تُهدد العديد من العوامل المتزامنة خطط العطلات الصيفية بالنسبة لكثيرٍ من العائلات في المنطقة، لا سيما مع تلاحم المواسم وما يصاحبها من نفقات خاصة، خلال رمضان والأعياد وموسم الإجازات الدراسية، وذلك في خطٍ متوازٍ مع الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق في عديد من الدول، وبما يلقي بظلاله على أولويات الإنفاق.
في ضوء هذه العوامل مُجتمعة، فإن خطط قضاء العطلات الصيفية ربما تشهد كثيراً من التغيرات بالنسبة لبعض الأسر، قد تصل حد إلغاء هذه العادة السنوية لدى بعض العائلات تحت وطأة الظروف الراهنة، وبالتركيز على الأساسيات المتمثلة في المأكل والمشرب والملبس والمسكن، ومع ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وبما ينعكس على الرحلات الصيفية المعتادة، سواء الداخلية والخارجية.
ارتفاع الأسعار
من الجزائر، يقول الخبير الاقتصادي، أحمد الحيدوسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- بلغت معدلات التضخم العالمي مستويات قياسية، وصولاً إلى 8.8 بالمئة خلال 2022، حسب تقارير صندوق النقد الدولي، ويُتوقع أن تسجل معدل 7 بالمئة خلال هذه السنة.
- المشاهد التي تأتي من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من دول تعتبر من القوى الاقتصادية الكبرى على مستوى العالم، تعبر عن امتعاض الشعوب من الارتفاع المفرط في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.
- يدفع ذلك الأفراد للتقليل من الاستهلاك والتضحية بمنتجات تعتبر في نظرهم كمالية كمنتجات الترفيه والسياحة.
- ولذلك كان قطاع السياحة أكثر القطاعات تضرراً، خاصة خلال جائحة كورونا فقد قدرت بعض التقارير الدولية أن الخسائر فاقت أربعة تريليونات دولار.
- على مستوى المنطقة، فقد كان للمواطن العربي نصيب من الارتفاع العالمي لمعدل التضخم خاصة خارج منطقة الخليج العربي، دول مثل لبنان ومصر والسودان وتونس والعراق والمغرب، ما يدفع عدداً كبيراً من الأسر للتفكير في قضاء عطلتها الصيفية بأقل تكلفة ممكنة.
فيما يخص الوضع في الجزائر على سبيل المثال، يشير الحيدوسي إلى أن معدل التضخم بلغ مستوى 9.3 بالمئة في سنة 2022 وهو رقم لم تشهده الجزائر منذ 26 سنة، نظراً لسياسة الدعم الاجتماعي الذي تطبقه الحكومة الجزائرية، فهي تخصص سنوياً في حدود 17 مليار دولار لدعم الأسعار "جل أسعار المنتجات واسعة الاستهلاك وكذلك الوقود والكهرباء أسعارها مدعمة ومقننة من طرف الحكومة، ومع ذلك شاهدنا تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، ما أجبر الحكومة على التدخل عدة مرات في الثلاث سنوات الأخيرة سواء برفع الأجور أو بخفض الضريبة على الدخل".
انعكس ذلك على قدرة المواطن الجزائري على التفكير في السياحة، خاصة أن موسم العطل الصيفية تزامن مع مناسبات أخرى وأسابيع قليلة بعد شهر رمضان المعروف عنه في الجزائر أنه يرهق جيب المواطن، وهذا ما انعكس على عدد السياح الجزائريين الذين كانوا يفضلون قضاء العطلة خارج الوطن مثل الوجهة التونسية والتركية وحتى الأسبانية في السنوات الماضية، ما دفعهم لاختيار الوجهات الداخلية، وكانت فرصة لاكتشاف وطنهم واكتشاف المنتجات السياحية في الجزائر واكتشاف حتى جودة الخدمة والسعر مقارنة مع ما كانوا يحصلون عليه في الخارج.
ويضيف: "لذلك فإن الأرقام التي صدرت عن الجهات الرسمية عن انتعاش غير مسبوق للسياحة الداخلية تؤكد أن الظروف الدولية الراهنة والأزمات المتتالية كالتضخم العالمي والأزمة الصحية وغيرها دفعت السائح الجزائر للبحث عن البدائل وفق توليفة سعر وجودة، وجدها في الوجهة الداخلية".
مواسم مختلفة
من الأردن، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور حسام عايش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"إنه لكل فصل من فصول السنة تكاليفه ونفقاته ومفاجآته بالنسبة للأسر عموماً، وفي الصيف عادة ما تكثر الحاجة إلى الترفيه والرحلات، لا سيما وأن هنالك العطلة المدرسية للأبناء، كما يكثر استخدام المكيفات بسبب ارتفاع الحرارة.
