وسط تباين شديد في توقعات بنوك استثمار عالمية لرفع سعر الفائدة في تركيا، خلال اجتماع البنك المركزي التركي المرتقب الخميس، يرجح محللون ماليون أن يحمل صناع السياسة النقدية العصا من المنتصف، بين رفع الفائدة بمعدل يتراوح بين 7 و13 بالمئة، واتباع منهج التغيير التدريجي في سياسة الرئيس أردوغان السابقة لاسيما أن التضخم تراجع إلى النصف تقريباً منذ نهاية العام الماضي.
وتوقع بنك "غولدمان ساكس"، أن يرفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة الرسمي إلى 40 بالمئة من 8.5 بالمئة حالياً في اجتماع 22 يونيو، في أول زيادة منذ مارس 2021، أما بنك أوف أميركا فيتوقع رفع الفائدة 25 بالمئة، مع التحذير من أن احتمالية خفض أو تثبيت الفائدة، كما توقع دويتشه بنك رفع الفائدة 11.5 بالمئة، وسوستيه جنرال 6.5 بالمئة.
كما توقع جيه بي مورغان رفع الفائدة بـ 16.5 بالمئة لتصل إلى 25 بالمئة هذا الشهر وأن تصعد إلى 30 بالمئة بحلول نهاية العام.
وجاءت هذه التوقعات بعد أن لمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في منتصف يونيو الجاري، إلى أنه سيسمح لفريقه الاقتصادي الجديد برفع أسعار الفائدة للتصدي للتضخم ولإيجاد استقرار في سعر صرف الليرة، مناقضاً بذلك سياسة نقدية غير تقليدية انتهجها طويلاً من خلال خفض الفائدة.
وعيّن أردوغان بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة نهاية مايو الماضي، محمد شيمشك، خبير الاقتصاد السابق لدى ميريل لينش وزيراً للمالية، والمسؤولة المالية السابقة في وول ستريت حفيظة غاية أركان حاكمة للمصرف المركزي.
وتراجع معدل التضخم السنوي لتركيا إلى ما دون 40 بالمئة في مايو للمرة الأولى منذ 16 شهراً، بعدما لامس 85 بالمئة العام الماضي، وهو أعلى مستوى في نحو ربع قرن. وهبطت الليرة 16 بالمئة منذ الانتخابات في 28 مايو الماضي، حيث أظهر المسح الشهري للبنك المركزي التركي الأسبوع الماضي، أن المشاركين في السوق ضاعفوا توقعاتهم لرفع سعر الريبو لأجل 7 أيام من 8.5 بالمئة إلى 17 بالمئة في اجتماع 22 يونيو.
وعود بسياسة نقدية أكثر منطقية وواقعية
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA": "منذ أتى الرئيس أردوغان إلى السلطة قبل عقدين من الزمان، لم تنفك أسعار الفائدة في تركيا عن التراجع، ففي عام 2004 كانت أسعار الفائدة قريبة من 20 بالمئة وهي تستقر اليوم عند 8.5 بالمئة، والآن ومع قدوم حاكم جديد لمصرف تركيا المركزي ووعود وزير المالية الجديد شيمشك بسياسة نقدية أكثر منطقية وواقعية يمكن توقع أن ترتفع الفائدة تدريجياً".
ويتساءل سلهب: "كيف ولماذا أصلاً يمكن أن ترتفع الفائدة؟ وهل سيكون ذلك بداية النهاية في سياسة الرئيس أردوغان غير التقليدية التي اتبعها لعقدين والتي قال عنها قبل أسابيع قليلة بعد انتخابه أنها ستستمر؟".
فرضية أردوغان
ويجيب كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA": على هذه التساؤلات بقوله: "بنى الرئيس أردوغان فرضيته على فكرة مفادها أن تخفيض الفائدة سيساعد في تنشيط أصحاب العمل والشركات التركية، كما أن بقاء الليرة التركية ضعيفة سيساعد تركيا في صادراتها ورفع مستوى منافسة بضائعها (الليرة التركية متراجعة -27 بالمئة مقابل الدولار في 2023، وأكثر من -36 بالمئة في عام كامل، وتراجع وصل 400 بالمئة تقريباً في خمس سنوات فقط)".
وقال سلهب إن "هذا التراجع في الليرة دفع التضخم التركي إلى مستوى قياسي عند 40 بالمئة حالياً، لكنه وصل 85.5 بالمئة مع نهاية العام الماضي. هذه الفكرة التي أرادها الرئيس أردوغان اعتمدت على فرضية أن ارتفاع مستوى الأعمال وعودة الناس إلى أعمالهم وارتفاع استهلاكها سينقذ تركيا من الركود، كما أن ارتفاع مستوى الدخل والعمل والأجور سيجعل المستهلكين أقل تأثراً بالتضخم".
ويؤكد سلهب أنه لا يمكن أبداً إغفال الجانب السياسي في سياسة الرئيس أردوغان الاقتصادية التي جلبت له ملايين المصوّتين من أصحاب الشركات والأعمال التي ازدهرت أعمالهم بتأثير النقد الرخيص.
