُقدم الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، قراءة موجزة لمستقبل "تويتر" في ضوء تلك التحديات، يستهلها بالحديث عن سياسات إيلون ماسك وأثرها في الفترة الأخيرة منذ استحواذه على الشركة، على النحو التالي:
- تتكشف قصة "تويتر" كقصة واضحة عن سوء الإدارة، بقيادة أحد رواد الأعمال الأكثر ذكاءً في عصرنا، إيلون ماسك.
- في حين أن الدافع الحقيقي وراء استحواذه على"تويتر" لا يزال غير واضح، إلا أن فترة رئاسته للمنصة قد أدت بلا شك إلى حدوث فوضى غير مسبوقة.
- مع استمرار قيادة ماسك التي دامت ثمانية أشهر حتى الآن، يظل طريق المنصة إلى التعافي "غير مؤكد"، مع الأخذ في الاعتبار قراراته الصارمة، بما في ذلك تسريحات كبيرة للعمال وسلسلة من التحركات الاندفاعية التي يبدو أنها تظهر كل أسبوع تقريباً.
- تتضمن أحدث هذه القرارات تقييد عدد التغريدات التي يمكن للمستخدمين قراءتها بناءً على حالتهم (ما بين حسابات موثقة وحسابات غير موثقة والحسابات الجديدة)، وهي خطوة يبدو أنها تتعارض مع الهدف الأساسي لمنصة اجتماعية تزدهر من خلال زيادة مشاركة المستخدم وعائدات الإعلانات.
يضيف بانافع: "من الواضح أن ماسك لا يفضل الإعلانات كمصدر أساسي لإيرادات تويتر، وبدلاً من ذلك، فإنه يدافع بشدة عن نموذج قائم على الاشتراك، يُشار إليه بالتحقق من علامة الاختيار الزرقاء المرغوبة، ومع ذلك، فإن هذا يتعارض مع الفهم الراسخ في وادي السيليكون بأن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد على عائدات الإعلانات".
وبالتالي، يبدو أن هذا هو أحد أهم حسابات ماسك الخاطئة؛ نظراً لأن ما يقرب من 850 ألف حساب فقط تم التحقق منها حالياً من أصل 350 مليون مستخدم.
مستقبل تويتر
ويتحدث المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، في السياق نفسه عن نقاط التحول المذكورة، وأثرها على مستقبل الشركة، بقوله إن هناك حدثين من المحتمل أن يشكلا مستقبل تويتر:
- أولاً: يجلب تعيين رئيس تنفيذي جديد، ينحدر من NBC، تركيزاً متجدداً على إعادة تقديم الإعلانات، مع طمأنة الشركات بأن إعلاناتها لن ترتبط بالكراهية أو العنصرية أو أي محتوى مرفوض.
- ثانياً: يمثل إعلان "ميتا" عن "التطبيق القاتل" ثريدز، أول منافسة حقيقية لتويتر.
وبخصوص هذه المنافسة، يتابع الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، قائلاً: "من خلال تكاملها مع ما يقرب من 1.4 مليار مستخدم في انستغرام ودعم فرق "ميتا" الهندسية الماهرة، يشكل ذلك تهديداً ملموساً بالنسبة لـ "تويتر".
ويوضح أن الإصدار الوشيك من "ثريدز" يثير الترقب بشأن ردود فعل المستخدمين، فبينما هاجر الكثيرون سابقاً إلى منصات بديلة، أثبتت هذه التحركات أنها مؤقتة نظراً لقدرتها المحدودة على استيعاب تدفق المستخدمين الجدد.
ومع ذلك، سيكون من غير الحكمة التقليل من شأن ماسك؛ لأنه يزدهر في مواجهة المنافسة الحقيقية، كما يتضح من استجابته عندما بدأ صانعو السيارات الآخرون في تحدي هيمنة تسلا على السوق، ما دفعه إلى تجاوز كل التوقعات في تسليم السيارات الكهربائية.
ويرى أن الأسابيع القادمة تعد بفصل مثير للاهتمام، حيث نلاحظ استجابة ماسك لتطبيق مارك زوكربيرغ الجديد، وقد يجبر هذا التحدي ماسك على تبني نهج أكثر قياساً، مما يؤدي إلى اتخاذ إجراءات مدروسة.
