شهدت مبيعات الهواتف نمواً استثنائياً في سنوات ما قبل عام 2020، حيث ارتفعت شحنات الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم من 173 مليون هاتف في عام 2009، إلى 1.56 مليار هاتف في عام 2018.
ولكن مبيعات الهواتف الذكية بدأت تتراجع مع ظهور فيروس كوفيد-19 في نهاية 2019، ليستمر هذا التراجع حتى عام 2022 الذي سجلت خلاله شحنات الهواتف في العالم انخفاضاً نسبته 12 بالمئة، إلى 1.2 مليار هاتف.
ويبدو أن المسار التراجعي لمبيعات الهواتف سيستمر في 2023، حيث أظهرت البيانات تراجع شحنات الهواتف الذكية حول العالم بنسبة تفوق 13 بالمئة إلى نحو 268 مليون هاتف ذكي خلال أول 3 أشهر من 2023.
ولم تكن أسواق منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن التراجع الذي تعيشه صناعة الهواتف العالمية، إذ أظهرت بيانات شركة "Canalys" لأبحاث السوق، أن شحنات الهواتف الذكية في المنطقة، باستثناء تركيا، تراجعت بنسبة 3.5 بالمئة، لتصل إلى 8.8 مليون هاتف ذكي خلال الربع الأول من 2023، لينهي هذا الانخفاض سلسلة نمو استمرت 9 أشهر، في صناعة الهواتف في منطقة الشرق الأوسط.
آيفون السبّاق بالنمو
وبحسب Canalys أيضاً، فإن سامسونغ الكورية كانت الشركة الأكثر تحقيقاً للمبيعات في الشرق الأوسط خلال الربع الأول من 2023، بعدد شحنات بلغ 3.8 مليون هاتف ذكي، ما أتاح لها السيطرة على حصة 43 بالمئة من السوق، إلا أنها سجلت تراجعاً نسبته 5.3 بالمئة على صعيد سنوي.
أما في المرتبة الثانية فقد حلت شركة آبل الأميركية التي استطاعت شحن 1.3 مليون هاتف آيفون إلى المنطقة، لتسيطر على حصة 15 بالمئة من السوق، خلال أول ثلاثة أشهر من 2023، ولتتمكن بذلك صانعة الآيفون من تحقيق نسبة نمو سنوي حجمها 35.4 بالمئة.
وفي المرتبة الثالثة حلت شركة شاومي الصينية التي شحنت مليون هاتف ذكي إلى المنطقة بحصة سوقية بلغت 11 بالمئة محققة نسبة نمو قدرها 1.6 بالمئة.
وحلت شركة "ترانسشن" رابعة مع شحنها لـ 900 ألف هاتف ذكي إلى منطقة الشرق الأوسط، بحصة سوقية قاربت 11 بالمئة، مسجلة تراجعاً نسبته 35 بالمئة على صعيد سنوي، لتتبعها "أوبو" في المرتبة الخامسة بحصة سوقية حجمها 4 بالمئة، متراجعة بنسبة 31.9 بالمئة خلال الربع الأول من 2023 حيث شحنت نحو 300 ألف هاتف في تلك الفترة.
السيطرة على عناصر القوة
قال مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن سيطرة سامسونغ على مبيعات الهواتف الذكية في منطقة الشرق الأوسط، هو أمر مفهوم ويعتمد على عناصر قوة متعددة، فالمستهلكون في المنطقة، يثقون بهذه العلامة التجارية التي أصبحت على مر السنوات جزءاً من حياتهم اليومية، مشيراً إلى أن الشركة الكورية تتوجه من خلال هواتفها الذكية لجميع الفئات من المستخدمين، فلديها الهاتف الرخيص والمتوسط والمرتفع الثمن، وهذا تحديداً ما يساعدها في بسط سيطرتها على سوق المنطقة وحتى السوق العالمية.
ويضيف سعد الدين إنه في ظل الوضع الاقتصادي العالمي السيئ وتغيّر أولوية الكثير من المستهلكين، فإن التراجع في مجمل سوق الهواتف ولدى سامسونغ تحديداً له مبرراته، حيث فضّل الكثير من الأشخاص الاحتفاظ بهواتفهم القديمة وتأجيل عملية الإنتقال الى نسخة أحدث، لافتاً إلى أن الأمر غير المفهوم هو الذي حصل مع آبل، فرغم التحديات الاقتصادية التي تواجه الإنفاق الاستهلاكي في العالم والمنطقة، سجلت مبيعاتها من الهواتف نمواً، علماً أن هواتف آيفون التي أطلقتها في 2022 تعد مرتفعة الثمن ولم تقدم جديداً على صعيد الميزات.
وبحسب سعد الدين، فبينما تستعد صناعة الهواتف الذكية لما يقال إنه عام اقتصادي صعب في 2023، يبدو أن هذه القاعدة لا تنطبق على آيفون، فارتفاع مبيعات هواتف آبل لا يشمل فقط منطقة الشرق الأوسط بل العالم أجمع.
وأظهرت نتائج أعمال الشركة الأميركية ارتفاع الإيرادات من مبيعات آيفون خلال أول ثلاثة أشهر من 2023 بنسبة 2 بالمئة إلى ما قيمته 51.3 مليار دولار، مشيراً الى أن هناك الكثير من المستخدمين في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، انتقلوا من فئة الهواتف الرخيصة والمتوسطة إلى الفئة الرائدة والمرتفعة الثمن المتمثلة بآيفون.
ويرى سعد الدين أن آيفون نجح في تأسيس معيار جديد في عالم الهواتف الذكية، إذ أن سعر الهاتف مرتفع والتصميم مكرر، ومع ذلك لم تتأثر المبيعات، فمتانة العلامة التجارية لـ آيفون، إلى جانب التكامل السلس الذي يوفره، مع العديد من الخدمات والمنتجات التي توفرها آبل، مثل ساعة آبل وسماعات "Air Pods" وغيرها الكثير، من شأنه أن يجعل عمليات شراء هواتف آيفون شائعة للغاية بين المراهقين والبالغين، لافتاً إلى أن آبل نجحت بالفعل في خطتها التسويقية غير المعلنة التي تهدف إلى جعل المستخدمين يشعرون أن مجرد اقتنائهم لآيفون يعطيهم قيمة مضافة.
آبل وسامسونغ في الريادة وشركات أخرى تتوسع
وأشار سعد الدين إلى أن مستقبل مبيعات الهواتف الذكية في منطقة الشرق الأوسط، لا يزال ضبابياً في مواجهة الرياح الاقتصادية المعاكسة، مشدداً على أنه رغم الصعوبات المتوقعة، فإن الإمكانات طويلة المدى، لسوق الهواتف الذكية في المنطقة تعتبر قوية، متوقعاً أن تحافظ سامسونغ على ريادتها للسوق لوقت طويل، على أن تقضم آبل من حصة الشركة الكورية تباعاً، في حين ستتمكن علامات تجارية مثل Tecno و Infinix وشاومي وأوبو، من ترسيخ وجودها في شريحة الهواتف المتوسطة والمنخفضة المواصفات.