يواجه الاقتصاد الأميركي عديداً من التحديات في مشهدٍ مضطرب تغلفه حالة من عدم اليقين على المستوى الاقتصادي، خاصة بعد الأزمة التي تعرض لها عدد من المصارف بدءاً من شهر مارس الماضي، وتبعاتها في تصاعد المخاوف على نحو واسع.
وفي هذا السياق، أظهر استطلاع رأي أجرته شبكة "فوكس نيوز" تقديرات متشائمة للأميركيين بشأن مستقبل اقتصاد بلادهم، الذي "يسير من سيء لأسوأ"، ومن بين أبرز النتائج التي تضمنها الاستطلاع:
- لا يزال التضخم هو الشاغل الأكبر للناخبين.
- 83 بالمئة يرون أن الاقتصاد في حالة ضعيفة أو سيئة.
- 66 بالمئة قيّموا أوضاعهم المالية الشخصية بـ "السيئة" مقارنة بـ 58 بالمئة في استطلاع سابق في شهر ديسمبر الماضي.
- 90 بالمئة قلقون بشأن معدلات التضخم.. و88 بالمئة قلقون على مستقبل البلاد تبعاً لتلك الأوضاع.
تحديات كبيرة
لكنّ المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، لا يرى أن نتائج الاستطلاع تعكس بصورة دقيقة حقيقة الشعور العام بالأسواق الأميركية، بالنظر إلى أن الاستطلاع أجري على عينة من ألف مشارك تقريباً، وليس بالضرورة يعكس الصورة العامة، على حد تعبيره.
يشير معطي في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الاقتصاد الأميركي يمر بتحديات كبيرة جداً ليس هناك خلاف على ذلك.. لكن على الجانب الآخر ثمة أمور مضيئة تبعث بالطمأنينة؛ من بينها على سبيل المثال التقدم المحرز فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، والذي من شأنه أن يشكل نقلة قوية، ويسهم في ضخ مزيد من الأموال، ويبقي على الريادة الأميركية في الاقتصاد العالمي".
يستشهد المحلل الاقتصادي بما حققته إنفيديا وميكروسوفت وآبل وألفابت في هذا السياق، لجهة أخذ زمام المبادرة والريادة. ويتحدث في الوقت نفسه عن عددٍ من العوامل الآنية الإيجابية، بما في ذلك حسم ملف سقف الدين (..).
وتبعاً لذلك، يقول معطي: "لا أعتقد بأن الاقتصاد الأميركي سوف يزداد سوءاً.. من الممكن أن يمر بمرحلة تحديات مختلفة، لكنه قادر على تخطيها، والتاريخ سجّل أكثر من مرة مجموعة من الأزمات التي تم التغلب عليها"، موضحاً أنه خلال عام ونصف تقريباً تم اتباع سياسة التشديد النقدي ومرت عديد من التبعات. كما أن الأزمة الأوكرانية بدأ العالم يتعايش معها إلى حد كبير، ومن ثم فإن الأمور تبدو من وجهة نظره مستقرة إلى حد بعيد فيما يتعلق بالاقتصاد الأميركي والنظرة المستقبلية له.
ويختتم المدير التنفيذي في شركة VI Markets حديثه قائلاً: "صحيح أن هناك تحديات لا تزال قائمة، لكن المشهد لا يبدو سيئاً.. الاقتصاد الأميركي قوي وإن تعرض للركود سيكون ركوداً ناعماً سوف يتم تخطيه لاحقاً".
ونقلت "فوكس نيوز" عن خبير استطلاعات الرأي، الديمقراطي كريس أندرسون -الذي أجرى الاستطلاع رفقة الجمهوري دارون شو- قوله: "التضخم مشكلة اقتصادية مستعصية، وبالتالي فهو مشكلة سياسية مستعصية.. وطالما أن التضخم يضغط على الرواتب، فإن بايدن سيواجه صعوبة في إثبات أن سياساته المالية تساعد الناس".
ولا يزال التضخم مرتفعا في الولايات المتحدة رغم الحملة طويلة الأمد لرفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي.
- تسارع مقياس التضخم المفضل لدى الفيدرالي الأميركي بشكل غير متوقع في أبريل.
- ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، بنسبة 4.4 بالمئة خلال أبريل، من 4.2 بالمئة في مارس، مقارنة بتوقعات بتباطؤه إلى 3.9 بالمئة (وفق بيانات وزارة التجارة).
- على أساس شهري، ارتفع المؤشر وفق التوقعات بنسبة 0.4 بالمئة بعد ارتفاع بنسبة 0.1 بالمئة خلال مارس.
- نما مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، الذي يستبعد تكاليف الغذاء والطاقة المتقلبة، بنسبة 4.7 بالمئة سنويا في أبريل، مقارنة بتوقعات عند 4.6 بالمئة، فيما ارتفع بنسبة 0.4 بالمئة على أساس شهري، مقارنة بتوقعات عند 0.3 بالمئة.
