يفتح قرار رفع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا، آفاقاً جديدة أمام تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، وهي العلاقات التي أبدت صموداً لافتاً خلال السنوات الماضية رغم التوترات الواسعة على الصعيد السياسي منذ العام 2013، بدليل تنامي معدلات التبادل التجاري خلال السنوات الماضية.
يأتي ذلك القرار بعد بمباحثات متصلة خلال السنوات الماضية بدأت بالمحادثات الاستشكافية في العام 2021، مروراً بعديد من المحطات التي أسفرت عن تذليل العقبات أمام استعادة العلاقات، التي يعد الجانب الاقتصادي رافعة رئيسية فيها، وفي ضوء جملة التطورات التي تشهدها العلاقات الإقليمية والدولية، مع التطورات الواسعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي على وقع التحديات التي فرضتها أزمة جائحة كورونا، ومن بعدها الحرب في أوكرانيا.
يُعول البلدان في ضوء تلك الخطوة على التأسيس لعلاقات طبيعية من جديد، وبما يعكس عزم مصر وتركيا المشترك على العمل نحو تعزيز علاقاتهما الثنائية لمصلحة الشعبين، وفق ما ورد في البيان الصادر عن الخارجية المصرية منتصف الأسبوع.
مستوى العلاقات الاقتصادية
الباحث المتخصص في الشؤون التركية، كرم سعيد، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن رفع العلاقات بين البلدين من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على مستوى العلاقات الثنائية، لا سيما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي يشكل حجر الزاوية في العلاقات بين مصر وتركيا.
ويضيف: "كانت هناك رغبة لدى البلدين في تحييد هذا الملف منذ بداية التوتر السياسي بينهما في العام 2013، وبالتالي كان البعد الاقتصادي بعيداً بشكل كبير عن تلك التوترات.. وتبعاً لذلك، فإن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بين البلدين من شأنه أن يعطي دفعة أكبر للملف الاقتصادي، وبما يعزز في الفترة المقبلة مزيداً من الاستثمارات التركية في قطاعات حيوية في القاهرة، ومزيداً من التبادل السياحي بين البلدين".
تشير البيانات الرسمية الصادرة في مصر، إلى أن قيمة الاستثمارات التركية في القاهرة بلغت 179.9 مليون دولار خلال العام المالي 2021-2022 مقابل 138.1 مليون دولار خلال العام المالي 2020-2021 بنسبة ارتفاع قدرها 30.3 بالمئة.
ويضيف سعيد: "أتصور أن التقارب سوف ينعكس كذلك على عديد من الملفات الإقليمية، وفي الصدارة منها ملف شرق المتوسط، لا سيما وأن مصر ليست لديها خلافات بحرية مع تركيا، وبالتالي يمكن أن يسهم التقارب في دفع أنقرة لتوظيف القاهرة كوسيط آمن ومعتبر في حل القضايا الخلافية المتعلقة بتعيين الحدود البحرية بين تركيا من ناحية وقبرص واليونان من ناحية أخرى".
ويستطرد: "هذا التقارب من شأنه أن يعطي لتركيا فرصة عبر لعب مصر دوراً مهماً وفي ظل بيئة خصبة من العلاقات، من أجل انضمام تركيا لمنتدى غاز شرق المتوسط".
- ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا ليصل إلى 7.7 مليار دولار خلال العام 2022، مقابل 6.7 مليار دولار خلال 2021 (زيادة 14 بالمئة)، بحسب البيانات الرسمية، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
- كانت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في العام 2019 عند حدود 5.4 مليارات دولار، بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي.
استعادة زخم العلاقات
من جانبه، قال الباحث في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا بقيت متواصلة خلال السنوات الماضية ولم تتأثر بالتوترات السياسية بين البلدين".
ويلفت في هذا السياق إلى صمود وتجديد اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين (اتفاقية وقعت في العام 2005 ودخلت حيز التنفيذ في العام 2007، ولا تزال قائمة رغم الخلافات السياسية بين البلدين على مدى السنوات العشرة الماضية)، والنمو الحادث في حجم التبادل التجاري بين البلدين والعلاقات على الصعيد الاقتصادي.
- سجلت الصادرات المصرية إلى تركيا 4 مليارات دولار خلال العام 2022، وذلك مقابل 3 مليارات دولار خلال العام 2021 (بنسبة ارتفاع قدرها 32.3 بالمئة).
- بلغت قيمة الواردات المصرية من تركيا 3.72 مليار دولار خلال العام نفسه، مقابل 3.74 مليار دولار خلال 2021 (بتراجع طفيف 0.7 بالمئة).
- سجلت قيمة تحويلات المصريين العاملين بتركيا 21.5 مليون دولار خلال العام المالي 2020-2021 مقابل 16.3 مليون دولار خلال العام المالي 2019-2020 بزيادة 32.3 بالمئة.
