تسارع الحكومة المصرية خطاها من أجل دعم وتعزيز مناخ الاستثمار وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية (المباشرة وغير المباشرة)، في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري عديداً من الصعوبات والمعوقات، بعد سلسلة متواصلة من الصدمات بدءًا من آثار جائحة كورونا، ووصولاً للحرب في أوكرانيا وتبعاتها المختلفة.

وتتبنى الحكومة المصرية رؤية خاصة لتعظيم مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وقد اتخذت في سبيل ذلك عدداً من المبادرات التحفيزية التي من شأنها تذليل العقبات أمام المستثمرين، كان آخرها قائمة بـ 22 قراراً جديداً تم اتخاذهم خلال أعمال الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار بعد إعادة تشكيله، وهو الاجتماع الذي ترأسه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، هذا الأسبوع.

واستعرض تلك القرارات بشكل مفصل رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي الأربعاء، مؤكداً أن الاجتماع الأول للمجلس كان شديد الأهمية، وجاء في توقيت مناسب جداً.

أخبار ذات صلة

"بعدد غير محدود".. مصر تفتح الباب للأجانب لتملك العقارات
الحكومة المصرية تؤكد.. مشكلة توفير العملة الأجنبية "مؤقتة"

كما أوضح أن الرئيس السيسي بدأ الاجتماع برسالة مهمة، حيث أوضح أن الدولة المصرية تمُر بمرحلة فارقة، تستلزم من كافة الجهات العمل من أجل هدف رئيسي مهم؛ وهو زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات بالمشروعات التنموية التي تقوم بها الدولة المصرية، والحرص على الجرأة الشديدة في اتخاذ القرارات، ومراجعة كافة القوانين والقرارات التنظيمية والإجراءات الإدارية المعمول بها، في سبيل الإسراع وتيسير الاجراءات لجذب أكبر حجم من الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص على تولي الريادة مع الدولة في المرحلة المقبلة.
وخلال المؤتمر استعرض رئيس الوزراء المصري تطور حجم الاستثمارات التي كانت تقوم بها الدولة والقطاع الخاص معاً، اعتباراً من العام 2005 حتى الوقت الحالي:

  • حجم الاستثمارات كان يسير بمعدلات بطيئة خلال مدة 10سنوات، ثم بدأ في التزايد (بعد أن بدأت في زيادة استثماراتها حتى تحقق معدلات النمو).
  • إجمالي استثمارات القطاع الخاص والدولة معاً خلال العام 2005-2006 بلغ نحو 115.7 مليار جنيه.
  • يبلغ حجم الاستثمارات المرصودة بالعام المالي 2023-2024 نحو 1.640 تريليون جنيه (بزياة 15 ضعفاً تقريباً).
  • المستهدف بعد 3 سنوات أن يكون نصيب القطاع الخاص من إجمالي الاستثمارات ما بين 60 و65 بالمئة.
  • القطاع الخاص في مصر يستحوذ على نصيب الأسد من حيث حجم المنشآت وعدد المشتغلين وفرص العمل الموجودة
  • هناك تقريباً 3.750 مليون منشأة قطاع خاص. و79 بالمئة من إجمالي المشتغلين يعملون في القطاع.
  • نسبة 75 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي يخرج من القطاع الخاص.

وذكر مدبولي في هذا السياق مجموعة من الإشكاليات الأساسية المرتبطة بالقطاع الخاص، في مقدمتها كون أكثر من 50 بالمئة من القطاع الخاص "قطاع غير رسمي"، و60 بالمئة من حجم منشآت القطاع الخاص تعمل في تجارة الجملة والتجزئة (التجارة). إضافة إلى تحد آخر يتمثل في أن 1 بالمئة فقط من حجم منشآت القطاع الخاص يُصدر، أي أن هناك 99 بالمئة منها تلبي السوق المحلية.

