تشهد صناعة الترفيه ومختلف القطاعات المرتبطة بها طفرات واسعة، لا سيما مع التطور الرقمي السريع الذي يتيح مزيداً من الأفكار والفرص على المستويات كافة، غير أن مجموعة من التحديات تعترض تلك الصناعة وتستنزف منها مليارات الدولارات، من بينها عمليات القرصنة المستمرة رغم التشريعات والجهود المختلفة الهادفة للسيطرة عليها.
تهديدات القرصنة لا تقتصر عند حد قطاع بعينه ضمن القطاعات المرتبطة بصناعة الترفيه، إنما تشمل مختلف القطاعات بشكل أو بآخر، من صناعة الموسيقى والسينما والألعاب والمنتجات الفنيّة الخاصة بمنصات البث الجديدة وغير ذلك، فما إن تُشارك إحدى المنصات فيلماً أو مسلسلاً جديداً على سبيل المثال، لا يستغرق الأمر سوى ساعات قليلة، حتى يستطيع البعض الحصول عليه مجانا عبر المواقع غير الشرعية، التي تعمل على تسريب عدد هائل من المنتجات.
وفي ضوء ذلك لا تزال عمليات البحث عن المواقع غير الشرعية في تصاعد، عبر الإنترنت وبعض المنصات والتطبيقات، التي تتيح مجموعات مُتخصصة في تسريب الأعمال الفنيّة، والتي تلاحقها السلطات المختصة في عديد من البلدان بشكل متواصل وتعمل على إغلاقها، لكنّ الكثير منها يستطيعون التحايل على تلك الجهود، وسرعان ما تظهر منصات بديلة تقوم بنفس المهمة.
ولا يقتصر الأمر كذلك على تلك المواقع والمجموعات غير الشرعية؛ ذلك أن اتهامات تلاحق منصات شهيرة بالتباطؤ في حذف المحتوى الذي يشكل سطواً على الملكية الفكرية وحقوق البث، مثل النقل الحي لمباريات كرة قدم من خلالها على سبيل المثال.
وفي هذا السياق، انتشرت الكثير من حملات "التوعية" الهادفة إلى تحفيز الجمهور على عدم تشجيع تلك المواقع غير الشرعية، والعمل على الحصول على المواد الترفيهية من منصاتها الخاصة صاحبة الحقوق الحصرية، دعماً للصناعة، وعلى اعتبار أن نمو المنصات والمواقع التي تقدم المحتوى بشكل غير شرعي يضر بعائدات الصناعة وبالتالي يتسبب بشكل أو بآخر في تراجعها وتراجع المحتوى المقدم، وبما يشكل ضرراً على جميع الأطراف، بما في ذلك الجمهور.
واحدة من بين الأضرار المباشرة التي يواجهها الجمهور، بخلاف تضرره من إمكانية تراجع الصناعة في ضوء تلك التحديات المالية التي تفرضها عمليات القرصنة، هي إمكانية تعرض المشاهد لعمليات سطو مباشرة من خلال تلك المواقع.
وكان تقرير لمؤسسة "ديجيتال سيتزنز أليانس" بالتعاون مع شركة مكافحة القرصنة "وايت بوليت سولوشنز"، قد رصد في وقت سابق إلى وجود 84 ألف موقع ترفيه غير قانوني، وحذر من أن بعض تلك المنصات تتضمن إعلانات تضم روابط يستخدمها المتسللون من أجل سرقة المعلومات الشخصية أو شن هجمات إلكترونية، وهو ما يُعد محوراً مهماً من محاور التوعية بخطورة تلك المواقع.
قضية رئيسية
الاستاذ بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، جايسون سكوير، المتخصص في صناعة التسليه والترفيه، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن عمليات القرصنة تعد قضية رئيسية في جميع القطاعات المرتبطة بصناعة الترفيه والبرمجيات (بما في ذلك الموسيقى والسينما والكتب وغير ذلك).
ويشير الأكاديمي المتخصص في السياق ذاته إلى أن الصناعة (صناعة الترفيه عموماً بمختلف القطاعات المرتبطة بها) تصل خسائرها السنوية إلى مليارات الدولارات، جراء عمليات القرصنة المستمرة (رغم الجهود المبذولة في سياق مواجهة عمليات القرصنة والتشريعات الساعية للحد منها).
وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن شركة MUSO (شركة بيانات بريطانية توفر رؤية أكثر اكتمالاً للقرصنة العالمية والاستهلاك غير المرخص للوسائط)، فإن هناك:
- 215 مليار زيارة للمواقع غير القانونية في العام الماضي.