أظهرت نتائج الاستطلاع (الذي تم إجراؤه في الفترة من 19 إلى 22 مايو الجاري، وتضمن مقابلات مع 1001 ناخباً مسجلاً في جميع أنحاء البلاد تم اختيارهم عشوائياً من ملف الناخبين) القلق المرتفع في الولايات المتحدة بشأن سلامة النظام المصرفي، فضلاً عن قدرة المواطنين على دفع فواتيرهم.
كما أظهر تقييمات سلبية لأداء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ ذكر 20 بالمئة فقد أن سياسات بايدن تساعدهم.. و48 بالمئة رأوا أن تلك السياسات "تضر بأسرهم". (لكن بشكل عام، يوافق 42 بالمئة على الأداء الوظيفي لبايدن).
أزمة عابرة.. وضغوط عامة
من جانبه، يشير المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن نتائج الاستطلاع -ورغم كونه استطلاع إعلامي- إنما تعكس بشكل عام ما يشعر به كثير من الأميركيين اليوم لأكثر من سبب؛ على اعتبار أن هناك معدلات تضخم مرتفعة وانكماش بالاقتصاد، وهو انكماش مفتعل للتحكم بالتضخم بالدرجة الأولى.
ويتابع: "الأميركيون يرون أن مدخراتهم تتناقص في ضوء ارتفاع الأسعار، كما أن الكثير من الشركات الكبرى تقلل عدد موظفيها ولا يتم رفع الرواتب، وبالتالي فإن الناس ليسوا مستقرين في أعمالهم في هذه المرحلة.. علاوة على ملف الدين الذي يؤرق الأميركيين، لأن الدين العام في نهاية المطاف المسؤول عنه المواطن الأميركي إن كان اليوم أو غداً والأجيال القادمة التي ستدفع الثمن".
لكنه يستطرد قائلاً: "لا نستطيع الحديث عن الولايات المتحدة كدولة منفردة فيما يخص هذا الأمر، لا سيما وأن العالم يعيش ضغوطات اقتصادية واسعة، حتى الصين التي كان اقتصادها ينمو كالساعة، الآن تواجه ضغوطاً على النمو.. إذا أجرينا هذا الاستطلاع في أية دولة أخرى ستكون نتائجه مماثلة وربما أسوأ (..)".
ويعتقد بأن "هذا الشعور الذي عبر عنه الناس غير مفاجئ في ظل هذه الأوضاع السيئة على المستوى العالمي"، مردفاً: "ولا أعتقد بأن هناك أزمة حقيقية في أميركا، لأن مؤشرات السوق والمؤشرات العامة لا تعطينا شكل أزمة كبيرة، إنما هي أزمة عابرة وعواملها واضحة، والحكومة تدرك المشكلة وتدرك الحل وتعمل عليه".
ويتحدث الغبرا عن ما وصفه بـ "الحملات التي تقودها دول أجنبية" على حد تعبيره، من أجل الإيحاء باضطراب الاقتصاد الأميركي واقتراب انتهاء العصر الذهبي للولايات المتحدة، موضحاً في الوقت نفسه أن جهات داخلية أيضاً تحاول استخدام الاقتصاد لتخويف الناخب الأميركي، وتبعاً لتلك الضغوطات الداخلية والخارجية "يعتقد الكثيرون بأن ثمة أزمة كبيرة".
تباطؤ التضخم
وبالحديث عن الضغوطات الداخلية التي ذكرها الغبرا، يشير المحلل السياسي والاقتصاي مهدي عفيفي، من واشنطن، إلى أن من وصفهم بـ "الترامبيين" نسبة للرئيس السابق دونالد ترامب "يحاولون إفساد أي شيء يقوم به الرئيس جو بايدن".
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": معدلات التضخم تتباطأ إلى أقل من 4.5 بالمئة، علاوة على معدلات البطالة التي هي في حدود الـ 3.5 بالمئة، حتى أن الأعمال العادية يتقدم إليها عدد محدود من الأشخاص (شخص لكل وظيفتين)، موضحاً أن "الأسعار ارتفعت لكنها لا تزال في المتناول، وذلك بالأخذ في الاعتبار أن المواطن الأميركي اعتاد نوعاً عالياً من الرفاهية، وبالتالي الارتفاع لم يؤد بشكل كبير إلى إرهاق شديد للمواطن كما حدث في بلدان أخرى".
ويتابع: "واقع الاقتصاد يشير إلى أن الولايات المتحدة في وضع أفضل من كل الاقتصادات الكبرى"، مشيراً في الوقت نفسه إلى الأصوات الداعمة لسياسات الحزب الديمقراطي بما في ذلك دعم أوكرانيا، وكذلك الأصوات الداعمة للبرامج الاجتماعية التي يقدمها الحزب.