ويُعول على الـ 22 قراراً بما تضمنته تلك القرارات من إجراءات تشريعية وتنفيذية على أرض الواقع، المساهمة بشكل فعّال في إنهاء المشكلات التي يواجهها المستثمرون بالقطاع الخاص، لا سيما فيما يتعلق بـ (تأسيس الشركات، وتخصيص الأرض، وتصريح مزاولة النشاط، وكذلك تشغيل المشروعات) في ظل بيئة شفافة وأطر قانونية مستقرة.

أخبار ذات صلة

التمويلات الخضراء لمصر.. هل تحل أزمة الدولار؟
المركزي المصري يعين "باركليز" للتخارج من المصرف المتحد

تعظيم دور القطاع الخاص

مستشار البنك الدولي، استاذ الاقتصاد الدكتور محمود عنبر، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن سلسلة القرارات الأخيرة تتماشى مع الأيدلوجية الاقتصادية الحالية للدولة، على اعتبار أنه "منذ أن أطلقت الدولة ما يعرف باسم وثيقة ملكية الدولة، كان ذلك بمثابة تغيير في أيدلوجيتها من فكرة الاعتماد على القطاع العام إلى إتاحة مساحة أكبر للقطاع الخاص للقيام بدور أوسع.. يأتي هذا التغيير متماشياً ليس فقط بما يتناسب والظروف الاقتصادية المحلية، إنما أيضاً الظروف الإقليمية والعالمية".

ويتابع: "تعمل تلك الإجراءات كمحفزات للاستثمار الذي يتأثر ليس فقط بالوضع المالي والاقتصادي، وإنما يؤثر في مجموعة كبيرة من العوامل والمحددات التي تشكل ما يطلق عليه مناخ الاستثمار، وعلى رأسها العوامل السياسية والأمنية؛ ذلك أن الاستقرار الأمني هو العامل الأهم الذي يؤثر في العملية الاستثمارية، سواء الاستثمارات المحلية أو الاستثمار الأجنبي في صورتيه المباشرة وغير المباشرة".

ويشدد على أن "الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) يؤثر في مؤشرات الاقتصاد الكلي كافة، وبما ينعكس على الناتج القومي الإجمالي وعلى سعر صرف العملة (لجهة زيادة المعروض من العملات الصعبة) وزيادة الإنتاج، وبالتالي تقليل فاتورة الواردات وزيادة الصادرات، إضافة إلى استيعاب عدد كبير من الوظائف وبما يؤثر إيجاباً على معدلات البطالة".. ويواصل حديثه عن الـ 22 قراراً بقوله:

  • القرارات الأخيرة تمثل مجموعة من الحوافز للمستثمرين.
  • تركز تلك القرارات على قطاعات معينة، لكنها في النهاية تضع مجموعة من الأطر التشريعية والقوانين التي سوف يتم تعديلها أو تغييرها بما يتناسب مع هدف جذب مزيد من الاستثمارات.
  • تسهم تلك القرارات أيضاً في تقليل البيروقراطية وفكرة طول الإجراءات، والتي تعد واحدة من أهم العوامل التي يجب التركيز عليها داخل الدولة المصرية لزيادة الاستثمار.

ويضيف أستاذ الاقتصاد: "الاستثمار في النهاية يحكمه قانون واحد وهو أن (رأس المال جبان)، ودائماً ما يبحث المستثمر عن المكان الذي يعظم فيه أرباحه وسط درجة ثقة وتأكد عالية، خاصة فيما يتعلق بالبنية التشريعية والظروف السياسية والاقتصادية والمالية، إذ لا يمكن لمستثمر أن يأتمن على أمواله بينما سعر صرف العملة فيها يتغير كل أسبوعين على سبيل المثال"، موضحاً أن "فكرة استقرار سعر الصرف واحدة من أهم العوامل التي تجعل المستثمر لديه قدرة على التخطيط والتنبؤ".

