يرجع ارتفاع معدل البطالة في الصين إلى القيود الصحية الصارمة التي أرهقت الشركات الصغيرة وألحقت الضرر بثقة المستهلكين، بحسب خبراء اقتصاد أكدوا أن أهم مشكلة تواجه الاقتصاد الصيني في هذا الصدد هي عدم التوافق بين الوظائف التي يرغبها خريجي الجامعات والوظائف المتاحة.
وارتفعت البطالة بين الخريجين الشباب الذين يبحثون عن عمل في الصين إلى مستوى قياسي غير مسبوق، حيث سجل المعدل بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً، مستوى قياسياً وصل إلى 20.4 بالمئة في أبريل الماضي، حوالي أربعة أضعاف معدل البطالة الأوسع نطاقاً لجميع الأشخاص الذين يعيشون في المدن الصينية، والذي وصل في أبريل إلى 5.2 بالمئة، بحسب بيانات المكتب الوطني الصيني للإحصاء.
وعلى الرغم من إنهاء الحكومة سياسة "صفر كوفيد" خلال ديسمبر الماضي، إلا أن معدل البطالة بين الشباب ظل مرتفعاً، ليبلغ أعلى مستوى منذ أن بدأت الصين في الإعلان عن الإحصائية عام 2018، إذ إن واحداً من كل خمسة شباب بات عاطلاً عن العمل.
ووفقاً لتقرير أصدره أخيراً بنك "غولدمان ساكس" فإن معدل البطالة القياسي بين الشباب الصيني ينبع جزئياً من عدم التوافق بين تخصصاتهم والوظائف المتاحة، حيث يشير التقرير إلى أن خريجي المدارس المهنية الذين يدرسون تخصصات مثل التعليم والألعاب الرياضية ارتفع بنسبة 20 بالمئة في عام 2021 مقارنة بعام 2018، في حين تراجع طلب قطاع التعليم على التعيينات الجديدة بشكل ملموس خلال نفس الفترة، وأن تخصص تقنية المعلومات شهد واحداً من أكبر الزيادات في أعداد الخريجين بين عامي 2018 و2021.
ويرجح تقرير بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" أن يبلغ معدل بطالة الشباب في الصين ذروته في أشهر الصيف (يوليو وأغسطس) مع تدفق خريجي الجامعات الجدد، مشيراً إلى أن إعادة الشباب إلى العمل سيساعد على الانتعاش الاقتصادي للصين لأنه سيعيد القوة الاستهلاكية للشباب، وهي فئة ديموغرافية تمثل عادة ما يقرب من 20 بالمئة من الاستهلاك في الصين.
حالة كلاسيكية لسوء تخصيص الموارد
ويعتبر الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، مشكلة بطالة الشباب في الصين حالة كلاسيكية لسوء تخصيص الموارد.
ويضيف الرفاعي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "عندما أطلقت الصين في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي طفرة التصنيع شجعت الهجرة الجماعية من المناطق الريفية إلى المدن بحثاً عن الوظائف ذات الرواتب الأعلى، وكذلك البحث عن حياة أفضل، وهذه الهجرة نجحت بشكل جيداً في وقت نمو الصين حيث كنا نرى النمو السريع في الاقتصاد الصيني خلال تلك الفترة وحتى بداية عام 2000.
خلل في التوازن بين سوق العمل وعدد خريجي الجامعات
ومنذ عام 2011 بدأ الاقتصاد الصيني يشهد تباطؤ في النمو، ثم لاحظنا تعافي النمو بعد جائحة كورونا لاحظنا تعافي النمو، إلا أن النمو الآن أبطأ بكثير مما كان عليه، وهو ما أدى إلى الخلل في التوازن بين سوق العمل، وعدد خريجي الجامعات وكذلك الأشخاص الذين لا يزالون ينتقلون إلى المدن بحثاً عن العمل، طبقاً لما قاله الرفاعي، الذي أكد أن هذه المشكلة ستزداد وخصوصاً أن الاقتصاد الصيني في حالة تغير، حيث كانت الصين مصنعاً للعالم بسبب الموارد والعمالة الرخيصة لكن هذا الواقع تغير الآن.
ويشير الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية"، إلى أن بعض الشركات في الصين بدأت تنتقل إلى الدول التي بات التصنيع فيها رخيصاً مثل فيتنام والهند، ما يعني أن الاقتصاد الصيني بات متقدماً تكنولوجيا ويحظى بوظائف ذات كفاءة أعلى، وبالتالي فهو يحتاج وقتاً حتى يتكيف مع هذه المتغيرات.
دعم التدريب على المهارات
وكان مجلس الدولة الصيني أعلن في أبريل الماضي عن خطة من 15 محور تهدف إلى مطابقة الوظائف مع الباحثين الشباب بشكل أمثل، وهذا يشمل دعم التدريب على المهارات، وتعهد بالتوسع لمرة واحدة في التوظيف في الشركات المملوكة للدولة ودعم طموحات ريادة الأعمال لخريجي الجامعات والعمال المهاجرين.
6 أسباب وراء تفاقم معدل البطالة
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى عدة عوامل تمثل الأسباب الكامنة وراء تفاقم معدل البطالة في الصين وهي:
- قيام الصين بشن حملة على صناعتها التعليمية والتكنولوجية والتي ترتب عليها فقدان الآلاف من الناس وظائفهم وتركت الشركات والمستثمرين يعانون، وقد أثار تشديد الرقابة – فترة الجائحة -مخاوف بشأن مزيد من التدخل الحكومي في القطاع الخاص، ما دفع الشركات إلى الحد من التوظيف.
