لم تنته بعد تبعات أزمة البنوك التي اندلعت شرارتها في الولايات المتحدة الأميركية بدءاً من شهر مارس الماضي، وأسفرت عن فشل ثلاثة بنوك ويعتقد محللون بأن السلسلة قد تطول.
أوجدت تلك الأزمة تساؤلات عميقة بشأن تأثير السياسات المالية والنقدية المتبعة لكبح جماح التضخم على القطاع المصرفي، ولا سيما على البنوك الصغيرة والمتوسطة.
كما سلطت الضوء في الوقت نفسه على عمليات "تقييم المخاطر" لدى تلك البنوك، سواء فيما يتصل بدور إدارات تقييم المخاطر الداخلية، وكذلك الدور الذي تقوم به شركات التقييم الخارجية من أجل التنبيه بحقيقة المخاطر التي تواجهها أي من البنوك بناءً على بياناتها المالية الدورية وفي ظل أوضاع السوق المتغيرة.
واحدة من القضايا الأساسية التي طرحتها أزمة المصارف بالولايات المتحدة ما يتعلق بشركات التدقيق، لا سيما بالنظر إلى أن شركة عالمية واحدة كانت عاملاً مشتركاً بين البنوك الثلاث التي تعرضت للانهيار (سيلكون فالي وسيغنيتشر وفيرست ريبابليك بنك) وهي شركة KPMG العالمية، والتي تُعد واحدة من أكبر أربع شركات تدقيق على مستوى العالم.
أكبر مدقق حسابات
بحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فلقد "ألقت حالات فشل البنوك الثلاث منذ شهر مارس بظلالها على الشركة باعتبارها أكبر مدقق حسابات للقطاع المصرفي الأميركي.. وقد تصاعدت التساؤلات حول جودة عملها واستقلاليتها في الأيام الأخيرة، لا سيما بعد صدور تقرير الاحتياطي الفيدرالي عن انهيار بنك سيليكون فالي والبيع القسري لشركة فيرست ريبابليك".
المثير في الأمر، أنه بالنسبة لحالة البنوك الثلاث فإن شركة التدقيق العالمية أعطت البيانات المالية لتلك البنوك شهادة بسلامتها المالية حتى آخر شهر فبراير الماضي (قبل اندلاع أزمة المصارف بشهر واحد فقط).
ونقل التقرير عن مستشارة سابقة بالشركة المذكورة، وهي فرانسين ماكينا، قولها: نحتاج إلى إجراء صارم لدعم "الكلام القاسي" من قبل المنظمين (في إشارة للضغوطات التي تواجهها الشركة حالياً وما تواجه من انتقادات حادة).
كما نقل عن المدققة السابقة التي تعمل الآن أستاذاً مساعداً للمحاسبة في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، كيشيا ويليامز سميث، قولها: "(..) السؤال عن تقييم مخاطر المدقق نفسه، وما إذا كان لديهم إجراءات تدقيق صحيحة".
وبالتالي "كان من المرجح أن يعتمد التدقيق في عمل KPMG على ما إذا كان موظفوها مستقلون بما فيه الكفاية عن البنوك التي قاموا بتدقيقها، وما إذا كانوا يولون اهتماماً مناسباً للعلامات الحمراء (التي تشير إلى المخاطر الأساسية)، وما إذا كانت لديهم المهارات المناسبة للحكم على جودة البيانات المالية في بيئة تغيرت بسبب ارتفاع أسعار الفائدة".
الشركة تُقيم 30 بنكاً مُدرجاً
وفي الوقت الذي يحذر فيه من أن "خروج أموال المودعين من البنوك الأميركية سيؤدي حتماً إلى أزمة مصرفية قد تنقل البلاد والعالم إلى أزمة مالية على غرار تلك التي حدثت في العام 2008"، يشير الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن:
- القطاع المصرفي الأميركي شهد ثلاث حالات إفلاس مصرفية في شهرين، وهي لبنوك (سيلكون فالي وسيغنيتشر وفيرست ريبابليك بنك).
- جميعهم يشتركون في أمر واحد وهو أن بياناتهم المالية كانت تدققها مجموعة "كي بي إم جي".
- البنوك المذكورة حصلت على إقرارات بسلامة ملائتها المالية حتى نهاية شهر فبراير الماضي من المجموعة ذاتها!