وحتى ربما نوعية المواد الغذائية ربما تكون مختلفة عن الفصول الأخرى.. ويضيف:
- بالنظر إلى أن معدل دخل كثير من الأسر العربية، ومنها الأسرة الأردنية، إما ظل ثابتاً أو انخفض بالقيمة الحقيقية أو بالقدرة الشرائية بالنظر لارتفاع للتضخم، أو أن مصادر الدخل لم تعد كافية لتغذية متطلبات الإنفاق حتى على الاحتياجات الأساسية.
- نتحدث عن الطعام والشراب وعن النقل والمواصلات والسكن والإيجارات وكلفة الطاقة.. وهذه جميعها تستأثر على ثلاثة أرباع وربما أكثر نفقات الأسرة، وما يتبقى بالكاد يفي بالاحتياجات الطارئة أحياناً أو بالاحتياجات المستجدة بحسب كل فصل من فصول السنة.
- فما يتعلق بقطاع الترفيه، فإن الأسر بالكاد، في دولة مثل الأردن على سبيل المثال، تنفق على الترفيه، وتقتصر النفقات على ما يصل بين 2 و2.5 بالمئة فقط من إجمالي الإنفاق.
- معدل إنفاق الأسر الأردنية حوالي 12519 ديناراً (نحو 17,650 دولار أميركي)، وبالتالي فإن الإنفاق على الترفيه من 300 إلى 320 ديناراً بالحد الأقصى من الإنفاق السنوي للأسرة، أي أن المواطن ينفق بالكاد بين 5 إلى 6 دنانير على قطاع الترفيه في الشهر.
وتبعاً لذلك، يوضح أن أية محاولة للتعامل مع رحلة سياحية أو ذهاب إلى فندق أو إرسال الأولاد إلى نادي صيفي يعني ذلك أن التكلفة ستكون كبيرة وربما تستأثر على ما قد يصل إلى 30 بالمئة من إنفاق الأسرة، وبما يأتي على حساب احتياجات أو نفقات أخرى، وربما باللجوء إلى الاستدانة لكي يتم الوفاء بهذه الالتزامات.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أنه "من المتوقع أن يتباطأ نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هذا العام بشكل حاد ليصل إلى 3.1 بالمئة و3.4 بالمئة في العام المقبل"، مقارنة مع نمو بلغ 5.3 بالمئة في 2022.
يرجع الصندوق تلك التقديرات لعدة أسباب؛ أبرزها الإجراءات التقييدية التي تتبعها الدول لمكافحة الارتفاعات الحادة في معدلات التضخم، والارتفاعات غير المسبوقة في معدلات الفائدة إلى جانب التداعيات المستمرة للأزمة الأوكرانية.
ارتفاع الأسعار
ومن المغرب، يقول الخبير الاقتصادي علي الغنبوري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "يعيش المغرب على وقع ارتفاع مقلق لمستويات التضخم، والتي وصلت 6.6 بالمئة بنهاية سنة 2022 في سابقة من نوعها بالبلاد، مع استمرار قوي لهذا النسق التضخمي في الأشهر الأربعة الأولى من 2023 مع ارتفاع شديد فيما يتعلق بمستوياته المتعلقة بالمواد الغذائية، وهو ما انعكس بشكل مؤلم على الأسعار التي سجلت ارتفاعاً قياسياً أثر بشكل ملحوظ على القدرة الشرائية للمواطنين".
ويضيف: "المغرب وكما هو معلوم، بلد سياحي بامتياز؛ إذ بلغت مداخيل السياحة سنة 2022 ما يناهز 9 مليار دولار، وقد شكلت السياحة الداخلية ما يقارب من نصف ليالي المبيت المسجلة سنة 2022 و المقدرة بحوالي 19 مليون ليلة مبيت.. فإذا كانت السياحة الداخلية قد شكلت طوق الإنقاذ للسياحة المغربية خاصة في ظل الأزمات المتعددة التي عانى منها العالم، فإن هذه السياحة الداخلية ستتأثر بشكل كبير بالنسق التضخمي المستمر خلال هذه السنة، وخاصة في ظل التراجع الملموس للقدرة الشرائية للمواطنين، و في ظل غياب أي تصور واضح لدى الحكومة لإنعاش هذا التوجه السياحي الداخلي وتقديم المحفزات المطلوبة لحمايته من التراجع".
