انضمت بريطانيا منذ أيام إلى قائمة الدول التي تسعى إلى تعزيز صناعة أشباه الموصلات المحلية، في وقت يشهد فيه العالم صراعاً متعدد الأطراف، من أجل التفوق في هذا القطاع الاستراتيجي، الذي أدركت العديد من الدول، أهميته على الصعيد الأمني والاقتصادي والتجاري.

وقد تعهدت الحكومة البريطانية بتوفير تمويل بقيمة مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 1.2 مليار دولار) خلال العقد المقبل، لتعزيز قدراتها المحلية في صناعة الرقائق ولدعم البحوث وعمليات التطوير وحقوق الملكية الفكرية، المرتبطة بصناعة أشباه الموصلات، وذلك ضمن إطار الاستراتيجية الجديدة التي تبنتها، لتعزيز قدراتها المحلية في صناعة الرقائق الإلكترونية، ولجعل البلاد أحد الاقتصادات الأكثر ابتكاراً في العالم.

أخبار ذات صلة

ألمانيا تسعى لأن تصبح عملاقا في صناعة أشباه الموصلات
"إنتل" الأميركية تكشف تفاصيل عن طرح رقائقها الذكية في 2025

بريطانيا سبقت بقيادة القطاع في أوروبا

وقادت بريطانيا في وقت سابق الابتكارات الأوروبية في مجال أشباه الموصلات، إلا أن الحكومات المتعاقبة على الحكم، أغفلت أهمية وجود هذا المكون الحيوي، ما أدى إلى فقدان القطاع الخاص في البلاد، ملكيته لأهم الشركات في صناعة أشباه الموصلات مثل Plessey وImagination Technologies و Cambridge Silicon Radio وإيه آر إم القابضة، حيث تحولت ملكية هذه الشركات إلى جهات يابانية وأميركية وصينية، ما وضع صناعة أشباه الموصلات البريطانية في موقف ضعيف.

صفقات للأجانب بـ 42 مليار دولار

ومنذ عام 2010 وحتى عام 2020، بلغت قيمة الصفقات التي نتجت عن بيع شركات أشباه الموصلات البريطانية إلى مشترين أجانب نحو 42 مليار دولار، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ، وكانت الخطوة الأكثر تأثيراً على صناعة أشباه الموصلات البريطانية، هي صفقة بيع شركة إيه آر إم القابضة، إلى مجموعة سوفت بنك اليابانية في عام 2016 بقيمة 33.3 مليار دولار، والتي اعتبرها المراقبون بأن لندن كأنها سلّمت جواهر التاج البريطاني إلى مستثمر خارجي، خصوصاً أن تقنيات إيه آر إم توجد في 90 بالمئة من الأجهزة المحمولة في العالم.

أخبار ذات صلة

بعد حظر "ميكرون".. "حرب الرقائق" تشتعل بين أميركا والصين
تصعيد صيني ضد الرقائق الإلكترونية الأميركية

حكومة سوناك تسعى لتعزيز السيادة الرقمية

وتهدف الاستراتيجية الجديدة التي أقرتها مؤخراً حكومة ريشي سوناك، إلى تعزيز السيادة الرقمية البريطانية، عبر دعم بعض تجمعات التميز والابتكار في صناعة أشباه الموصلات، التي لا تزال موجودة في البلاد، ولكن المبلغ الذي خصصته بريطانيا لتطوير صناعة الرقائق، والذي يفوق الـ 1.2 مليار دولار أميركي يعتبر ضئيلاً مقارنة بالمبالغ التي خصصتها أميركا وأوروبا والصين وكوريا الجنوبية، لتطوير هذه الصناعة، وهو ما طرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا المبلغ كافياً لمواجهة باقي المنافسين.

مبلغ مناسب لحجم القطاع

يقول المهندس ربيع سعادة وهو خبير في التحول الرقمي في حديث لوقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من الناحية المادية قد تعتبر هذه المبادرة خجولة، مقارنة مع خطة الولايات المتحدة لدعم شركات أشباه الموصلات وإنشاء معامل تصنيع في البلاد، والمقدرة بنحو 52 مليار دولار، وخطة دعم الاتحاد الأوروبي للقطاع بمبلغ 43 مليار يورو، ولكن الحكومة البريطانية تعتبر مبلغ 1.2 مليار دولار مناسب لحجم القطاع في البلاد، خصوصاً أن بريطانيا لا ترى جدوى اقتصادية في إنشاء مصانع في المملكة المتحدة، إذ أن التكلفة ستصبح عالية جداً وتقدر بعشرة مليارات دولار، ولذا فإن استراتيجية المملكة المتحدة، سوف تعتمد على دعم أشباه الموصلات في البلاد، إضافة إلى عقد اتفاقيات شراكة أجنبية مع دول أخرى مثل اليابان لشراء أشباه الموصلات.

