سيطرت طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي، على اهتمامات المستثمرين في العالم خلال النصف الأول من 2023، فدخول شركات التكنولوجيا الأميركية، في سباق محموم لطرح هذه التقنيات، جعل المستثمرين يتهافتون على شراء أسهم هذه الشركات، ما قدم دعماً قوياً للسوق.
وقد أدت طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال النصف الأول من 2023، إلى تحرر أسهم التكنولوجيا من الأثر السلبي لتراجع الاقتصاد العالمي بفعل المخاوف الجيوسياسية، واستمرار المركزي الأميركي بتشديد سياسته النقدية، إضافة إلى الاضطرابات التي شهدها القطاع المصرفي في أميركا وأوروبا، والتأثير السلبي الذي خلقته حالة الجدل بشأن سقف الدين الأميركي.
وخلال أول 6 أشهر من 2023، حقق مؤشر "ناسداك"، الذي يعد معياراً أساسياً لأسهم التكنولوجيا الأميركية، ارتفاعاً بنحو 40 بالمئة بحسب بلومبرغ، مسجلاً أفضل أداء نصف سنوي له منذ عام 1983، حيث أضافت طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي نحو 5 تريليونات دولار، إلى قيمة الشركات التي يضمها المؤشر.
قائمة الشركات المستفيدة
وتصدرت شركة "إنفيديا" قائمة المستفيدين في مؤشر "ناسداك"، إذ ارتفع سهم الشركة بنسبة 187 بالمئة، لتتجاوز القيمة السوقية للشركة، حاجز التريليون دولار لأول مرة على الإطلاق. في المقابل تمكنت شركة "آبل" من وضع بصمتها في التاريخ، حيث ارتفع سهم الشركة، بأكثر من 50 بالمئة خلال أول ستة أشهر من العام، لتتخطى القيمة السوقية للشركة حاجز الـ 3 تريليونات دولار، بنهاية آخر أيام تداول من شهر يونيو 2023.
أما سهم "مايكروسوفت" فقد ارتفع بنسبة تفوق الـ 45 بالمئة منذ بداية العام الجاري، فيما صعد سهم تسلا بحوالي 112 بالمئة، وسهم إنتل بنحو 21 بالمئة.
وفي حين قدم قطاع التكنولوجيا دعماً قوياً لسوق الأسهم الأميركي، حذر بعض الخبراء من أن جنون المستثمرين بالجيل الجديد للذكاء الاصطناعي يخفي بعض الحقائق والتهديدات الاقتصادية القاتمة، التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية، والتي ترسم صورة مناقضة تماماً، للذي حصل في سوق أسهم التكنولوجيا خلال النصف الأول من 2023.
مخاطر استمرار رفع الفائدة
ويقول الباحث الاقتصادي دانيال ملحم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أسهم التكنولوجيا استفادت من نبرة التفاؤل، حيال تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال النصف الأول من 2023، ولكن يمكن للنصف الثاني من العام، أن يحمل مفاجآت سيئة لأسهم التكنولوجيا ولسوق الأسهم ككل، بسبب استمرار لهجة البنك المركزي الأميركي المتشددة بشأن الفائدة، مشيراً إلى أنه مع توقعات لجوء المركزي الأميركي لرفع الفائدة مرتين أخريين هذا العام، فإن ذلك سيؤدي إلى ضغوط جديدة على الأسواق المالية، حيث يشعر بعض المستثمرين بالقلق، من أن الأسهم الأميركية هي التالية في خط المعاناة، إذا استمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في تشديد سياسته.
وبحسب ملحم فإن قطاع التكنولوجيا حساس بالنسبة لسعر الفائدة المرتفع، إذ أن ارتفاع تكاليف الاقتراض أدى إلى تسجيل أسهم التكنولوجيا خسائر كبيرة في النصف الثاني من 2022، إلا أن الضجيج المبالغ فيه، بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي، والذي وقع خلال أول 6 اشهر من 2023، غذى ارتفاعات الأسهم التكنولوجية بشكل غير متوقع.