علاوة على ذلك، من المرجح أن يكون للمدير التنفيذي المعين حديثاً في تويتر تأثير أكبر في توجيه اتجاه الشركة، كما يتضح من النجاح في إقناع ماسك بزيادة حد قراءة التغريدات لتقليل التأثير على معظم المستخدمين.
ويضيف خبير تكنولوجيا المعلومات:
- لا شك أن الصدام بين هذين العملاقين التكنولوجيين مع أساليب الإدارة المتناقضة سيوفر دروساً قيمة خلال هذه المسابقة.
- المنتصر النهائي في هذا التنافس يظل المستخدم، وهو جوهر كلا النظامين.
- ستوفر الديناميكيات التي تتكشف بين عمالقة التكنولوجيا رؤى ومعرفة لا تقدر بثمن.
- تدفع المنافسة كلا الشركتين إلى الابتكار وتعزيز تجربة وسائل التواصل الاجتماعي.
"ميتا".. منافس شرس
وإلى ذلك، يشير المحلل التقني، أخصائي التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى تفاقم التحديات التي تواجهها "تويتر" منذ استحواذ إيلون ماسك على الشركة، بالنظر إلى القرارات المتخبطة التي اتخذها، سواء فيما يتعلق بالتعامل مع الموظفين (تسريح أعداد كبيرة أو نقل الموظفين ما بين الأقسام) وكذلك القرارات المرتبطة بالمستخدمين بشكل مباشر.
بخصوص القرارات المرتبطة بالمستخدمين، يوضح أن "تطبيقات التواصل الاجتماعي لا قيمة لها بدون المستخدمين والمحتوى المنشور عليها.. أعداد المستخدمين هي التي تمنح تلك التطبيقات القيمة"، وبما يكشف جانباً من الأزمة التي تواجهها "تويتر". وتبعاً لذلك التخبط، يشير الناطور إلى حجم الخسائر التي تواجه "تويتر" والتي تتسبب فيها سياسات إيلون ماسك.
قبل نهاية مارس الماضي، أظهرت وثيقة داخلية اطلعت عليها وسائل إعلام أميركية أن إيلون ماسك يقدّر قيمة تويتر بـ 20 مليار دولار، بعدما كانت القيمة التقديرية 44 ملياراً عند استحواذه على الشبكة الاجتماعية قبل أشهر.
من بين القرارات التي يشير إليها الناطور، ما يتعلق بالحسابات الموثقة، وما صاحب ذلك من جدل بعد إقرار اشتراكات عليها، وما خلفه أيضاً في سياق تحول تويتر إلى منصة لنشر الأخبار الكاذبة، على اعتبار أن "أي شخص لديه الإمكانات المادية يُمكن له توثيق حسابه ونشر ما يريد من أخبار تلقى رواجاً بين الناس".
وفي سياق متصل، يلفت المحلل التقني، أخصائي التطوير التكنولوجي، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تحدٍ آخر ينتظر "تويتر" وهو المرتبط بالمنافسة المرتقبة مع تطبيق ميتا "ثريدز" وهو تطبيق للنصوص تابع لإنستغرام.
يأتي الإطلاق بعد أن أعلنت تويتر قائمة من القيود على استخدام التطبيق، منها الحاجة إلى حسابات موثقة لاستخدام تويت.دك.
ويعتقد الناطور بأن التطبيق الجديد ستكون له مزايا قوية في مواجهة تويتر، لعدة أسباب؛ أهمها أن "ميتا" بجميع منصاتها تتعامل مع عدد هائل من المستخدمين، بينما كانت ولا تزال تلك المنصات مجانية، فيما تستفيد الشركة من جمع المعلومات للتسويق.
ومن بين الأسباب أيضاً تعامل "ميتا" مع قاعدة بيانات واسعة توفرها منصاتها المختلفة، بحيث هي متواجدة على كل هاتف تقريباً.
ويضيف: "التنافس سوف يشتد، خاصة إذا ما تم دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بالتطبيق، وفي ظل ما نراه من ثورة كبيرة تحدث في هذا القطاع".