واصلت الأسهم اليابانية حصد المكاسب لتصل لمستويات غير مسبوقة، فقد سجل المؤشر نيكي مع إغلاق آخر جلسات الأسبوع، أعلى مستوى منذ أغسطس 1990، وهي الفترة التي تعرف بعصر "الفقاعة" الاقتصادية في البلاد، مدفوعا بمجموعة من العوامل الإيجابية مثل الأرباح القوية والاقتصاد الذي يظهر علامات على الانتعاش وتفاؤل بشأن محادثات سقف الديون الأميركي.
وقفز المؤشر نيكي إلى 30924.57 نقطة قبل أن ينهي الجلسة مرتفعا 0.77 بالمئة عند 30808.35 نقطة، في سابع جلسة على التوالي من الصعود.
وواصل المؤشر توبكس الأوسع نطاقا ارتفاعه مسجلا 2171.37 نقطة، قبل أن يتراجع منهيا الجلسة بمكاسب 0.18 بالمئة عند 2161.69.
وجاء ارتفاع الأسهم اليابانية مدعوما بموسم أرباح قوي بوجه عام، وضعف الين الذي عززته توقعات مواصلة بنك اليابان المركزي التحفيز لفترة أطول، فضلا عن الاقتصاد الذي بدأت علامات الانتعاش ما بعد جائحة كوفيد تظهر عليه.
واستمد المؤشر نيكي خلال صعوده إلى ذروة 33 عاما الزخم من التفاؤل المتزايد حيال توصل المشرعين الأميركيين إلى اتفاق بخصوص سقف الدين وتجنب تخلف كارثي عن السداد.
ومن بين 33 قطاعا في بورصة طوكيو، قاد قطاع الآلات الدقيقة الارتفاع وصعد 1.43 بالمئة، يليه قطاع الخدمات بزيادة 1.35 بالمئة، والآلات الذي ارتفع 1.08 بالمئة.
وكان سهم فاست ريتيلينج مشغلة متاجر يونيكلو الرابح الأكبر من حيث النقاط على المؤشر نيكي، وارتفع 2.19 بالمئة.
وبدأت أسهم مصنعي الرقائق اليوم بقوة في أعقاب ارتفاع أسعار نظرائها في الولايات المتحدة، لكنها فقدت مكاسبها أو سجلت تراجعا حادا في وقت لاحق.
وصعد سهم أدفانتست 3.35 بالمئة في البداية، لكنه أنهى اليوم مسجلا أسوأ أداء على المؤشر نيكي، بهبوطه 2.86 بالمئة.
وشهدت أسهم القطاع المالي انخفاضا 1.56 بالمئة بعد أن سجلت أعلى مستوى في شهرين أمس الخميس.
لمحة تاريخية عن عصر "الفقاعة" الاقتصادية..
يرى العديد من علماء الاقتصاد أن بداية ما يسمى بـ"عصر الفقاعة الاقتصادية" في اليابان تزامن مع توقيع اتفاقية بلازا في سبتمبر 1985 بين الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية، التي تدفع نحو خفض قيمة الدولار الأميركي أمام الين الياباني والمارك الألماني من خلال التدخل في أسواق صرف العملات.
هذا الأمر بالتأكيد جعل من الصادرات الأميركية أرخص من غيرها وبالتالي أكثر قدرة على المنافسة، كما جعل الأصول الأميركية أرخص بالنسبة لليابانيين، وكان له أيضاً تأثير سلبي على النمو الاقتصادي الياباني الذي تقوده الصادرات.
انخفضت قيمة الدولار أمام الين بنسبة 51 بالمئة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1985 و1987، لتكون الاتفاقية قد حققت أهدافها الرئيسية، ولكن في نفس الوقت لم يكن الطريق ممهداً أمام الصادرات الأميركية إلى اليابان، والتي عانت بسبب الحواجز التجارية الموجودة في السوق اليابانية.
مع ارتفاع قيمة الين، قام المركزي الياباني بخفض أسعار الفائدة بغرض تشجيع الاستهلاك المحلي والاستثمار، لتبدأ أسعار الأصول المحلية في الارتفاع.
من ناحية أخرى، تزامن الانخفاض الحاد الذي شهدته قيمة الدولار أمام الين مع وصول قطاع التصنيع في اليابان إلى ذروة قوته، وهذا ساهم في شعور اليابانيين الذي كانوا يمتلكون كميات هائلة من المدخرات الشخصية فجأة بالثراء والازدهار، ليبدأوا في الإنفاق على السلع الاستهلاكية بشراهة، وخصوصاً أثناء سفرهم إلى الخارج.