أخبار ذات صلة

بسبب سعر الصرف.. مصر تمدد العمل بتعديل معاييرها المحاسبية
بالتفاصيل.. كيف دخلت مصر موسوعة "غينيس" عبر التمور؟

ويتحدث مستشار البنك الدولي عن القرار الخاص بالاستعداد للإعلان عن "وثيقة السياسات الضريبة للدولة خلال الخمس سنوات المقبلة"، مشيراً إلى أن "فرض الضرائب، وتحديداً ضريبة الأرباح وغيرها، هي في النهاية تمثل تكلفة للمستثمر، وبالتالي حينما يريد أن يجري دراسة جدوى لمشروع معين لابد أن تكون لديه التكاليف كافة واضحة ويمكن التنبؤ بها.. وبالتالي إن لم يكن هناك تشريع ضريبي واضح وثابت (والأهم أن يكون ثابتاً) فلن يستطيع المستثمر التخطيط على المدى الطويل وحساب أرباحه بدقة.. ومن ثم فإن فكرة وجود خريطة تشريعية ضريبية واضحة لمدة خمس سنوات قادمة هي أمر يصب في تعميق حالة التأكد والثقة بالنسبة للمستثمر".

وتتضمن قائمة الـ 22 قراراً ما يلي:

1. ترخيص مشروعات الصناعات القائمة على الغاز الطبيعي بنظام المناطق الحرة.
2. 10 أيام مدى زمني لإتمام الموافقات كافة عند تأسيس الشركات.
3. إطلاق منصة إلكترونية موحدة لتأسيس المشروعات.
4. تعديلات تشريعية للتغلب على قيود تملك الأراضي، وتسهيل تملك الأجانب للعقارات.
5. التوسع في إصدار الرخصة الذهبية.
6. نقل تبعية الأجهزة المُنظمة بقطاعات المرافق بما يضمن استقلاليتها.
7. عدم منح معاملة تفضيلية للشركات والجهات المملوكة للدولة.
8. إنشاء وحدة بمجلس الوزراء تتولى جمع بيانات الشركات المملوكة للدولة.
9. قيد المستثمر الأجنبي بسجل المستوردين حتى وإن لم يحصل على الجنسية المصرية.
10. عدم إضافة أعباء مالية أو إجرائية تتعلق بإنشاء أو تشغيل مشروعات الاستثمار.
11. ضوابط واضحة بحالات فرض الرسوم.
12. استحداث نظام مقاصة بين مستحقات المستثمرين وما عليهم من أعباء ضريبية.
13. رد ضريبة القيمة المضافة وتسريع الإجراءات خلال 45 يوماً.
14. الإعلان سريعاً عن وثيقة السياسات الضريبة للدولة خلال الـ 5 سنوات المقبلة.
15. إنهاء تعديلات قانون تحويل الأرباح للشركات القابضة.
16. ثلاثة أشهر فقط مدة صرف تعويض للمستثمرين في حالات نزاع الملكية.
17. التعاقد مع مكتب استشاري عالمي لوضع استراتيجية واضحة للاستثمار.
18. تعديل تسع مواد من قانون المناطق الاقتصادية ومنح مزايا وإعفاءات إضافية.
19. وحدة دائمة بمجلس الوزراء تختص بوضع سياسات وقوانين ولوائح الشركات الناشئة.
20. تلقي شكاوى الشركات الناشئة ووضع حلول ملائمة لكل منها.
21. اعتماد حزمة من الحوافز دعماً لعدد من القطاعات والمشروعات.
22. تكليف الحكومة بإعداد وتجهيز ما تم اعتماده من قرارات وتنفيذها في أسرع وقت.

ووجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال اجتماع المجلس، بوضع برنامج زمني وتحديد الجهة المسؤولة عن التنفيذ، حتى تتسنى المتابعة وضمان تنفيذ القرارات خلال تلك المدة.

تجار مصر يتعاونون للسيطرة على أزمة الدولار

"ثورة" تُعزز مناخ الاستثمار في مصر

من جانبه، يصف رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، القرارات الـ 22 الصادرة عن الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار والتي شرحها باستفاضة رئيس مجلس الوزراء المصري في مؤتمر صحافي، الأربعاء، بكونها "ثورة حقيقية في مجال الاستثمار في مصر".