ويتابع الخبير الاقتصادي: تأثُر السياحة الداخلية هذه السنة سيكون مدعوماً بعدة معطيات أساسية؛ أهمها تزامن فترة ذروة الموسم السياحي والإجازات مع عيد الأضحى، والارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار الاضاحي، ما سينهك بشكل كبير القدرة المالية للمغاربة، وهو ما سيدفعهم إلى البحث عن بدائل تقليدية للاصطياف، بعيدة عن الفنادق والمراكز السياحية، وهو ما سيؤثر بشكل ملموس على الحركية السياحية في المغرب و على نسبة ملئ الفنادق، و ينعش السوق غير المهيكلة في هذا الشأن".
ثلاث مراحل أساسية
وإلى ذلك، يشير الخبير الاقتصادي المغربي، الدكتور هشام بنفضول، إلى أنه يتعين النظر إلى الفترة الصيفية وتأثرها بالوضع الاقتصادي للأسر والمستويات غير المسبوقة لمعدلات التضخم، وهو الحال في عديد من الأقطار العربية والدول الإسلامية، من خلال استحضار ثلاث مراحل أساسية:
أولاً: مرحلة ما قبل الفترة الصيفية
لا يخفى على أحد أن الأشهر الماضية عرفت ليس ارتفاعاً في الأسعار بالنسبة للأغلبية الساحقة من المواد الأكثر استهلاكاً، وإنما عدة ارتفاعات متتالية لأسعار هذه المواد ولاسيما المواد الطاقوية، والمواد الغذائية ومواد البناء ومنتجات النسيج.. إلخ.
تزامنت هذه الارتفاعات مع فترات زمنية تعرف ارتفاعاً نوعياً وكمياً للمواد الغذائية وللمواد الطاقوية (خصوصا البنزين والغازولين) بفعل شهر رمضان وعيد الفطر المبارك، وما يترتب عن ذلك من إرهاق لميزانية الأسر.
ومع قدوم عيد الأضحى نهاية هذا الشهر أي على بعد أيام قليلة عن بداية العطل الصيفية، فإن ذلك سيُفاقم من إرهاق ميزانية الأسر بالنسبة للطبقتين المتوسطة و"الشعبية".
ولعل هذه السنة ستعرف ارتفاعاً غير مسبوق في أثمنة الأُضحية، لتضاف إلى الأثمنة المرتفعة أصلاً للمواد الغذائية.
ويضيف: لحُسن الحظ ففي المغرب على سبيل المثال، سياسة عمومية لدعم بعض المواد الغذائية والطاقوية الأكثر استهلاكا، وهي: السكر والقمح اللين وغاز البوتان. ويُرتقب أن تصل قيمة الدعم سنة 2023 إلى ما يناهز 26 مليار درهم (حوالي 2.5 مليار دولار)، بعد أن سجلت قيمة الدعم لسنة 2022 32 مليار درهم (حوالي 3.1 مليار دولار) عبر آلية حكومية تُعرف بصندوق المقاصة. فلولا هذه السياسية الاجتماعية والاقتصادية لربما كانت وضعية أغلبية الأسر المغربية أكثر صعوبة.
ثانياً: مرحلة الفترة الصيفية
طبقاً لبنفضول، تأتي فترة الإجازات الصيفية في فترة زمنية صعبة بحيث أن ميزانية الأسر مُنهكة نظرا للأسباب سالفة الذكر، كما أن الفترة الصيفية تتميز أيضاً بكونها فترة لارتفاع الأسعار سنوياً بحُكم ارتفاع الطلب على بعض المنتجات الغذائية في سائر أنحاء البلاد بفعل كثرة الحفلات ولاسيما الأعراس، وكذا ارتفاع بعض الأسعار بالمناطق الساحلية خصوصا بسبب الكم الهائل من الزوار المحليين والأجانب على هذه المناطق.
ويستطرد: رغم ذلك، تُعتبر الفترة الصيفية أيضا مناسبة زيارة عدد مهم من المغاربة المقيمين بالخرج لبلدهم المغرب، لزيارة ذويهم وأصدقائهم، وكذلك لقضاء عطلة برفقة أسرهم ولكن أيضاً من أجل الاستثمار.
ثالثاً: مرحلة ما بعد الفترة الصيفية
ويضيف: "سوف تقضي الأسر هذه الفترة الصيفية، في هذا السياق الموسوم بالتضخم وبالتالي إضعاف القدرة الشرائية لأغلبية هذه الأسر، وأعيُنها على ما هو آت، أي الدخول المدرسي، والذي يُتنبأ بأنه سيكون أصعب هذه السنة مقارنة بسابقاتها".
الأسر، وخصوصا منها تلك التي تُدرس أطفالها في القطاع الخاص، تتنبأ بدخول مدرسي أكبر تكلفة مما سبق، نظرا للارتفاع المرتقب (المُعلن أحيانا في بعض المدارس) في رسوم التسجيل، والدراسة والنقل من جهة، ونظرا لارتفاع أسعار اللوازم المدرسية والألبسة من جهة أخرى.