يبدو أن الملف الاقتصادي التركي، سيكون العدو اللدود للرئيس رجب طيب أردوغان، في الانتخابات القادمة، والذي بقي على مدار أكثر من عقدين هو "المسيطر" لجميع الانتخابات التي شهدتها أنقرة.
وتضع الانتخابات الرئاسية التي ستجرى الأحد القادم، الرئيس أردوغان في سباق محتدم مع منافسه المعارض كمال قليجدار أوغلو، ومن الصعب الاعتقاد بأن السياسي المخضرم الذي حكم تركيا بقبضة قوية سيقر بالهزيمة عن طيب خاطر ويترك منصبه بهدوء.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم قليجدار أوغلو، لكن أردوغان رغم ذلك قد يفوز نظرا لقاعدة الدعم القوية التي يتمتع بها بين أبناء الطبقة العاملة المتدينة في قلب الأناضول.
العدو اللدود.. الاقتصاد
مما لا شك فيه أن حظوظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد تضررت بشكل ملحوظ بسبب الاقتصاد المتدهور، وما اعتبره منتقدون تعاملا فاترا مع كارثة الزلزال، خاصة بعد ما أثير تساؤلات حول إفلات بعض مقاولي الإنشاءات في المناطق الأكثر تضررا من العقاب على الرغم من انتهاكات بناء سابقة مما فاقم من ضعف صمود المباني أمام الزلازل.
ويمكن الشعور في شوارع البلاد بحالة من عدم اليقين والقلق والترقب والتوتر تجاه ما قد تحمل النتائج في طياتها لثاني أكبردولة في أوروبا بعدد سكان 85 مليون نسمة. وهناك عدد كبير من الأتراك من بينهم جيل جديد من الناخبين يتوقون إلى التغيير.
لقد أنهكهم التضخم الطاحن وانهيار الليرة والتدني الحاد في مستويات المعيشة، بالإضافة إلى الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير، وأودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص وشرد الملايين.
ويعزو معظم الاقتصاديين التضخم المتفاقم الذي لامس 85 بالمئة العام الماضي والأزمة المالية القائمة منذ أمد طويل إلى سياسات أردوغان غير التقليدية وسوء الإدارة. ويقول أردوغان إنه سيظل متمسكا بسياسته الاقتصادية التي تركز على خفض أسعار الفائدة إذا فاز.
وقبل ثلاثة أيام من التصويت، ظل الرئيس أردوغان يستعرض على ىشاشات التلفزيون وفي مضمار حملته الانتخابية النجاحات السابقة المتمثلة في مشروعات ضخمة في مجالات الدفاع والغاز والصناعة.
ووفقا لنظام التصويت التركي، فإن أي مرشح يصبح فائزا بحصوله على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات وإذا لم يحصد أي مرشح هذه النسبة تجري جولة إعادة تحدد الفائز، وهو تصور محتمل لأن استطلاعات الرأي تظهر عدم حصول أردوغان وخصمه على أغلبية.
قال الكاتب الصحفي التركي قدري جورسل "جاء أردوغان إلى السلطة في غمرة أزمة اقتصادية وزلزال مدمر وسيغادر في الظروف نفسها"، في إشارة إلى التضخم المتصاعد في تسعينيات القرن الماضي في أعقاب زلزال عام 1999 بالقرب من إسطنبول.
ويشير محللون إلى أن التضخم والأزمات الاقتصادية أدت تاريخيا إلى إسقاط كل حكومة تركية اعتُبرت مسؤولة عن سوء إدارة شؤون الدولة.
وقال جورسل لوكالة "رويترز": "الاقتصاد هو الذي أفقده شعبيته... أصبح اقتصادا لايعمل وفق مبادئ حرة ونزيهة، لكن على أساس مصالح خاصة".
ويكابد كثير من الأتراك لتغطية تكلفة الطعام والتعليم وإيجار السكن بعد أن أصبح الحد الأدنى للأجور الشهرية للعمال يعادل 436 دولارا بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية.
وعندما وصل أردوغان إلى السلطة عام 2003 كانت تركيا تعيش حالة انتعاش اقتصادي وبدت وكأنها تكتب قصة نجاح مدهشة يحسدها عليها جيرانها.
تحسين أوضاع الفقراء
غير أن المؤيدون، بل والمنتقدون، ينسبون الفضل لأردوغان وفريقه في الإنجازات المبكرة لتحسين أوضاع الفقراء بتوفير إمدادات الكهرباء والمياه وزيادة دخل الفرد وتوزيع الثروة ونشر الرعاية الصحية وبناء مدارس ومراكز رعاية طبية وطرق وجسور ومطارات جديدة.
وفي حديث خاص لـ اقتصاد سكاي نيوز عربية، يرى الخبير الاقتصادي التركي دينيز إستقبال:
- من المرجح ألا تتمكن المعارضة من الإيفاء بوعودها بعد الانتخابات، بعكس الحكومة الحالية القادرة على إتمام ما بدأته والإيفاء بوعودها.
- الملف الاقتصادي ربما تأثر إلى حد كبير بجائحة كورونا ثم الزلزال الذي ضرب تركيا، لكنه سينتعش بعد حوالي عام مع انخفاض التضخم
- الليرة التركية ستعاود الارتفاع أمام الدولار مع انكماش التضخم في العام المقبل.
- عندما ينخفض التضخم سيشعر المواطن التركي بالارتياح والأمان أكثر بشأن الأوضاع الاقتصادية
- توقعات المؤسسات الدولية تشير إلى أن الاقتصاد التركي لديه إمكانيات مهمة ولاسيما بعد الانتخابات، إذ سيجذب استثمارات بشكل أكبر من الـ 20 عاما الماضية.
وعن نجاعة سياسات أردوغان الاقتصادية، قال إستقبال إنها تمكنت من جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية مع تحسن معدلات التوظيف (تم توظيف أكثر من 3 ملايين شخص).
لكن إستقبال أكد، أنها قد ألحقت الضرر بمعدلات التضخم التي قفزت بشكل كبير مما انعكس سلبا على حياة الناس، مشيرا إلى أن معدلات التضخم قد شهدت تراجعا في الشهور الأخيرة.
وتابع قائلا: "من الممكن أن نقول إن السياسات الاقتصادية للرئيس أردوغان نجحت إذا انخفض التضخم في تركيا خلال عام".
يذكر أن بنك "جيه.بي مورغان" كان قد توقع في أبريل الماضي، أن تهوي الليرة التركية بشكل حاد وربما يقترب الدولار من تسجيل 30 ليرة عقب الانتخابات، إذا بدا أن أنقرة لن تدخل سوى تغييرات طفيفة على سياساتها النقدية غير التقليدية.
وتوقع محللو "جيه.بي مورغان" أن تقفز عوائد السندات الحكومية القياسية، التي تزيد تكاليف الاقتراض في الاقتصاد، إلى 25 بالمئة.
وقدر البنك أن سعر الصرف الفعلي لليرة الآن أقل بنحو 32 بالمئة من "قيمته العادلة". وسعر الصرف الفعلي الحقيقي للعملة هو الذي يضع الأسعار في الحسبان ويقيس قيمتها مقابل العملات الأخرى التي تجري تركيا معها معاملات تجارية كثيرة.