ويقول الشافعي في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": نحن أمام ثورة تم إصدارها من المجلس الأعلى للاستثمار، من أجل جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وإتاحة الفرصة أمام الاستثمارات المحلية للتوسع في ظل ما يعاني منه الاقتصاد العالمي من تداعيات (على أثر تبعات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وما صاحب ذلك من تأثيرات اقتصادية عميقة وممتدة).

ويضيف: "تمثل تلك القرارات إجراءات صائبة تصب في المقام الأول في إطار المحافظة على الاستثمارات المتاحة وجذب استثمارات جديدة مع توسيع وتوطين صناعات مختلفة في ظل ظروف عالمية غير مواتية، وبالتالي تستهدف تلك القرارات المحافظة على الاستثمارات الحالية وجذب مزيد من الاستثمارات، رغم الموجة التضخمية التي أدت إلى هروب الاستثمارات من الأسواق".

ويتابع: "هذه القرارات الجريئة تصب في صالح عودة تلك الاستثمارات مرة أخرى (..) لا سيما فيما يخص الإجراءات المرتبطة بالبنية التحتيى وترخيص الأراضي والوثيقة الضريبية لمدة خمس سنوات"، مشدداً على أن "كل ما كان يحلم به المستثمر صار اليوم متاحاً على أرض الواقع".

أخبار ذات صلة

توقعات بتثبيت المركزي المصري الفائدة نهاية الأسبوع
"سيتي غروب" يخفف من احتمالات قرب تخفيض الجنيه المصري

محفزات استثمارية

وكانت الدولة المصرية قد اتخذت خلال العام الماضي عديداً من الإجراءات المحفزة للاستثمار، تطرق إليها رئيس الوزراء في مؤتمره الأخير، ومن أهمها:

  • إعداد وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي صدق عليها رئيس الدولة نهاية ديسمبر الماضي.
  • الرخصة الذهبية.
  • مبادرة دعم القطاعات الانتاجية (قيمتها 150 مليار جنيه، بفائدة 11 بالمئة، على أن تتحمل الدولة الفرق، فيما وتم أخيراً ضم قطاع السياحة لهذه المبادرة لتصبح قيمتها 160 مليار جنيه).
  • أعفت الدولة 20 قطاعاً صناعياً من الضريبة العقارية لمدة 3 سنوات.
  • تلبية الإصلاحات الجذرية التي يطالب بها المستثمر فيما يخص (تخصيص الأراضي الصناعية، وتحديد تسعير ثابت للأراضي الصناعية، إضافة إلى التخصيص الفوري للأراضي الصناعية، وإجراءات أخرى منها إصدار الرخصة خلال 20 يوم عمل، وغير ذلك).

مؤشرات إيجابية

تُظهر البيانات الرسمية التي أعلنت عنها وزارة المالية المصرية في وقت سابق، عن الربع الأول من العام الجاري 2023، مجموعة من المؤشرات الإيجابية، على النحو التالي:

  • 98 بالمئة ارتفاعاً بتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
  • 35 بالمئة نمواً بإيرادات قناة السويس (باعتبارها من أهم مصادر العملة الأجنبية) في الربع الأول (2.3 مليار دولار).

بينما تُظهر مؤشرات السنة المالية المُنتهية في يونيو 2022 نتائج إيجابية نسبياً، رغم التحديات الخارجية واسعة النطاق. من بين تلك المؤشرات تحويل العجز الأولي بالموازنة (استمر لأكثر من 21 عاماً) إلى فائض أولي نسبته 1.3 بالمئة.

وكان وزير المالية المصري قد ذكر في بيان له في أبريل الماضي، أن مؤشرات السبعة أشهر الأولى للعام المالي الحالي بالموازنة العامة، جاءت إيجابية، وحققت الموازنة فائضاً أولياً بنحو 33.7 مليار جنيه مقارنة بـ 15.2 مليار جنيه عن نفس الفترة من العام المالي السابق، إضافة إلى زيادة الإيرادات الضريبية إلى نحو 18.9 بالمئة نتيجة أعمال التطوير والرقمنة التي مكنت من توسيع القاعدة الضريبية، وحصر المجتمع الضريبي بشكل أكثر دقة، وتحقيق العدالة بين المتنافسين.