قطاع استراتيجي للدول العظمى

ويضيف سعادة أن قطاع أشباه الموصلات استراتيجي جداً للدول العظمى ولشركات التكنولوجيا، فهذه الدول في سباق حاد، لتطوير أشباه الموصلات لتكون أصغر حجماً وأكثر فعالية، مما يؤثر بشكل كبير على فاعلية الإلكترونيات التي تستخدم في أجهزة الاتصالات، الكومبيوترات، المواصلات وقطاع الصحة، بالإضافة إلى الاستخدامات العسكرية والأمنية، لذا قررت بريطانيا الدخول في دعم هذا القطاع، وهي تتنافس مع دول مثل ألمانيا وجنوب كوريا بحسب المستثمرين البريطانيين، خصوصاً انها واجهت في السابق اضطرابات في سلاسل إمداد الرقائق.

أخبار ذات صلة

بريطانيا تعزز وجودها في سباق أشباه الموصلات بهذه الخطة
في حرب الرقائق.. الصين تحول وجهة العلماء من أميركا إليها

ولفت إلى أنه بعد انتظار أكثر من سنتين، ستحصل شركات الرقائق الإلكترونية البريطانية، على دعم حكومي بقيمة 264 مليون دولار، بين عامي 2023 و2025، فيما سيتوزع مبلغ 984 مليون دولار على السنوات المتبقية حتى 2033.

الدعم البريطاني يريح رؤساء الشركات

من جهته، يقول المحلل التكنولوجي، ألان القارح في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن مجرد وضع الحكومة البريطانية لاستراتيجية تهدف إلى دعم صناعة أشباه الموصلات، يريح رؤساء الشركات المرتبطة بهذه الصناعة في البلاد، والذين حذروا في وقت سابق من هذا العام، بأنهم سينتقلون إلى الولايات المتحدة أو إلى الدول الأوروبية، في ظل غياب أي دعم حكومي للصناعة، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستوقف عملية اقتناص الولايات المتحدة والصين والدول الاخرى، للأصول البريطانية في صناعة أشباه الموصلات، بسبب النكسات المتلاحقة التي تعرضت لها هذه الصناعة في البلاد.

الأفكار والاختراعات عناصر قوة بريطانيا

وبحسب القارح، فإن لدى بريطانيا عنصر قوة في صناعة أشباه الموصلات، وهو تخصصها في التصميم والملكية الفكرية والبحث والتطوير، حيث ترى أن مبلغ الـ 1.2 مليار دولار، هو الرقم الصحيح لتحفيز الابتكارات والاختراعات المرتبطة بالرقائق، ما يعني أن البلاد ستركز على الاختراعات والأفكار الجديدة في مجال أشباه الموصلات ولا يهمها عملية التصنيع، حيث ترى أن الاحتفاظ بعنصر القوة هذا، سيعزز مكانتها كلاعب رئيسي في هذه الصناعة، ويبقيها في طليعة الاختراقات التكنولوجية الجديدة، وهذا بالتأكيد سيكون له دور كبير في تنمية الاقتصاد وخلق وظائف جديدة.

استعادة بريطانيا لدورها الريادي

ويكشف القارح أن حكومة المملكة المتحدة، أنفقت منذ عام 2006 أكثر من مليار دولار على الأبحاث الجامعية، في مجال أشباه الموصلات، لكن هذا الرقم تم إنفاقه في ظل غياب أي استراتيجية لإدارة هذا القطاع، وهو ما تسبب بإضعاف القدرة التنافسية للشركات البريطانية، كما أدى هذا الخلل إلى هجرة المهارات في هذا المجال، حيث تأمل الشركات حالياً في أن تضع خطوة الدعم الأخيرة لحكومة بريطانيا، الأمور في مسار استعادة البلاد لدورها الريادي في هذه الصناعة.