قرار استباقي
ويرى كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" أن "إعلان وزارة العمل التركية عن رفع الحد الأدنى للأجور الثلاثاء بنسبة 34 بالمئة إلى 483 دولاراً شهرياً (11402 ليرة تركية) لمحاربة التضخم المرتفع وتحسين القدرة الشرائية هو إعلان سياسي لأن هكذا قرارات ستجعل التضخم مرتفعاً أساساً ونعود للدخول في نفس الحلقة التي دخلت فيها الاقتصادات الكبرى".
"وبالمقابل قد يكون هكذا إعلان هو قرار استباقي قبل رفع الفائدة الخميس، بمعنى أن رفع الفائدة بسرعة إلى مستوى 25 كما توقع جيه بي مورغان (البعض يتوقع 30 بالمئة) مع قرار الأمس سيجعل من رفع الأجور منطقياً ليأتي قرار رفع الفائدة ويحتوي ارتفاع التضخم المتوقع، مع اعتقادنا أن الرئيس أردوغان لن يغامر بتغيير سريع للفائدة وقد يكون قرار البنك المركزي الخميس مخيباً للكثيرين"، بحسب ما قاله سلهب.
توقعات برفع تدريجي للفائدة
ويضيف سلهب: "إن شيمشك الذي يوصف بأنه صديق للأسواق لن يغامر برفع الفائدة بقوة حالياً على الأقل، بمعنى سيكون عليه حمل العصا من المنتصف، بين رفع الفائدة إلى مستوى لا يتجاوز 15 بالمئة وبين التغيير التدريجي في سياسة الرئيس أردوغان السابقة لاسيما أن التضخم تراجع إلى النصف تقريباً منذ نهاية العام الماضي، وإذا تم رفع الفائدة إلى مستوى لا يتجاوز 15 بالمئة سيجعل البنك المركزي التركي قادراً على رفعها مجدداً وتدريجياً قبل أن تصل لمستويات أكثر ملاءمة خاصة أن التضخم يتراجع ببطئ حالياً".
"النقطة التي لا بد من ذكرها أن التضخم أصلاً استمر بمعدلات مستقرة بين عامي 2005 و2019 (لم يتجاوز 15 بالمئة أو حتى أقل) ومن ثم أزمة الجائحة التي رفعت التضخم في تركيا إلى فوق 80 بالمئة، هذا يدفعنا للاعتقاد أن رفع الفائدة في تركيا لن يكون بمعدلات قياسية، بل تدريجية"، بحسب كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA".
بدوره، قال المدير التنفيذي لمركز كوروم للدراسات في لندن، طارق الرفاعي: "السبب الأساسي لرفع أسعار الفائدة في تركيا محاولة السيطرة على نسبة التضخم المرتفعة وعلى الليرة التي تشهد انهياراً منذ عدة سنوات مقابل الدولار وخصوصاً في الأشهر الأخيرة حيث يتسارع تدهور قيمتها، لكن لاحظنا أيضاً مع مرور الوقت انخفاضاً حاداً في نسبة التضخم، والآن يسير معدل التضخم باتجاه نزولي وهذا جيد للاقتصاد التركي على الرغم من أنه لا يزال مرتفعاً".
ومع نجاح البنك المركزي التركي في السيطرة على نسبة التضخم، إلا أنه لم ينجح في محاولة الحفاظ على سعر صرف الليرة مقابل الدولار ما يضطره إلى التوجه لدعم الليرة عبر رفع الفائدة، لكن توقعات بنوك الاستثمار العالمية لرفع الفائدة بين 20 و40 بالمئة تعد مبالغة ولا يمكن أن يتحملها الاقتصاد التركي، بحسب الرفاعي، الذي توقع أن يرفع المركزي التركي سعر الفائدة بين 7 و13 بالمئة، وذلك على غرار تدخله في العام 2018 عند انخفاض الليرة بشكل كبير، مشيراً إلى أن أي ارتفاع أكثر من ذلك سيكون صعباً على الاقتصاد".
ورجح المدير التنفيذي لمركز كوروم للدراسات في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن يتبع رفع الفائدة الحاد للمرة الأولى الخميس ارتفاعات تدريجية، ولكن ليس لمستوى الرقم المتوقع 40 بالمئة.
الأسواق تترقب
من جهته، قال الخبير الاقتصادي والمالي علي حمودي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons": "بعد سنوات كارثية عانى فيها الاقتصاد التركي من السياسات النقدية غير التقليدية والتي أدت إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 40 بالمئة، من المتوقع أن يرفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة في اجتماعه المرتقب الخميس بمقدار 1150 نقطة أساس من 8.5 بالمئة إلى 20 بالمئة، في تحول سياسي بعد خفض أسعار الفائدة الذي قاده الرئيس رجب طيب أردوغان وأدى إلى أزمة غلاء المعيشة الحالي الذي يعاني منه المواطن والاقتصاد التركي".
وخفض البنك المركزي التركي معدل الفائدة من 19 بالمئة في أواخر عام 2021 إلى 8.5 بالمئة، حيث نفذ أردوغان، الذي يصف نفسه بأنه "عدو" لأسعار الفائدة، سياسته الاقتصادية غير التقليدية، مع إعطاء الأولوية للنمو والاستثمار والصادرات.
"الجميع ينتظر قرار البنك المركزي يوم الخميس لترى الأسواق مدى عمق وحقيقة عودة السياسة النقدية التركية إلى مسارها التقليدي واستقلالها عن السياسة المالية"، وفقاً لحمودي.