يبدو أن أزمة المصارف الأميركية التي بدأت مع انهيار بنك سيليكون فالي في 10 مارس 2023، ثم طالت ارتداداتها القارة الأوروبية في 19 مارس، لينتج عنها بيع مصرف كريدي سويس إلى يو بي إس، حيث لا تزال تداعياتها مستمرة مع انضمام First Republic Bank الأميركي، إلى قائمة البنوك المهددة بمواجهة مصير أسلافه.
فقد أعلن First Republic Bank الذي احتل المرتبة الرابع عشرة في قائمة أكبر البنوك التجارية الأميركية في نهاية 2022، أن ودائعه انخفضت بنسبة 40.8 بالمئة خلال الربع الأول من 2023، إلى 104.5 مليار دولار أميركي، إثر مواجهته لموجة سحوبات من الودائع بعد أزمة بنك سيليكون فالي.
وبلغ حجم الودائع في بنك فيرست ريبابليك قرابة الـ 173.5 مليار دولار أميركي في 9 مارس 2023، ولكن في تاريخ 10 مارس وبعد الإعلان عن أزمة بنك سيليكون فالي، شهد First Republic Bank تهافتاً غير مسبوق على سحب الودائع، استمر حتى 16 مارس عندما تلقى المصرف دعماً بقيمة 30 مليار دولار أميركي، من مجموعة من 11 بنكاً خاصاً في الولايات المتحدة، بما في ذلك سيتي غروب وويلز فارغو وبنك أوف أميركا وجيه بي مورغان تشيز، حيث استفاد First Republic Bank من الخطوات الطارئة التي اتخذها المنظمون الأميركيون التي كانت تهدف إلى إنقاذ القطاع المصرفي من الانهيار.
لولا مبلغ 30 مليار دولار..
ولولا مبلغ الـ 30 مليار دولار الذي حصل عليه First Republic Bank، لكان الانخفاض في حجم الودائع لديه، قد تخطى حاجز الـ 100 مليار دولار، حيث أدى الإعلان عن هذه الوقائع، إلى انخفاض أسهم البنك بأكثر من 22 بالمئة، خلال تداولات ما بعد إغلاق يوم أمس الإثنين، في حين بلغت نسبة تراجع أسهم First Republic Bank أكثر من 87 بالمئة، منذ بداية 2023 وحتى إغلاق يوم أمس.
إجراءات البنك
يأتي هذا التراجع رغم إعلان إدارة المصرف أنها بدأت باتخاذ إجراءات لتعزيز أعمالها وإعادة هيكلة ميزانيتها العمومية، حيث تشمل هذه الإجراءات زيادة الودائع المؤمن عليها، وتقليل الاقتراض من بنك الاحتياطي الفيدرالي، وخفض أرصدة القروض لتتوافق مع انخفاض الاعتماد على الودائع غير المؤمن عليها.
كما سيتخذ البنك خطوات لتقليل النفقات، والتي تشمل خفض تعويضات المسؤولين التنفيذيين بشكل كبير، وتقليل المشاريع والأنشطة غير الأساسية، إضافة إلى تقليص قوته العاملة بنسبة تتراوح بين 20 و25 بالمئة خلال الربع الثاني من 2023.
مخاوف من تجدد هروب الودائع
وبحسب الخبراء، فإن نتائج أعمال First Republic Bank خاصة لناحية الإعلان عن حجم الودائع التي تم سحبها، قد تُجدد موجة هروب الودائع من بعض المصارف الصغيرة والمتوسطة، التي تعاني من خلل في أعمالها واستثماراتها، والتي تدخل المصرف المركزي الأميركي، لمنع انهيارها بعد سقوط بنك سيليكون فالي، ما يعني أن شبح الأزمة المصرفية سيعود ليطل برأسه من جديد.
ما حصل مع البنك أمر بديهي
ويقول وائل مكارم كبير استراتيجيي الاسواق في Exness في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما يحصل حالياً مع First Republic Bank هو أمر بديهي، فرغم حصول البنك على 30 مليار دولار أميركي من مجموعة مصارف كبرى، إلا أن نتائج أعماله خلال الربع الأول من العام 2023 أظهرت أن ودائع الزبائن لديه انخفضت بشكل ملحوظ، وأن مبلغ الـ 30 مليار دولار أميركي أعيد سحبه خلال شهر.
