يُعول المغرب على التقدم الكبير المحرز في قطاع السيارات، جنباً إلى جنب مع عوائد القطاع السياحي، من أجل رفع معدلات النمو الاقتصادي، في وقتٍ يواجه فيه مجموعة من التحديات والضغوطات الاقتصادية المختلفة؛ من بينها ارتفاع معدلات التضخم وكلفة الواردات، علاوة على التبعات الشديدة لأزمة الجفاف على عديد من القطاعات، لا سيما القطاع الزراعي.
وبحسب تقديرات مجموعة البنك الدولي، فمن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي في المغرب 2.5 بالمئة في 2023، ثم 3.3 بالمئة في 2024 و3.5 بالمئة في 2025، وذلك مقارنة بنسبة نمو 1.1 بالمئة في 2022.
الارتفاع المتوقع في معدلات النمو يُرجعه البنك الدولي إلى قطاعي السياحة والسيارات.
ولكن في الوقت نفسه تُهدد الأزمات المرتبطة بالمناخ عودة الإنتاج الزراعي بالبلاد إلى مستوياته المعهودة قبل سنوات، في ضوء أزمة الجفاف، وبما يؤدي إلى إضعاف النمو.
مؤشرات مختلفة
يُقسم الخبير الاقتصادي المغربي، عبدالعزيز الرماني، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" الوضع الاقتصادي في بلاده إلى ثلاثة معطيات رئيسية:
- مؤشرات إيجابية تخلق نوعاً من التفاؤل.
- تحديات عميقة تشكل ضغوطاً اقتصادية ملحوظة.
- مؤشرات ضبابية يُنتظر أن يتم التعامل معها.
وفيما يخص المؤشرات الإيجابية، يتحدث الرماني بشكل أساسي عن الصادرات المغربية، لا سيما من قطاع السيارات، في وقت يستهدف فيه البلد 45 مليار دولار صادرات إجمالية في 2023، إضافة إلى عوائد القطاع السياحي، فضلاً عن تحويلات المغاربة العاملين بالخارج، بما شهدته تلك القطاعات من تطور واسع في العائدات أخيراً، ويقول:
- عرفت صادرات السيارات تحسناً كبيراً جداً منذ العام الماضي (تجاوزت 100 مليار درهم العام الماضي).
- مؤشرات إيجابية واسعة لصادرات السيارات هذا العام، حتى أنها قادت الصادرات المغربية منذ بداية السنة في المرتبة الأولى، متفوقة على الفوسفات والصادرات الغذائية، ويتوقع أن تتجاوز الـ 130 مليار درهم في 2023.
- في مرتبة تالية جاءت صادرات المحاصيل الغذائية والتحويلية وصادرات الفوسفات التي تراجعت هذه الفترة.
- هذه القطاعات تعطي مؤشرات اقتصادية جيدة جداً إذا ما أضيفت إليهم تحويلات المغاربة في الخارج، والتي يتوقع أن تواصل الانتعاش في أشهر الصيف بنسبة تصل إلى 20 بالمئة، وبعد أن حققت ارتفاعاً نسبته 12.8 بالمئة على أساس سنوي بنهاية أبريل، وبقيمة أكثر من 35.4 مليار درهم (3.55 مليار دولار).
- مداخيل القطاع السياحي تشهد تحسناً كبيراً مقارنة بمعدلات العام الماضي، إذ حقق القطاع إيرادات بقيمة 32.1 مليار درهم (3.22 مليار دولار) في أول أربعة أشهر من العام، مقابل 15.1 مليار درهم (1.52 مليار دولار) في أول أربعة أشهر من 2022.
ويضيف الخبير الاقتصادي إلى المؤشرات الإيجابية، ما تقدم به وزير الفلاحة، بشأن المحصول الزراعي هذا العام رغم الضغوطات المرتبطة بالجفاف، حيث يتوقع ارتفاع محاصل الحبوب إلى 5.51 مليون طن خلال العام، وهو معدل متوسط.
