مع دخول القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم أسبوعه الرابع، بدأت أزمة السيولة تضرب بقوة في أوساط السكان، الأمر الذي أدى إلى تقليص المشتريات بأكثر من النصف تقريبا؛ لكن رغم ذلك ارتفعت أسعار الخبز والكثير من مكونات سلة غذاء السودانيين اليومية بنسب تراوحت بين 50 إلى 100 بالمئة، بينما ارتفع سعر الوقود وغاز الطبخ في السوق السوداء، بنسب تفوق 500 بالمئة.
ورغم احتدام القتال؛ إلا أن الغريب هو انحسار ظاهرة الطوابير الطويلة امام المخابز ومحلات البقالة والتي كانت تشكل المشهد العام في الأحياء الطرفية في العاصمة السودانية الخرطوم خلال الأيام الأولى التي تلت اندلاع الحرب في منتصف ابريل.
ووفقا لـ أحمد وهو موظف في القطاع العام؛ فإن الجميع بدأ يحس بوطأة الأزمة في ظل تعثر صرف الأجور وتوقف أكثر من 80 في المئة من الأعمال في القطاع الخاص.
ويقول أحمد لموقع سكاي نيوز عربية "السيولة نضبت لدى معظم الموظفين.. الأجر الشهري كان بالكاد يكفي لأسبوعين لكن بعد تأخر صرف الرواتب لأكثر من 15 يوما، أصبح الوضع أكثر سوءا". مشيرا إلى أن السكان يحاولون التأقلم مع الأوضاع الحالية بالتقشف في كل شيء وتقليص الوجبات والاعتماد على مكونات رخيصة نسبيا".
ويتهم أحمد التجار باستغلال الظروف الأمنية الحالية ورفع الأسعار بمعدلات تفوق قدرة المواطن في بلد وصلت فيه نسبة الفقر بين السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة إلى أكثر من 60 بالمئة قبل الحرب. لكن الطيب الذي يدير إحدى محلات البقالة في جنوب الخرطوم ينفي ذلك؛ ويقول لموقع سكاي نيوز عربية إن توقف المصانع وشبكات التوزيع هو السبب في الأوضاع الحالية.
وخرجت أكثر من 400 منشأة تعمل في مجال الصناعات الغذائية ومختلف المجالات الأخرى في العاصمة السودانية الخرطوم عن الخدمة تماما بعد التخريب الكبير الذي تعرضت له بسبب الفوضى المصاحبة للقتال الدائر حاليا.
وينتشر المئات من اللصوص في المناطق الصناعية في مدن العاصمة الثلاثة وينهبون كل شيء بما في ذلك الماكينات وأجزاؤها والمواد الخام والمخزون الإنتاجي.
ووفقا لعبد الرحمن عباس الآمين العام السابق لاتحاد الغرف الصناعية، فإن حجم الدمار الذي تتعرض له المصانع لم يكن يخطر على بال أحد؛ ويقول لموقع سكاي نيوز عربية " فقد العديد من رجال الأعمال مصانع عملاقة استغرق بناؤها عشرات السنين وصرفت عليها أموال ضخمة للغاية".
وأضاف "الازمة كبيرة وستعيق الإنتاج الصناعي تماما مما سيشكل خطرا على إمدادات الغذاء والدواء على المدى القصير وسيؤدي إلى تراجع كبير في الناتج الاقتصادي".
ويشير عباس إلى أن الدمار الحالي الذي تتعرض له المصانع ستكون له عواقب وخيمة وستفقد بسببه آلاف الأسر مصادر رزقها، حيث يستوعب القطاع الصناعي في الخرطوم وسلاسل الإمداد المرتبطة به أكثر من 100 ألف وظيفة.
وقال حسن بشير، أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية لموقع سكاي نيوز عربية إن الحرب الحالية عقدت من أزمة الاقتصاد السوداني الذي كان يعاني أصلا من مشكلات هيكلية خطيرة.
وأوضح أن إصلاح التخريب الذي تعرضت له المنشآت التجارية والصناعية في الخرطوم يحتاج إلى سنين طويلة، خصوصا في ظل التوقعات بعدم قدرة القطاع المصرفي على القيام بدوره المطلوب في إعادة التأهيل، نظرا للضعف الذي يعاني منه في الأساس، وتأثره أيضا بعمليات النهب والتخريب الحالية.
ومع استمرار القتال واتساع نطاق تدمير سلاسل الإمداد تتزايد المخاوف من حدوث نقص حاد في السلع الغذائية وارتفاع أكبر في الأسعار. وفي الجانب الآخر؛ يعاني الكثير من السودانيين المعتمدين على تحويلات معيليهم العاملين في الخارج في ظل إغلاق البنوك ومحلات الصرافة وتوقف التحويلات الخارجية تماما.
وتدفع كل هذه الأوضاع المزيد من سكان العاصمة الخرطوم البالغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة للنزوح إلى الأقاليم او البلدان المجاورة في ظل ظروف إنسانية بالغت التعقيد؛ وسط مخاوف من أن تتفاقم الأزمة أكثر في الأقاليم التي تعاني من محدودية الموارد وضعف بنية الإيواء.