- تقلص الصناعات التي تجذب الشباب المتعلم رغم أن عدد خريجي الجامعات آخذ في التزايد حيث من المتوقع تخرج 11.6 مليون طالب جامعي في يونيو بزيادة حوالي 820 ألف خريج عن العام الماضي.
- تعاظم الفجوة بين معدل الأجر الذي يرغب الخريجين الشباب في قبوله والمعدل الذي ترغب الشركات في دفعه وهذا المدى هو الذي يعكس عدم التوافق الذي تجاوزت فيه تكلفة المعيشة معدل نمو الرواتب.
- عدم استقرار توقعات الأفراد بشأن الاقتصاد الصيني ما يؤدي إلى عدم قيام الشركات بتوظيف أفراد جدد، بينما من المتوقع أن يتعزز الاقتصاد الصيني في الأشهر المقبلة، لكن سيظل الانتعاش ضعيفاً حتى يشعر المستهلكون بالثقة الكاملة لإجراء عمليات الشراء باهظة الثمن الأمر الذي سيدفع مزيد من الشركات إلى القيام بمزيد من التوظف.
- عدم وجود تنمية كافية لقطاع الخدمات في الصين الذي كان تاريخياً يمثل نقطة جذب لتوظيف الشباب. والذي نجد تفسيراً له في ارتفاع معدل البطالة الاحتكاكية، والتي تحدث عندما يكون الأفراد يعملون في وظائف ويبحثون عن فرص عمل جديدة، والتي عادة ما تكون أكثر شيوعا بين الشباب الذين تخرجوا من التعليم الجامعي ولم يجدوا وظائف بعد.
- الاختلال ( التناقض ) الهيكلي متوسط وطويل الأجل في الاقتصاد الصيني والذي يفسر الاختلال الحالي بين العرض والطلب على العمالة.
قيود كورونا حدت من السفر وأرهقت الشركات الصغيرة
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي علي حمودي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "معدل البطالة المرتفع بين الشباب تعد مشكلة في الاقتصاد الصيني منذ عدة سنوات، وتفاقمت بسبب القيود الصحية الصارمة نتيجة جائحة كورونا التي حدت من السفر، وأرهقت الشركات الصغيرة وألحقت الضرر بثقة المستهلك.
ومع ذلك أدخلت الحكومة الصينية مجموعة من السياسات تهدف إلى تحفيز توظيف الشباب، بما في ذلك الإعانات للشركات الصغيرة والمتوسطة التي توظف خريجي الجامعات، حيث تم توجيه الشركات المملوكة للدولة لإتاحة المزيد من الوظائف لأولئك الذين بدأوا للتو البحث عن العمل، بحسب حمودي.
ويشرح حمودي أن أحد أسباب الارتفاع غير المسبوق في بطالة الشباب بالصين يتمثل بعدم وجود توافق بين الوظائف التي يريدها خريجو الجامعات والوظائف المتاحة في سوق العمل، إذ يبحث الشباب الحاصلون على درجات علمية في التعليم العالي عن وظائف في مجالات صناعة التكنولوجيا والتعليم والطب، لكن هذه المجالات هي التي كانت تنمو ببطء في الصين في السنوات الأخيرة.
بطالة الشباب تهدد الاستقرار الاجتماعي
ويوضح الخبير الاقتصادي حمودي أن "بطالة الشباب تعد مشكلة لجميع الاقتصاديات لأنها تكلف الدولة إيجاد فرص عمل لهم وإعانات، لكن المشكلة الأكبر التي تتعدى قضية التأثير على النمو الاقتصادي تتجلى في تهديد الاستقرار الاجتماعي، وعلى الدولة الإنفاق في قطاعات جديدة توفر العمالة للشباب منعاً لتهديد هذا الاستقرار وخصوصاً أننا لاحظنا المظاهرات التي كان يقودها شباب ضد الإغلاقات التي سببتها جائحة كورونا نهاية العام الماضي، هذا ربما هو الخطر الأكبر الذي يواجه الصين لهذه الفئة".
ويقترح الخبير الاقتصادي الدكتور الشناوي حزمة من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة الصينية للتخفيف من حدة البطالة هي:
- اعتماد سياسات التحفيز وتعزيز الدعم للشباب في سعيهم للعثور على وظائف، وتنفيذ السياسات اللازمة لتحسين فرص العمل واستقرار سوق العمل، وتنفيذ برامج الاشغال العامة.
- تقديم إعانات للخريجين وتعظيم تراكم رأس المال البشري وتعزيز التدريب على المهارات لتوجيه الشباب لوضع خطط مهنية.
- بناء "منطقة عازلة" للتوظيف للتأكد من أن مشاكل البطالة قصيرة الأجل لا تتحول إلى مشاكل هيكلية طويلة الأجل، ويتم ذلك عن طريق توفير معلومات للإرشاد الوظيفي وبرامج التكيف مع سوق العمل.
أما عن حزمة الإجراءات الواجب اتباعها من قبل الباحثين عن العمل فتتمثل فيما يلي، وفقاً للدكتور الشناوي:
- يجب على الخريجين إظهار قدر من المرونة في اختيار وظائفهم حتى يمكن التخصيص الفعال لرأس المال البشري، بسبب حصهم على العمل في مؤسسات حكومية.
- خفض سقف التوقعات للوظيفة الأولى للخريج.
- تخصيص المزيد من الوقت للتخطيط الوظيفي طويل الأجل.