أما عن التحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي، يشير الرماني، إلى المشكلات المرتبطة بفاتورة الواردات، لا سيما واردات الطاقة، وفي ظل ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي، وبما ينعكس على عجز الموازنة العامة.
وسبق وأن أقرّ برلمان المغرب موازنة عام 2023 البالغة 600 مليار درهم (60.2 مليار دولار) بزيادة نسبتها 15.4 بالمئة مقارنة بموازنة العام 2022، وبعجز 4.5 بالمئة.
ويتوقع الخبير الاقتصادي ارتفاع عجز الموازنة بالنظر إلى فاتورة واردات الطاقة والمواد الغذائية التي عرفت ارتفاعاً مطرداً في الأسعار على المستوى العالمي، ويستشهد بتقديرات البنك الدولي في هذا السياق.
وكانت مؤسسات عدة، من بينها بنك المغرب وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خفضت توقعاتها للنمو الاقتصادي العام الجاري إلى حوالي 3 بالمئة أو أقل، وربطت ذلك بتأثير الجفاف على الفلاحة والتضخم على الاستهلاك.
أما فيما يخص المؤشرات الضبابية، فيتحدث الرماني عن أزمة معدلات التضخم التي يعرفها المغرب.
- بحسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن معدل التضخم في المغرب بلغ في أبريل الماضي 7.8 بالمئة، مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالأساس.
- أسعار المواد الغذائية ارتفعت 16.3 بالمئة في أبريل، بينما ارتفعت أسعار المواد غير الغذائية اثنين بالمئة، بينما انخفضت المواصلات 0.1 بالمئة وارتفعت الأسعار في المطاعم والفنادق 6.7 بالمئة.
- مؤشر التضخم الأساسي الذي يستثني المواد ذات الأسعار المحددة والمواد ذات التقلبات العالية، ارتفع 0.3 بالمئة في أبريل مقارنة مع مارس 2023، وزاد 7.6 بالمئة بالمقارنة مع شهر أبريل من العام 2022. وبلغ التضخم السنوي في مارس 8.2 بالمئة.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن المغرب يحتاج جهداً كبيراً للتحكم في المؤشرات، مشيراً في الوقت نفسه إلى ما يتمتع به المغرب من ثقة لدى المؤسسات الدولية.
ويردف قائلاً: "بعيدا عن الجوانب المؤثرة المرتبطة بالتضخم والغلاء وفاتورة الواردات المرتفعة والتي تشكل ضغطاً بشكل قوي ومرتبطة بغلاء سلاسل التوريد، فإن المغرب إجمالاً يحاول أن يضمن بعض التوازانات الاقتصادية.
فرص وتحديات
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الاقتصاد الوطني يتطلع إلى مزيد من التقدم والازدهار؛ لأن لديه خارطة طريق واضحة المعالم تتجلى في النموذج التنموي الجديد الذي يبتغي مضاعفة الناتج المحلي في أفق سنة 2035، عن طريق تحويل الاقتصاد الوطني وكذلك تحويل الاستثمار من استثمار يهيمن عليه الاستثمار العمومي (المملوك للدولة) إلى استثمار يهمين عليه القطاع الخاص".
ويتابع: "الهدف المرجو أن يشكل الاستثمار الخاص الثلثين، والعمومي يبقى مكملاً، على أن يذهب في اتجاهات الأمن الغذائي والصحي والدوائي والطاقة".
ويشير إلى العمل الذي قام به المغرب خلال الـ 20 سنة الماضية من تهيئة البنية التحتية وتأهيل رأس المال البشري وتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى مجموعة من الأمور الأخرى لتنويع الاقتصاد عبر شركاء غير تقليديين في أميركا وأوروبا الشرقية، وكذلك التوجه نحو الشرق كالصين والهند، وعودة المغرب إلى عمقه الإفريقي.