- الشركة تقوم بتدقيق البيانات المالية لمجموعة كبيرة من البنوك في النظام المصرفي الأميركي، وهي نفسها التي تقيم حسابات بنوك مثل "ويلز فارغو" و"سيتي غروب" و"نيويورك ميلون" و30 بنكاً آخرين.
تشير بيانات Audit Analytics إلى أن شركة KPMG تلعب دوراً فريداً كمدقق حسابات لبنوك أميركية، بل إنها تقوم بتدقيق نسبة أكبر من النظام المصرفي بالبلد أكثر من أي شركة أخرى.
وسددت البنوك المدرجة بشكل عام للشركة أكثر من 325 مليون دولار كرسوم في العام 2021 (العام الأخير الذي تتوفر فيه بيانات كاملة).
ومما يدل على مكانة الشركة والثقة بها، فإن موظفيها السابقين يلعبون أدوار مهمة في القطاع المصرفي (على غرار تعيين Keisha Hutchinson التي كانت الشريك الرئيسي في فريق تدقيق الشركة رئيسة لإدارة المخاطر في العام 2021 ببنك سينغتيتشر).
دور شركات التدقيق
في تقدير الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم" للدراسات في لندن، طارق الرفاعي، فإن الأمر بصفة عامة لا يرتبط بـ KPMG وحدها، ويعتقد بأنه بشكل عام لا يُمكن الاعتداد أو التعويل بشكل أوسع على شركات التدقيق في تقييم المخاطر بالنسبة للبنوك.
يقول الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لا نتحدث عن KPMG بحد ذاتها كشركة منفردة.. جميع شركات التدقيق ربما تسير على نفس الاتجاه، لجهة عدم الدخول في نقاط تفصيلية لدى تدقيق الشركات أو البنوك، ولذلك نرى كل فترة أن هناك مشاكل مرتبطة بشركات التدقيق، على أساس أنها لا تتدخل في كثير من التفاصيل ولا يفصحون عن المشاكل المرتبطة بالشفافية".
وكانت KPMG قد ذكرت سابقاً، أنها تقف وراء عمليات تدقيق سيلكون فالي وسيغنيتشر، لكنها امتنعت عن التعليق أكثر من مرة، بالإشارة إلى "سرية بيانات العملاء".
ويتابع الرفاعي: "لكن في نفس الوقت نرى نجاح شركات أبحاث مثل هندنبرغ، والتي ترتبط خبرتها أو تخصصها في البحث عن الشركات ذات المشاكل وعدم الشفافية، وقد نجحوا في الإفصاح عن كثير من تلك الشركات ورأينا النتيجة عملياً".
لكن بالنسبة لشركات التدقيق "ربما تبدو ليست مثلما يتوقع المستثمر من ناحية التفاصيل والإفصاح والشفافية"، بحسب الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم" للدراسات في لندن.
نقاط الضعف
تقرير مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأخير، الصادر الأسبوع الماضي، كان قد كشف عن مدى نقاط الضعف في إدارة المخاطر لدى سيلكون فالي ووظائف التدقيق الداخلي، وبما يحتاج إلى تقييم من قبل المدققين الخارجيين للشركة.
ونقل تقرير "فاينانشال تايمز" عن الشريك السابق في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، جيفري يوهانز، الذي يدرّس التدقيق في جامعة تكساس في أوستن، إن ذلك قد يثير تساؤلاً حول ما إذا كان ينبغي على KPMG أن تسلط الضوء على هذه الإخفاقات للمستثمرين باعتبارها نقاط ضعف مادية يمكن أن تؤثر على النتائج المالية.
ويخطط مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة PCAOB لتكثيف عمليات التفتيش مرة أخرى في قطاع الخدمات المالية.
وقال الشهر الماضي إن فحصه لعمليات تدقيق 2022 سيركز على ما إذا كان ينبغي إجبار البنوك على الكشف عن المزيد حول مخاطر السيولة والأحداث التي وقعت بين نهاية السنة المالية ونشر تقرير التدقيق. كما أعلن عن أنه سيدرس ما إذا كان المدققون لديهم الخبرة المطلوبة للإشراف على المؤسسات المعقدة.