عدة عوامل تقلق المودعين
وبحسب مكارم، فإن عدة عوامل تدفع المودعين إلى القلق والإقبال على سحب ودائعهم من First Republic Bank، أبرزها خسارة البنك لـ 41 بالمئة من ودائعه، فرغم قيامه بكل التدابير والاجراءات للحد من وطأة الأزمة ومواجهتها، كتقليص عدد الموظفين وإجراءات أخرى، إلا أن تزايد الاهتمام الإعلامي بحجم سحوبات الودائع ونسبة تراجع الأسهم، سيضع مزيداً من الضغوط على البنك، وقد يدفع بعض المودعين لنقل ودائعهم إلى مصارف أخرى، وبالتالي ستكون وطأة السحوبات أقسى مع الكلام الصادر عبر الإعلام، ما يُسهل سقوط البنك رغم أنه يقوم بكل ما بوسعه لتحسين أدائه.
ورأى مكارم أن التعرض لسمعة First Republic Bank، من خلال ما يجري وتزعزع الثقة به في القطاع المصرفي، سيشكل تحدياً كبيراً، حيث سيكون من الصعب جداً استعادة الثقة به، فالناس قلقة على أموالها وسستسمر بالسحب، وبالتالي فإنه من المستحيل على البنك إعادة تكوين الودائع في ظل هذه الأجواء وبالتالي لن يصل إلى نهاية سعيدة.
احتمال تكرار سيناريو السحوبات
من جهته، يقول خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن First Republic Bank استطاع تجنّب الانهيار الأول في منتصف مارس 2023 بعد أن ضخت مجموعة من المصارف الأميركية الكبرى ما يصل إلى 30 مليار دولار في صورة ودائع لديه، إلا أن نتائج الربع الأول من 2023، عززت المخاوف بشأن الصحة المالية للبنك وهو ما سيضعه أمام احتمال تكرار سيناريو السحوبات الكبيرة ليجد نفسه بالتالي بحاجة إلى حزمة إنقاذ جديدة أو إبرام صفقة استحواذ.
وبحسب فحيلي، فإن First Republic Bank قد يجد نفسه في الساعات المقبلة في مواجهة الانهيار الثاني، بعد نحو 40 يوماً من تغلبه على الانهيار الأول، مع فارق أنه وقبل إعلان المصرف عن نتائج الربع الأول من 2023، لم يكن أحد يعرف بدقة ما هو حجم السحوبات التي تعرض لها، ولكن النتائج أزالت كل الشكوك، وبالتالي فإن أي حل يتم تقديمه حالياً، يجب أن يكون بحجم الضغوط الكبيرة المتوقعة، ما قد يعيد الثقة للمودعين التي باتت أمراً صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً.
الانهيار الثاني في 40 يوماً
ويضيف فحيلي إن أسهم First Republic Bank ستعاني من تأثيرات سلبية بسبب تدهور استقرار أعمال المصرف، لافتاً إلى أن هذا الأمر كان متوقعاً على نحو كبير، وهو ما دفع بالعديد من مؤسسات التصنيف الائتمانية، إلى خفض تصنيف First Republic Bank إلى درجة دون استثمارية، وذلك رغم الإجراءات الإنقاذية التي تم إتخاذها، والتي وصفها بعض المحللين بأنها حلول قصيرة الأجل.
المصرف يعاني من مشاكل خطيرة
ويرى فحيلي أن أكثر ما يثير القلق هو أن First Republic Bank، يعتمد بشكل شبه كامل على الودائع لتمويل أعماله، ومع بدء فرار المودعين، فقد كان عليه الانتقال للاعتماد بشكل أكبر على قروض الجملة الأكثر تكلفة، مشدداً على أن المصرف يعاني من مشكلات خطيرة في كمية أصوله ونمو كبير في القروض، ومتوقعاً أن يكون هدفاً محتملاً للاستحواذ في المرحلة المقبلة.