استثمر التاجر كل مدخراته التي جمعها من غربة دامت 20 عاما في محل تجاري في سوق مدينة الخرطوم "بحري المركزي"؛ لكنه استيقظ في صبيحة اليوم التاسع من القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ليجد محله قد احترق بالكامل، ويضيع معه مصدر الرزق الوحيد الذي كان يعول به أسرتيه الكبيرة والصغيرة المكونة من 9 أفراد.

وإضافة إلى الخسائر البشرية بين المدنيين والتي تقدرها بيانات رسمية ومستقلة بين 450 و800 حالة وفاة، أحدثت الحرب الدائرة بين الجانبين منذ ثلاثة عشر يوما في العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من مدن ومناطق البلاد الأخرى دمارا هائلا في ممتلكات السكان، وفي المنشآت العامة والبنيات التحتية الأساسية، من طرق وشبكات كهرباء ومياه ومطارات وغيرها، مما حول حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.

ووفقا لمسح أولي، فقد تضررت مناطق سكنية في مدن العاصمة الثلاثة والجنينة في غرب البلاد، ومناطق أخرى بشكل كبير بسبب القصف الجوي العشوائي، وإطلاق الدانات والذخائر في الأحياء السكنية والأسواق العامة.

أخبار ذات صلة

كباشي: قوات الدعم السريع تحشد للحرب منذ أشهر
السودان.. الحرب تطيح بالدولار والذهب وتلهب أسعار الأغذية

وفي حين لم تصدر بيانات رسمية لحجم الأضرار التي لحقت بمنازل السكان والأسواق والمنشآت العامة والبنى التحتية؛ إلا أن تقديرات أولية تشير إلى أن أكثر من 700 منزل دمر بشكل كامل او جزئي وأصبحت غير صالحة للسكن تماما؛ كما تضرر أكثر من 600 متجر في الأحياء والأسواق واحترق بعضها بشكل كامل.

أما الدمار في البنية التحتية، فيبدو كبيرا للغاية خصوصا في وسط العاصمة، فقد تعرض مطار الخرطوم الدولي لأضرار بالغة شملت المدرجات الرئيسية وصالات المسافرين وغيرها من منشآت المطار المهمة التي يمكن أن يستغرق إصلاحها شهورا طويلة في حال توقف الحرب الحالية.

وبسبب القصف المتواصل وإطلاق النار المستمر احترقت أجزاء كبيرة من مباني وزارة الدفاع وغيرها من المباني الحيوية المجاورة.

وتعرضت أيضا شبكات ومحطات الكهرباء والمياه لأضرار كبيرة مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وإمدادات المياه في أكثر من 40 بالمئة من أحياء ومناطق العاصمة.

ويبرز الوجه الأقبح للحرب في الدمار الهائل الذي لحق بالمستشفيات والمنشآت الصحية التي تعمل حاليا بنحو 28 بالمئة من طاقتها الكاملة، والتي كانت تغطي في الأصل أقل من 50 بالمئة من الاحتياجات الصحية.

وقال متحدث باسم اللجنة الإعلامية لنقابة أطباء السودان إن مستشفيات رئيسية خرجت من الخدمة تماما بسبب التخريب الذي تعرضت له جراء الاقتتال مما يعرض حياة آلاف المرضى للخطر.

وعلى الرغم من العودة المحدودة للحياة في بعض المناطق الطرفية النائية في العاصمة الخرطوم إلا أن معظم الأسواق الرئيسية لا تزال متوقفة عن العمل تماما.

أخبار ذات صلة

المتحدث باسم العملية السياسية: هناك طرف ثالث في نزاع السودان
مصر تكشف أعداد اللاجئين عبر الحدود مع السودان

كما توقف منذ اليوم الأول من اندلاع الحرب في الرابع عشر من أبريل، العمل في كافة مناحي الخدمة المدنية في ظل صعوبة التنقل، بسبب القتال المتواصل في وسط الخرطوم الذي يضم معظم مؤسسات الدولة من وزارات وهيئات خدمية وغيرها؛ وأغلقت كافة المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم الأخرى دون تحديد مدى زمني محدد لاستئناف الدراسة فيها.

ويعتمد أكثر من 70 بالمئة من سكان العاصمة البالغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة في معيشتهم على الأعمال اليومية المتوقفة بنسبة تصل إلى 90 بالمئة، مما أحدث فجوة معيشية كبيرة زادت من حدة الفقر والحاجة في بلد يعيش أكثر من 60 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.

وتزيد المعاناة أكثر في ظل توقف العدد القليل من المصانع الذي كان يعمل قبل اندلاع الحرب والذي كان يقدر بنحو 20 بالمئة فقط من طاقتها الإجمالية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي ظل يعيشها السودان خلال الأشهر القليلة الماضية.

ورسم كمبال علي كمبال رئيس غرفة الصناعات الغذائية صورة قاتمة عن أوضاع المنشآت الصناعية؛ وقال لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن عددا كبيرا من المصانع تعرض للنهب والتخريب بسبب الانفلات الأمني الذي صاحب القتال الحالي في البلاد.

ويصطف الناس في الخرطوم لساعات طويلة للحصول على الاحتياجات الاساسية خصوصا الخبز حيث توقف أكثر من 80 بالمئة من المخابز العاملة في العاصمة بسبب المخاوف الأمنية والنقص الكبير في مدخلات الإنتاج.