- 18 بالمئة ارتفاعاً بمعدلات القرصنة عبر الإنترنت بين عامي 2021 و2022 (بما تضمن 480 ألف فيلم ومسلسل تلفزيوني).
- "لا يزال من السهل الحصول على محتوى غير قانوني كما كان الحال دائماً"، طبقاً لتصريحات نقلتها فرانس برس عن الرئيس التنفيذي للشركة آندي تشاتيرلي.
ويضيف سكوير، "يتم العمل بشكل دائم على تحسين قدرات مكافحة تلك الظاهرة، لحماية الصناعة وحقوق المبدعين"، لا سيما في ظل الخسائر الهائلة التي يتم تكبدها جراء تلك العمليات التي تشكل تهديداً مباشراً للصناعة والعاملين بها.
وبرغم التقدم المحرز في سياق تضييق الخناق على عديد من منصات القرصنة، وإحكام الرقابة، إلا أن تلك المنصات وغيرها يسعون دائماً لتطوير أساليبهم لإتمام الاختراقات، مستغلين في ذلك الثغرات المتاحة.
عمليات القرصنة
الأستاذ في إدارة الصناعات الإبداعية بكلية الصناعات الإبداعية جامعة تورنتو متروبوليتان الكندية، لويس إتيان، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- تعد قرصنة المحتوى مشكلة مستمرة وواضحة في الصناعات الثقافية والإبداعية.
- يواصل المبدعون الكفاح من أجل الحصول على تعويض مناسب عن عملهم اليوم.
- هناك عديد من القضايا رفيعة المستوى التي شهدتها المحاكم ضد أمثال Napster (تطبيق موسيقي عبر الإنترنت)، أو LimeWire (برنامج مجاني لمشاركة الملفات)، و The Pirate Bay (موقع تورنت شهير).. إلخ.
ويشير إلى أن "هناك أيضاً أشكال أكثر دقة من القرصنة تحدث يومياً وتحرم عدداً لا يحصى من المبدعين من الأموال التي يحصلون عليها بشق الأنفس".
على سبيل المثال، سمح موقع Twitter منذ فترة طويلة بمشاركة الموسيقى على منصته دون آليات. فضلاً عن مشاركة كلمات المرور التي تسمح لملايين الأشخاص حول العالم بالوصول إلى الموسيقى والأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت دون دفع مقابل الاشتراكات.
- طالبت شركات موسيقية كبرى موقع Twitter، بمئات الملايين من الدولارات بسبب حقوق غير مدفوعة.
- اتهمت تلك الشركات المنصة المذكورة بـ "عدم بذل جهود كافية لمكافحة الاستخدام غير القانوني للأغاني على منصتها".
- أصدرت جمعية ناشري الموسيقى الأمريكية (NMPA) بياناً ذكرت خلاله أن Twitter تعد الشبكة الوحيدة التي ترفض إبرام صفقات لاستخدام ملايين الأغاني.
- ندد الموسيقيون بما وصفوه بـ "البطء" من جانب Twitter في إزالة المحتوى الموسيقي المنشور من دون إذن.
- قالو إن المنصة تستخدم ذلك المحتوى لجذب مستخدمي الإنترنت وتحقيق الدخل من خلاله.
ويشير إتيان، إلى أنه من غير المرجح أن تختفي قرصنة المحتوى في أي وقت قريباً.
وتعد الصناعات الرقمية بقطاع الترفيه رافداً أساسياً في هذا القطاع، ومن المتوقع أن تمثل إيراداتها نسبة 60 بالمئة من إجمالي إيرادات الترفيه عالمياً والمتوقع أن تتراوح بين 2.1 و2.6 تريليون دولار بحلول العام 2030، بحسب بيانات شركة "وايدر فيونيل" للاستشارات، في وقت تُعد فيه واحدة من أبرز الإشكاليات التي تجابه القطاع الرقمي ضمن تلك الصناعة هي إشكالية القرصنة المستمرة.
ويضيف لويس إتيان، "لسوء الحظ، يبدو أن الصناعة والمنظمين يلعبون دائماً دور اللحاق بالركب، وإغلاق منصة مشاركة غير قانونية واحدة فقط يقابلها ربما منصتان جديدتان في مكان آخر، كما يتم التحايل على إدخال تقنيات وقوانين ضد القرصنة فقط للعثور على القراصنة، وذلك من خلال إيجاد ثغرات وحلول أخرى من جانبهم".
ويختتم تصريحاته بقوله، "بالنسبة للجماهير يؤدي تدفق الأموال الأقل إلى منشئي المحتوى في النهاية إلى تقليل العروض وتقليل الابتكار. وكذلك بالنسبة لعديد من الفنانين الأفراد، فإن هذا يعني المزيد من النضال والضعف".