يعتبر الذكاء الاصطناعي التوليدي من أكثر المصطلحات إثارة للجدل في الوقت الراهن، فهذه التكنولوجيا التي ظهرت للعلن في أواخر عام 2022، أثبتت أنها قادرة حقاً على أن تحل مكان الإنسان في العديد من الوظائف.
وبات من الواضح أن الاختراقات التي تشهدها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستعيد تشكيل وجه الاقتصاد العالمي، وبحسب مصرف "غولدمان ساكس"، فإن أدوات الذكاء الاصطناعي التي تشق طريقها إلى الأعمال الصناعية والتجارية، قد تؤدي إلى زيادة بنسبة 7 بالمئة، أو ما يقرب من 7 تريليونات دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إضافة إلى أنها ستزيد من نمو الإنتاجية بمقدار 1.5 نقطة مئوية، وذلك خلال السنوات العشر المقبلة.
تحوّل السنوات العشر المقبلة
ولكن في المقابل، فإن هذا التحوّل سيحدث تغييرات كبيرة في طبيعة القوى العاملة، حيث يرى "غولدمان ساكس" أن هناك نحو 300 مليون وظيفة حول العالم معرضة للانتقال من يد الإنسان إلى أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال الأعوام العشرة المقبلة، وهذا ما عزز مخاوف الموظفين من أن تأخذ الآلة مكانهم في العمل.
مايكروسوفت تطمئن الموظفين
وفي الوقت الذي يصعب فيه التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في سوق العمل خلال السنوات القليلة المقبلة، دعت شركة مايكروسوفت العمال إلى عدم الخوف من الذكاء الاصطناعي التوليدي، وإلى اعتباره حليفاً لهم، حيث تصر الشركة على أن هذه التكنولوجيا ستجعل العمال في وضع أفضل من وضعهم الحالي.
تحالف الطرفين
وترى مايكروسوفت أن إنشاء تحالف بين الموظف والذكاء الاصطناعي، من شأنه أن يساعد في إنهاء ثلاثة مشكلات كبيرة يعاني منها العمال والشركات، وهي الاهتمام بالأجزاء غير المنتجة من يوم العمل، إنقاذ العمال من الإرهاق الشديد، والتخلص من الديون الرقمية المتمثلة في تراكم المعلومات ورسائل البريد الإلكتروني، حيث يرى الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا، أن هذه التكنولوجيا ستؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل والرضا.
على البشر اكتساب مهارات التعامل مع AI
ويقول عضو اللجنة التنفيذية في المنتدى الاقتصادي العالمي الدكتور ألفرد رياشي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما تسوق له شركة مايكروسوفت لناحية إنشاء تحالف بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، يعد من أفضل الأساليب الاحترازية لاحتواء الضرر الذي قد ينتج عن تغلغل هذه التكنولوجيا في سوق العمل، فالشركة تقول إن المطلوب هو تطوير العلاقة بين البشر والتكنولوجيا، حيث يجب أن تتركز الجهود الآن على كيفية جعل البشر يكتسبون مهارات تخولهم العمل إلى جانب الآلة الذكية، وليس الخوف منها.
القيادة لمن يتحكم في استخدام الذكاء الاصطناعي
وبحسب د. رياشي فإن للإنسان دوراً محورياً على مستوى الوظائف، فالأشخاص القادرون على استخدام الذكاء الاصطناعي والتحكم فيه، هم من سيقودون سوق الوظائف مستقبلاً، وبالتالي فإنه وبدلاً من الجلوس متفرجاً أمام هذا التغيير، يجب على الموظف أن يطور نفسه وقدراته ومهاراته، كي يتمكن من مواكبة سوق العمل.
كما أشار، في هذا السياق، إلى أن دراسة حديثة أجراها أحد الخبراء الاقتصاديين العالميين، وجدت أن نحو 60 بالمئة من عمال اليوم يعملون في مهن لم تكن موجودة في عام 1940، وهذا مرده إلى ظهور تكنولوجيات جديدة في السنوات الماضية، أدت إلى خلق مناصب وظيفية جديدة، ومن هنا يمكن توقع أن يؤدي ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى بروز وظائف جديدة في سوق العمل.
آفة الديون الرقمية
وشدد رياشي على أن ما تقوله مايكروسوفت صحيح ويمكن البناء عليه، فأدوات الذكاء الاصطناعي، يمكن لها أن تخلق تكاملاً مع الدور الذي يقوم به الموظفون، وهي قادرة على اختصار الوقت والجهد، فمثلاً هناك اليوم الكثير من الشركات والموظفين، الذين يعانون من آفة "الديون الرقمية"، التي تؤدي إلى تراكم الرسائل والطلبات داخل البريد الإلكتروني، مع عدم القدرة على متابعتها، وبالتالي فإن تكليف أدوات الذكاء الاصطناعي بمعالجة هذه المشكلة يؤدي إلى زيادة إنتاجية الموظف ويخفف ضغط العمل عنه.
الـ AI شريك يساعد العمال
ووفقاً لرياشي، فإن طبيعة البشر تحتم عدم قدرتهم على العمل لساعات طويلة بالإنتاجية ذاتها، ودون الشعور بالتعب، وهذا يعني وجود أجزاء غير منتجة في دوام العمل، خاصة في حال أراد الموظف أن ينال قسطاً من الراحة أو أن يتناول طعامه، وبالتالي فإن أدوات الذكاء الاصطناعي، يمكن لها أن تكون الشريك الذي ينقذ العمال في حال أرادوا أن يرتاحوا قليلاً.
سلاح ذو حدين
شدد رياشي، على أنه يجب على الإنسان التفكير، في كيفية تحويل الذكاء الاصطناعي، إلى مساعد في الوظيفة بدلاً من الخوف منه، مشيراً إلى أن التكنولوجيا بشكل عام سلاح ذو حدين، حيث تتوقف الفائدة منها على استخدامها بالشكل الصحيح، ومن هنا فإنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في سوق العمل، لأهداف تكون لصالح الإنسان وتساعده في التخلص من الإرهاق الشديد، الذي تتسبب فيه الكثير من الوظائف.
أما بالنسبة لكيفية اكتساب مهارات التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فيقول عضو اللجنة التنفيذية في المنتدى الاقتصادي العالمي لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" الدكتور ألفرد رياشي، إن هذا الأمر يتطلب بعض الوقت ولا يمكن تحديده من الآن، فهذه التكنولوجيا لا تزال جديدة تماماً، متوقعاً أن تتضح الصورة أكثر خلال عام 2024.