وبالنظر إلى المستقبل، فإنه إذا أرادت أسهم التكنولوجيا الاستمرار في الارتفاع، فسيحتاج ذلك إلى توسع سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأي أخبار سيئة في هذا المجال، قد تؤدي إلى انخفاضات في الأسهم في ظل استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، بحسب ملحم.
ونجح الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في خفض التضخم بشكل كبير، وقد قرر خلال اجتماع شهر يونيو 2023 ترك أسعار الفائدة دون تغيير، ضمن نطاق 5 و5.25 بالمئة للمرة الأولى منذ يناير 2022، وذلك بعد تراجع التضخم إلى 4 بالمئة، في شهر مايو 2023 من ذروة 9.1 بالمئة قبل عام.
ورغم هذا التراجع لا يزال الفيدرالي الأميركي يشير إلى رفعين متتالين للفائدة، حتى نهاية 2023 بواقع 25 نقطة أساس لكل منها، وذلك لتحقيق هدفه بوصول التضخم إلى مستوى 2 بالمئة.
خطر الركود
ويضيف الباحث الاقتصادي دانيال ملحم، إنه بالنظر إلى احتمالات استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، حتى تحقيق المستهدف بالنسبة لمستوى التضخم، فستكون فرصة حدوث ركود اقتصادي كبيرة في أميركا بحلول نهاية 2023، ما سيغطي بأحداثه على الثورة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، فالركود يضع ضغوطاً سلبية على أرباح الشركات، التي ستقوم بتقليص ميزانياتها، واللجوء الى عمليات تسريح الموظفين.
وأشار إلى أن هذا السيناريو، سيدفع بالعديد من الشركات إلى تأجيل استثماراتها، في الموجة الحالية من الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي سينعكس فوراً سلباً على الأسهم.
مخاطر أزمة العقارات
من جهتها تقول الصحافية محاسن مرسل في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، يهدد بأزمة في سوق العقارات السكنية في الولايات المتحدة، حيث أدت الزيادات الحادة في أسعار الفائدة، من قبل الاحتياطي الفيدرالي، إلى تقليص قدرة مالكي العقارات، على الوفاء بمدفوعات الرهن العقاري، مشيرة إلى أن حجم الأصول المتعثرة بهذا الشأن، قفز بنسبة 10 بالمئة في الربع الأول من 2023 إلى حوالي 64 مليار دولار، وفقاً لتقرير MSCI Real Assets، في حين أن هناك أصولاً بقيمة 155 مليار دولار، معرضة لخطر التحول إلى حالة سيئة.
وتشير مرسل إلى وجود احتمالات كبيرة بأن يكون قطاع العقارات الأميركي ثاني القطاعات التي تنزلق إلى الاضطرابات في البلاد، في أعقاب الفوضى التي شهدها القطاع المصرفي في الأشهر الستة الأخيرة، بسبب تداعيات ارتفاع معدلات الفائدة، حيث انهارت 4 مصارف أميركية منذ بداية ،2023 بإجمالي أصول بلغت 500 مليار دولار، ما دفع السلطات التنظيمية للتدخل، ومنع انتشار العدوى لمصارف أخرى.
مخاطر التوترات مع الصين
وترى مرسل أنه في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الأميركي من مشاكل داخلية، فإنه يواجه أيضاً مخاطر خارجية، سببها الأول تباطؤ النمو في الصين، وضعف أرقام الإنتاج الصناعي هناك، حيث ينعكس ذلك سلباً على "وول ستريت"، في حين يتمثل السبب الثاني، بالتوترات المرتبطة بقطاع التكنولوجيا، بين الولايات المتحدة والصين، التي قامت في الساعات القليلة الماضية، بتصعيد مفاجئ قيدت من خلاله صادرات بعض المعادن شائعة الاستخدام في إنتاج أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والصناعات المتقدمة تقنياً، مؤكدة أن هذه الخطوة تعتبر بمثابة ضربة مؤلمة لصناعة أشباه الموصلات، والشركات الأميركية التي تركز على التكنولوجيا، وستنعكس نتائجها السلبية على أميركا في الفترة المقبلة.