البنوك اليابانية التي كانت تحتفظ بكميات هائلة من أموال المودعين بدأت في إقراض الأفراد والشركات بتسهيلات غير مسبوقة. وتم استخدام معظم هذه القروض في شراء العقارات المحلية والتي شهدت قيمتها – على الورق – زيادات مطردة.
خُلقت حلقة مفرغة على خلفية استخدام الأراضي كضمان للمزيد من القروض، والتي استخدمت بدورها إما في شراء المزيد من الممتلكات أو في المضاربة في سوق الأوراق المالية. وهكذا، استمرت قيم الأراضي والعقارات على الورق في الارتفاع بشكل متسارع من ناحية، وقامت البنوك بمنح القروض على أساس هذه الأراضي المبالغ في تقييمها من ناحية أخرى.
في الوقت نفسه، شرعت الشركات اليابانية في شراء الكثير من العقارات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى حول العالم. ولعل أشهر هذه الصفقات هي صفقة شراء شركة "ميتسوبيشي" للعقارات لمركز روكفلر في نيويورك مقابل 846 مليون دولار في أواخر عام 1989.
أثار الاهتمام الياباني الكبير بسوق العقارات الأميركي قلق الكثير من الأمريكيين، والذين اعتقد بعضهم أن هذه الصفقات كانت جزءاً من استراتيجية يابانية طويلة الأجل تهدف للسيطرة على الاقتصاد الأمريكي.
خلال الثمانينيات كان الاقتصاد الياباني موضع حسد من قبل العالم. فقد نما بمعدل سنوي متوسط قدره 3.89 بالمئة، وذلك مقارنة مع 3.07 بالمئة في الولايات المتحدة.
وبينما كان يظن الجميع أن شهر العسل لن ينتهي قريباً، لم تسأل البنوك اليابانية المقترضين الكثير من الأسئلة حول كيفية سداد القروض كما لم تفكر أيضاً في ما سيحدث لو بدأت قيم الأراضي المستخدمة كضمان في الانخفاض.
لا المركزي الياباني ولا وزارة المالية كانا يعرفان كيفية ضبط الأمور في القطاع المصرفي والسوق العقاري ووضعها في نصابها. وكانت أسعار الأراضي في طوكيو تتصدر عناوين الصحف العالمية.
الأمر وصل لدرجة أن الأرض المبني عليها القصر الإمبراطوري في اليابان قدرت قيمتها في عام 1989 بأكثر مما تساويه قيمة كل العقارات الموجودة في ولاية كاليفورنيا الأميركية. وفي نهاية نفس العام، وصل مؤشر "نيكي 225" إلى ما يقرب من 39 ألف نقطة، بعد أن تضاعفت قيمته أربع مرات خلال 5 سنوات فقط.
في أواخر عام 1989، فاقت وزارة المالية اليابانية أخيراً واتخذت إجراءات حاسمة أدت إلى رفع أسعار الفائدة بشكل حاد. وأعقب ذلك بوقت قصير صدور أمر للبنوك بتقليص حجم إقراضها العقاري. وعلى إثر تلك القرارات بدأ مؤشر "نيكي" في الهبوط بشكل حاد، وبحلول نهاية عام 1990 خسر المؤشر أكثر من تريليوني دولار من قيمته السوقية.
في نهاية المطاف، انخفضت قيمة العقارات في اليابان بنسبة 87 بالمئة مقارنة مع أعلى مستوى لها. وأدى الهبوط الهائل الذي شهدته أسعار الأسهم والعقارات إلى خسارة البلاد لثروات قيمتها تعادل الناتج المحلي الإجمالي لليابان في ثلاث سنوات.
"هذه أكبر خسارة للثروة في تاريخ البشرية عانى منها أي بلد في زمن السلم" هكذا وصف "ريتشارد كو" كبير الاقتصاديين في معهد أبحاث نومورا الياباني الوضع في ذلك الوقت. غرقت اليابان في أزمة ديون بعد تعثر الكثير من القروض العقارية، لتبدأ شرارة أزمة اقتصادية استمرت لنحو 10 سنوات.
سبب طول فترة الأزمة بعد انفجار الفقاعة يرجع بشكل رئيسي إلى فشل بنك اليابان ووزارة المالية في اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة منذ اللحظات الأولى، وهذا ربما بسبب رفضهم الاعتراف بخطورة الوضع.