يبدو أن القطاع البنكي في الولايات المتحدة، سيفقد لاعباً جديداً خلال الأيام المقبلة، بعد أن ظهر جلياً تفاقم أزمة بنك فيرست ريبابليك، خلال الربع الأول من العام الحالي، مع التراجع القوي في حجم الودائع الذي تجاوزت نسبته 40 في المئة.
شهد سهم البنك الذي تأسس في سان فرانسيسكو عام 1985، ويحتل المرتبة الرابعةَ عشرة في قائمة أكبر البنوك التجارية الأميركية في نهاية العام الماضي، تراجعاً تجاوز 90 في المئة، منذ بداية 2023 وحتى إغلاق يوم أمس، عقب تخطي الانخفاض في حجم الودائع لديه، حاجز الـ 100 مليار دولار.
نفق مظلم
يقول الخبير الاقتصادي، ورئيس شركة لينكس للاستشارات الاقتصادية، بيتر تانس، إنه من غير المرجح أن ينجو البنك من تعثره الحالي، حيث لن يعود المودعون مرة أخرى في المستقبل القريب.
ويضيف في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية أنّ محفظة القروض ليست ذات قيمة كافية لكي تستدعي إنقاذها من المنظمين، مؤكداً أنه من المحتمل أن يتأثر مساهمو البنك سلباً بالإفلاس التام للمصرف خلال الأيام المقبلة.
ويشير إلى أن القطاع المصرفي الأميركي متين، ومع ذلك، لا يمكن لأي بنك أن ينجو من أزمة سحب الودائع، لذلك من الواضح أن هناك عنصراً يرتبط بسيكولوجية المتعاملين.
يقول تانس: "بنك الاحتياطي الفيدرالي قام بحماية المودعين بشكل مبرر حتى الآن على جميع المستويات، وليس فقط عند حد شركة تأمين الودائع الفيدرالية البالغ 250 ألف دولار، ويجب على شركة تأمين الودائع الفيدرالية الآن اتخاذ تدابير لضمان أن يكون لدى البنوك أصول وخصوم متطابقة - بشكل وثيق - مع آجال استحقاقها".
ويتوقع رئيس شركة لينكس للاستشارات الاقتصادية أنّ الاضطرابات الحالية ستفرض إشرافاً أكثر موثوقية مستقبلاً من قبل منظمي البنوك بالولايات المتحدة (وكالة تأمين الودائع الفيدرالية، والإدارة الوطنية للاتحاد الائتماني).
ملامح مخيبة للأمل
رجّح الخبير الاقتصادي والمتخصص في الشأن الأميركي، شريف عثمان، أن يلقى بنك فيرست ريبابليك، مصير أسلافه بالإفلاس، خلال الفترة القادمة، لا سيّما في حالة عدم وجود مشتر للبنك في وقت قريب.
وأوضح في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنّ المسؤولين الأميركيين لم يبدوا رغبة حتى الآن في مساعدة البنك بطريقة غير معتادة لإخراجه من أزمته الحالية، واصفاً ما تم تقديمه من دعم منذ بداية الأزمة بـ"غير الكافي".
ويُعدّ بنك فيرست ريبابليك، معروفاً بامتلاكه أعمال إقراض رهن عقاري كبيرة، ومجموعة كبيرة من العملاء الأثرياء، الذين ادخر الكثير منهم أموالاً مع البنك، أكثر مما ستضمنه الحكومة.
وتلقى المصرف دعماً بقيمة 30 مليار دولار أميركي، من مجموعة من 11 بنكاً خاصاً في الولايات المتحدة، بما في ذلك سيتي غروب وويلز فارغو وبنك أوف أميركا وجيه بي مورغان تشيز، حيث استفاد "فيرست ريبابليك" من الخطوات الطارئة التي اتخذها المنظمون الأميركيون، التي كانت تهدف إلى إنقاذ القطاع المصرفي من الانهيار.
ومنذ ذلك الحين، وبعد انهيار بنكي سيلكون فالي وسيغنيتشر، بدأت إدارة المصرف في اتخاذ إجراءات لتعزيز أعمالها وإعادة هيكلة ميزانيتها العمومية، حيث تشمل هذه الإجراءات:
- زيادة الودائع المؤمن عليها
- تقليل الاقتراض من بنك الاحتياطي الفيدرالي
- خفض أرصدة القروض لتتوافق مع انخفاض الاعتماد على الودائع غير المؤمن عليها
ومن المقرر أن يتخذ البنك خطوات لتقليل النفقات، تشمل:
- خفض تعويضات المسؤولين التنفيذيين بشكل كبير
- تقليل المشاريع والأنشطة غير الأساسية
- تقليص قوته العاملة بنسبة تتراوح بين 20 و25 بالمئة خلال الربع الثاني من 2023.