- بلغت قيمة تحويلات الأتراك العاملين في مصر 9.1 مليون دولار خلال العام المالي 2020-2021 مقابل 13.2 مليون دولار خلال العام المالي 2019-2020 بتراجع 31.1 بالمئة.
ويرى الديهي، أن "طبيعة العلاقات على المستوى الاقتصادي ستكون أكثر عمقاً خلال الفترة المقبلة، ومرشحة لمزيد من التطور بعد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي لمستوى السفراء، وفي ظل طموح البلدين لتعزيز العلاقات، لا سيما فيما يتعلق برؤية كل منهما للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة وتجارة الغاز".
ويشير الباحث في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى اكتشافات الغاز في مصر وتركيا، وطموح أنقرة للانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، وذلك في ضوء تغير نمط العلاقات الإقليمية في المرحلة الراهنة.
مكاسب مشتركة
وإلى ذلك، يُعدد الخبير الاقتصادي، الدكتور أشرف غراب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، مجموعة المكاسب التي تجنيها كل من مصر وتركيا جراء رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، على صعيد تنمية وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية؛ ذلك أنه من المرتقب أن يدعم ذلك مزيداً من الصفقات المشتركة بمليارات الدولارات، لتعزيز الاستثمارات التركية في القاهرة، علاوة على رغبة أنقرة في الحصول على مزيدٍ من الشحنات الخاصة بالغاز المسال المصري سنوياً.
ويُبرز غراب في الوقت نفسه مجموعة من العوامل التي تُشجع على زيادة الاستثمارات التركية في مصر، بالنظر إلى ما تشهده القاهرة من تطورات، بدءاً من العوامل الخارجية المرتبطة بتوسع القاهرة في علاقاتها الخارجية إقليمياً ودولياً، ووصولاً إلى العوامل الداخلية الخاصة بالتطور الواسع الذي يشهده مناخ الاستثمار في مصر، من خلال البنية التحتية وكذلك التشريعات ذات الصلة، وبما يشجع الاستثمار الأجنبي، وفي ضوء الفرص الاستثمارية التي تزخر بها القاهرة، مشيراً على سبيل المثال إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وكان السفير المصرى السابق فى أنقرة، العضو الفخري بمجلس الأعمال المصري التركي، السفير عبد الرحمن صلاح، قد كشف في وقت سابق عن تفاوض شركات تركية مع الحكومة المصرية لتنفيذ مشروعات باستثمارات 300 مليون دولار.
وفي ضوء تلك الآفاق الإيجابية التي تنتظر تطوير العلاقات بين البلدين، يعتقد غراب بأن حجم التبادل التجاري بين القاهرة وأنقرة (الذي هو في حدود 7.7 مليار دولار في 2022 طبقاً للبيانات الرسمية الصادرة في القاهرة) من الممكن أن يلامس مستويات أعلى من ذلك.
ففي أبريل الماضي، قال وزير الخارجية التركي السابق، مولود تشاووش أوغلو، إن أنقرة تستهدف رفع مستوى التبادل التجاري مع القاهرة إلى 15 مليار دولار، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره المصري، سامح شكري، شدد خلاله على أن بلاده تعمل على تحفيز الشركات التركية من أجل زيادة استثماراتها في مصر، وبشكل خاص الشركات السياحية. وقال أيضاً: "سوف نعمل على تنويع علاقاتنا مع مصر في مجال الطاقة، ونريد تطوير العلاقات المشتركة مع مصر لا سيما الاقتصادية".
وبالعودة لحديث غراب، فإنه يشير إلى أنه تبعاً لتلك التطورات فإنه من المتوقع أن يرتفع أيضاً حجم الصادرات المصرية إلى الأسواق التركية في المرحلة المقبلة.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عن العام 2022، إلى أن أهم 10 مجموعات سلعية استوردتها مصر من تركيا خلال العام، تضمنت التالي:
- حديد وصلب بقيمة 535.5 مليون دولار.
- مراجل وآلات وأجهزة آلية بقيمة 400.1 مليون دولار.
- وقود وزيوت معدنية ومنتجات تقطيرها بقيمة 312.7 مليون دولار.
- ومصنوعات من حديد أو صلب بقيمة 256.9 مليون دولار.
- منتجات كيميائية غير عضوية بقيمة 219.6 مليون دولار.
- لدائن ومصنوعاتها بقيمة 184.7 مليون دولار.
- سيارات وجرارات ودراجات بقيمة 177.8 مليون دولار.
- آلات وأجهزة ومعدات كهربائية بقيمة 129.2 مليون دولار.
- ورق بقيمة 110.4 مليون دولار.
- ألبان ومنتجات صناعة الألبان بقيمة 95.4 مليون دولار.