هذه الأمور دفعت بالاقتصاد المغربي إلى الخروج من دائرة الاعتماد فقط على القطاع الزراعي، لكن اليوم هناك آفاق واعدة في مجموعة من القطاعات، من بينها على سبيل المثال قطاع السيارات الذي أصبح يحقق عشرات المليارات سنوياً، وحتى صادرات الطائرات (تجاوزت 20 مليار درهم في 2022)، وكذلك قطاع الفوسفات الذي أصبح يتحكم في الأمن الغذائي العالمي.
- 77 مليار درهم (7.5 مليار دولار) إجمالي عائدات قطاع السياحة والسيارات في المغرب في أول أربعة أشهر من 2023، بزيادة 66 بالمئة على أساس سنوي.
- 4 بالمئة نسية نمو مبيعات قطاع السياراتفي المملكة على أساس سنوي في نهاية أبريل، مسجلة 44.9 مليار درهم.
- صادرات الفلاحة والمنتجات الغذائية، تأتي في المرتبة الثانية، وقد بلغت 33.6 مليار درهم في نهاية أبريل، بحسب بيانات مكتب الصرف (الهيئة الحكومية المعنية بإحصاءات التجارة الخارجية).
- في الأربعة أشهر الأولى من العام، سجلت صادرات الفوسفات 24.6 مليار درهم، بانخفاض نسبته 30.5 بالمئة على أساس سنوي.
- سجل القطاع السياحي عائدات32.1 مليار درهم خلال نفس الفترة، مقابل 15.1 مليار درهم في نفس الفترة من 2022.
ويضيف الخبير الاقتصادي المغربي، إلى ذلك صادرات المنتوجات الفلاحية والصيد البحري، بالإضافة إلى قطاع النسيج والألبسة والجلود، فضلاً عن عودة قطاع السياحة إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، وتحويلات المغتربين المغاربة.
وبعد استعراض الفرص، يرصد جدري ثلاثة تحديات رئيسية يواجهها الاقتصاد المغربي، ويتعين العمل على تجاوزها خلال السنوات القليلة المقبلة، على النحو التالي:
- مستويات التضخم المرتفعة.
- أسعار الطاقة.
- الجفاف.
فيما يخص التضحم، فقد أشار إلى أن ارتفاع الأسعار أثر على تكلفة الإنتاج، وكذلك أسعار المحروقات التي وصلت إلى مستويات قياسية، فضلاً عن أسعار المواد الأولية التي تدخل في الصناعة، إضافة إلى تكلفة النقل والشحن واللوجيستيات، موضحاً أن بلاده لطالما حافظت على مستويات 2 بالمئة، لكنها قاربت العام الماضي مستويات الـ 7 بالمئة، ويتعين العمل على عودة المعدلات ما بين 2 إلى 3 بالمئة خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة على أقصى تقدير.
وقفزت معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في المغرب بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالأساس، بسبب ما تقول الحكومة إنها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما بعد جائحة كوفيد، بالإضافة إلى تعرض المغرب لأسوأ أزمة جفاف منذ 40 عاما.
وحول أزمة أسعار الطاقة، يوضح الخبير الاقتصادي المغربي، أن المغرب لا يمكن له أن يستمر في التنوع الاقتصادي من زراعة وتجارة وخدمات وغير ذلك، دون أن يتحكم في موارده من الطاقة، وفي ظل ارتفاع فاتورة الطاقة التي بلغت أكثر من 15 مليار دولار.
لكنه يشير في هذا السياق إلى اتجاه بلاده إلى مصادر الطاقة البديلة والمشروعات الخاصة في هذا الصدد للتخفيف من التبعية للطاقة على المستوى العالمي.
وكذلك الحال فيما يخص الإجهاد المائي والجفاف، وبما يؤثر على الزراعة "فاليوم هناك مجموعة من المشاريع للتغلب على ذلك التحدي، منها ربط الأحواض المائية بين الشمال والجنوب، وإنشاء مجموعة من السدود الصغيرة والمتوسطة، وخطط إعادة استعمال المياه، وكذلك المشروع الكير الخاص بتحلية مياه البحر مع وجود 8 محطات يستهدف الوصول إلى 20 محطة في 2030 للتحكم في الموارد المائية".