مصائب قوم
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي والمتخصص في الشأن الأميركي، أن السيناريو الأقرب هو أن المشترين الراغبين في الاستحواذ على البنك لن يمثل الوضع الحالي فرصة جيدة لهم، مع اقتراب تنفيذ إغلاق البنك، وبالتالي يمثل ذلك وقتا مثاليا لتحقيق ربح أكبر من الصفقة.
يتوقع عثمان، أن يكون التأثير على الاقتصاد العالمي محدوداً في حال تفاقمت الأزمة وتم إغلاق البنك بالفعل، حيث إن الأمر يتعلق ببعض المشكلات في هيكل أصول البنك، وربما عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من البنوك الإقليمية الأخرى.
ويلفت إلى أن البنوك الكبيرة بعيدة عن المشكلة، واستفادت منها إيجابياً، عن طريق تحويل العملاء الذين أصابهم القلق لأموالهم من البنوك الإقليمية إليها، وهو ما ظهر بوضوح في نتائج الأعمال الفصلية لها بنهاية مارس؛ حيث كانت في أغلبها أفضل من التوقعات، لهذا السبب.
نتج عن الأزمة بيع العملاق المصرفي كريدي سويس السويسري إلى بنك يو بي إس، بعد أن شهد سحب ودائع بقيمة 61.2 مليار فرنك سويسري (69 مليار دولار) في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.
وتراجعت الأصول التي يديرها قسم إدارة الثروات في "كريدي سويس"، إلى 502.5 مليار فرنك في نهاية مارس الماضي، مقابل 707 مليارات فرنك عن الفترة المناظرة من عام 2022.
المؤشرات الفنية
من وجهة نظر التحليل الفني، يوضح خبير أسواق المال، محمد يونس، أن التأثير كان محدوداً منذ بداية الأزمة على الأسواق المالية، وعلى مؤشرات الأسواق الأميركية، التي استأنفت العقود المستقبلية لها الأداء الصاعد اليوم الخميس، مما يعني عدم وجود تأثر سلبي بالغ بالأزمة.
ويشير في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنّ مؤشر داو جونز الصناعي واس أند بي 500، ما زالت لديهما مستهدفات صاعدة قوية، لم تظهر بعد أي علامات لهبوطهما على المدى القريب، رغم الأداء العرضي الحالي.
يقول: "منذ أول أخبار لانهيار بنك سيلكون فالي في مارس الماضي، تعامل السوق معها بشكل طبيعي ولم يحدث تأثر سلبي بالغ في الأداء، حيث امتص المستثمرون الأخبار السلبية، واستأنفت الأسهم أداءها الصاعد بشكل طبيعي".
وظهرت المشكلات في القطاع المصرفي في الولايات المتحدة في وقت سابق من الشهر الماضي عندما انهار بنك وادي السيليكون، وهو البنك السادس عشر في البلاد، في أكبر فشل لبنك أميركي منذ عام 2008. وتبع ذلك بعد يومين انهيار بنك سيغنيتشر في نيويورك.
يذهب يونس إلى أنّ الوضع في أزمة 2008 كان مختلفاً تماماِ عّما هو عليه الآن، فيبدو أنه حتى في حالة إفلاس بنك فيرست ريبابليك، لن تكون الأزمة كبيرة وذات تداعيات صعبة على القطاع المصرفي الأميركي.
لكن رغم تدخل السلطات؛ لضمان الودائع التي تتجاوز الحدود المعتادة في محاولة لتجنب المزيد من عمليات السحب على الودائع المصرفية، قدرت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع تكلفتها بنحو 20 مليار دولار.
وقامت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك إنجلترا، برفع أسعار الفائدة بشكل حاد في محاولتها للحد من التضخم، لكن هذه التحركات أضرت بقيم المحافظ الكبيرة من السندات التي اشترتها البنوك، عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة، وهو ما تسبب في الأزمة الحالية للبنوك.